انها دراما كرة القدم .. تلك التى تبدو أحيانا مثل احد الأفلام الهندية الصاخبة الراقصة الحزينة التى يفيض فيها نهر الدموع على ألحان الموسيقي، وهذا هو سر اللعبة، فالشك فى النتائج جعلها رياضة مثيرة، وهذا ما وصل بمنتخب مصر الى النقطة الفاصلة بتصفيات كأس العالم، وهى الفوز على الكونغو فقط فى الجولة قبل الاخيرة دون النظر لأي حسابات اخري، بعد ان سئمنا من حسبة برما فى كل مرة. لقد كان مشوارا دراماتيكيا هذه المرة، بدأناه بانتصارات مبكرة منحتنا الصدارة فى المجموعة، ثم فى اصعب اللحظات ساندتنا الظروف لتزيد من ثقة الجماهير فى التأهل بعد 28 عاما عجافا خذلتنا فيها دراما كرة القدم، وكان مغلفا بلحظات من الثقة دائما رغم ما تخلله من أوقات صعبة. عندما سافر المنتخب الوطنى الى كمبالا لمواجهة أوغندا، وهو متصدر المجموعة ب 6 نقاط، احتشدت جماهير الكرة فى المقاهى للاحتفال بخطوة إضافية للفريق فى الطريق الى روسيا، إلا ان المنتخب الأوغندى فاز بهدف نظيف، وعندما خيمت سحب كئيبة على سماء الكرة المصرية، لان الحلم المؤجل منذ عام 90 بدأ يتواري، كانت المفاجأة ان الكونغو ( التى لا تنافس ) تعادلت مع غانا، وما جرى فى اكرا يؤكد دراما كرة القدم التى عاشها الفريق والجماهير المصرية فى رحلة التأهل هذه المرة بعد ان عاد الأمل قويا شريطة الفوز على أوغندا فى برج العرب، وهو ما كان. ولان خسارة واحدة فى اربع مباريات كادت تعيد من حسابات الآخرين، وأخرجت لنا طموح المنتخب الأوغندى يطارد حلم المصريين، حيث كان يعنى فوزهم على غانا ان تتعقد الأوضاع تنتظر نتيجة مباراة المنتخب الوطنى مع الكونغو ثم مع غانا فى الجولة الاخيرة باكرا، باعتبار ان أوغندا لم ولن تترك وقتها هى الاخرى حكاية الفوز على الكونغو فى آخر جولة، أى ان التعقيد كان سيزداد خاصة فى حال ان مصر ستكون مطالبة وقتها بالفوز على غانا بالجولة الاخيرة هناك، وفى الوقت الذى كاد يعيد الجميع النظر فى الأوراق، احتشدت الجماهير المصرية بشغف تتابع من جديد مباراة غانا مع أوغندا فى كمبالا ايضا، وشاءت الاقدار ان يتعادل الفريقان بدون أهداف، ليسقطا معا من حسبة المنافسة على بطاقة التأهل فى حال فوز مصر على الكونغو بأية نتيجة، وهذه هى مفاجآت تصفيات المونديال التى يشهدها كوكب الارض فى كل قاراته، لان كرة القدم لا تعترف بأي حسابات، ولا يمكن كتابة سيناريو مسبق بنهاية محسوبة فى اخر الفيلم.. فكم انت ساحرة يا كرة القدم؟! وبين حسابات تلك الدراما التى عاشها المنتخب الوطني، وواقع الاداء الذى شهد كثيرا من الانتقادات التى حاصرت الفريق ومديره الفنى هيكتور كوبر بشأن الاداء رغم الفوز وحصد النقاط، كانت هناك مؤثرات صوتية تحيط بمشوار هذه التصفيات، وحوار تصادمى بين المنادين بالنتائج من اجل التأهل، والمتحدثين عن الاداء وجماله ورونقه، ولكن هذا أوجد دراما اخرى يمكن تلخيصها فى عبارة قالها الكاتب الفرنسى البير كامو ، الذى قال يوما: « تعلمت ان كرة القدم لا تأتى مطلقا نحو احدنا من الجهة التى ينتظرها منها»، وقد لعبنا كثيرا جيدا فى تصفيات سابقة ولم نتأهل، فلماذا نتجادل مادمنا سنتأهل؟!.. فالتاريخ لا يذكر سوى النتائج.. وعدد مرات اللعب فى كأس العالم! ان كرة القدم، كما يقول ادواردو جاليانو فى كتابه « كرة القدم بين الشمس والظل، هى مرآة للعالم ، وهى تقدم الف حكاية وحكاية مهمة، لذلك فإن ما عايشناه مع تلك التصفيات الحالية لابد ان يأتى الوقت ليسرده تاريخ كرة القدم مليئا بحشد كبير من الذكريات واللحظات الساحرة التى لم تعشها اجيال كانت صغيرة او ولدت بعد اخر تصفيات تأهلنا من خلالها عام 1990!