ونحن نحتفل اليوم بالذكرى الرابعة والأربعين لانتصار أكتوبر المجيد يجب ألا يغيب عنا سؤال الحاضر والمستقبل. وحتى نقدم الإجابة الصحيحة عن ذلك السؤال فإن علينا أن نفتش في دروس ذلك الانتصار لنضع أيدينا على ذلك العامل أو كلمة السر في تحقيق ذلك الانتصار الذي يمكن أن يكون معينا لنا اليوم في تلمس التعامل مع الحاضر بتعقيداته واستشراف المستقبل. الانتصار في حرب أكتوبر لم يكن انتصارا عسكريا فقط بل إنه يمثل انتصارا لإرادة شعب قرر أن ينتصر مهما تكن الصعاب والتحديات والإمكانات. قرر أن ينتصر ليثأر لكرامته وتاريخه، وأن يكسر إرادة العدو الذي توهم وأشاع أنه محصن من الهزيمة وأن قدراته العسكرية والمادية وحلفاءه قادرة على دفع المصريين لعدم التفكير في خوض مواجهة ثانية معه. إذن البداية الحقيقية كانت الإرادة. والإرادة هنا لم تكن شعارات أو تسجيل مواقف، بل عبرت عن نفسها في إجراءات على الأرض. إذ ربط المصريون الحزام على بطونهم، واحتشدوا خلف القوات المسلحة وقائدها الأعلى. وحينما طلبت الدولة الدعم المالي للجيش وطرحت ما سمي «سندات الجهاد» بادر المصريون إلى شرائها وفي خلال شهر واحد كانت الحصيلة نحو 7 ملايين جنيه، وتحملوا كل الإجراءات والأوضاع المعيشية القاسية. ولم يعد يعلو هدف الدخول في الحرب والانتصار أي هدف آخر. وكان السؤال الرئيسي منذ عام 1967 وحتى قبيل حرب أكتوبر 1973 هو متى نخوض الحرب، بل إن البعض كان يشكك في نية الرئيس السادات في خوض الحرب، بينما كانت القوات المسلحة تعيد بناء نفسها وتواصل العمل والاستعداد إدراكا منها أن مصر لا تتحمل تكرار ما حدث في 1967. وعبر ست سنوات ما بين الهزيمة والنصر ظلت إرادة المصريين صلبة لم تنكسر، وهي وحدها السبب الرئيسي والوحيد لتحمل المصريين الأوضاع الصعبة خلال تلك السنوات الست. مصر في أكتوبر 2017 تواجه حالة تشبه إلى حد كبير حالتها خلال السنوات السابقة لانتصار أكتوبر. فهي تواجه حربا واسعة ضد الإرهاب الذي يسعى إلى استنزافها عسكريا وسياسيا واقتصاديا بل واجتماعيا. ليس هذا فحسب بل إن قوى كثيرة تعمل على كسر إرادة المصريين المعلنة منذ ثورة 30 يونيو من خلال استغلال المعاناة الاقتصادية للمصريين جراء عملية الإصلاح الاقتصادي. ومع أن أحدا في مصر لا ينكر صعوبة الوضع الاقتصادي، فإن الحقيقة أيضا أن ذلك الإصلاح مثل الدواء المر الذي لا مفر من تناوله بل إن تأخير تجرعه أسهم في وصول الأوضاع إلى ما هي عليه، تماما كما كان تحمل الأوضاع الاقتصادية قبل حرب أكتوبر دواء لا مفر منه للدخول في حرب استعادة الكرامة والأرض. الإرادة التي عبر عنها المصريون في أكتوبر 73 و30 يونيو 2013 هي ضرورة استعادة مصر وتحريرها من مختطفيها والانطلاق بها لتحتل مكانتها التي تليق بتاريخها وحضارتها وبشعبها. الفارق بين مصر 1973 ومصر 2017 أن مصر الأولى كانت تواجه عدوا واضحا لا اختلاف على تعريفه، وقواعد الحرب معه معروفة رغم صعوبة الإمكانات، أما مصر الثانية فإنها تواجه حربا جديدة تندرج ضمن ما يعرف بحروب الجيل الرابع وهي حروب لا يتفق الجميع بشأن وقوعها، ومن ثم تجد بين المصريين من لا يزال يشكك في أن مصر تواجه تلك الحرب، علاوة على المواجهة مع الإرهاب والتي تقع ضمن حروب العصابات حيث لا مسرح للعمليات. ولأن إرادة المصريين هي العنصر الحاكم في الانتصار في أى حروب مهما تكن صعوبتها، كما تؤكد حرب أكتوبر، فإن الرئيس السيسي دائما ما يكرر أن مواجهة كل التحديات وتخطيها ممكن ما دام المصريون على قلب رجل واحد، وما داموا يمتلكون إرادة العبور للمستقبل. بتعبير آخر فإن شعبا بمواصفات شعب أكتوبر هو فقط القادر على تجاوز آلام اللحظة الراهنة ووضع الإجابة الحاسمة على سؤال إلى أين نتجه؟ رحم الله شهداء الوطن وكل التحية للساهرين على حمايته وحفظ أمنه واستقراره.. تحيا مصر وقواتها المسلحة صمام الأمان ومصنع الأبطال. لمزيد من مقالات بقلم علاء ثابت