نظر الكثيرون إلي يوم الثلاثاء الماضي باعتباره يوم الحسم فقد كانت محاكم القضاء الإداري تنظر هذا اليوم خمس منازعات كبري حول قضايا أساسية يدور حولها الصراع بين أطراف سياسية متعددة. وكان الحكم في هذه المنازعات كفيلا بإدخال البلاد مرحلة من التوتر الشديد ينذر باللجوء إلي مواجهات عنيفة. تطالب هذه الدعاوي بحل مجلس الشوري و بطلان تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور وإلغاء الإعلان الدستوري المكمل وإلغاء قرار رئيس الجمهورية بعودة مجلس الشعب. وعندما يدور الخلاف بين القوي السياسية حول قضايا من هذا النوع فإننا نكون أمام مواجهة لا تحمد عقباها, يمكن أن تشل العمل الوطني وتشيع عدم الاستقرار في المجتمع. في ظل هذا المناخ المضطرب يتصاعد الصراع السياسي حول القضايا الكبري ومايترتب عليها من إسناد سلطة التشريع إلي المجلس العسكري وتعطيل إعدادالدستور, وبالإعلان الدستوري المكمل الذي يعتبره رئيس الجمهورية المنتخب إتنقاصا من مسئولياته, ويسعي كل طرف لامتلاك مساحات جديدة علي حسب الطرف الآخر. وقد تدني أسلوب المواجهة بين مختلف الأطراف إلي الحد الذي يجاهر معه بعض أساتذة القانون الدستوري بمطالبة المجلس العسكري بحسم الصراع من خلال إنقلاب عسكري صريح, بينما يندد البعض الآخر بالقضاء المصري ويحط من شأن المحكمة الدستورية العليا ويتهمها بالتزوير ويعتبر أحكامها في حكم العدم, ويجاهر آخرون بأن القضاء فاسد, وينتهي البعض الثالث إلي أن سلطة الشعب هي الأعلي من كل السلطات وهي قولة حق يراد بها باطل حيث يبرر هؤلاء لإجراء إستفتاء يتم بمقتضاه الإطاحة بالنظام القضائي الحالي وإعادة النظر في المنظومة القانونية بما يمكن الأغلبية البرلمانية من إعادة بناء النظام السياسي المصري وصياغة دستور البلاد وإقامة منظومة قانونية جديدة ونظام قضائي جديد لتتمكن هذه الأغلبية من التحكم في سلطة الدولة سنوات طويلة قادمة في عملية ستكون في الحقيقة إغتصابا سافرا للسلطة وعدوانا صريحا علي حقوق وحريات المصريين. لايبدو في ظل هذا الصراع بما شهده من تطورات وانتكاسات أنه يوجد مخرج من المأزق الذي تعيشه مصر حاليا إلا بالسعي من العقلاء ومن كل الأطراف الحريصة علي مستقبل هذا البلد للوصول إلي توافق وطني حول برنامج عمل يتضمن مهام محددة يتفق الجميع علي العمل معا من أجل تنفيذها خلال الشهور الستة القادمة وهي الفترة المتبقية من المرحلة الانتقالية. ولابديل عن تحمل رئيس الجمهورية مسئولية الدعوة إلي تحقيق هذا الهدف من خلال مؤتمر للتوافق الوطني يشارك فيه ممثلون للأحزاب السياسية والهيئات القضائية وشباب الثورة ومنظمات المجتمع المدني كما يشارك فيه ممثلون للمجلس الأعلي للقوات المسلحة باعتباره سلطة الأمر الواقع وتطرح للنقاش داخل هذا المؤتمر القضايا الآتية: إعادة صياغة الإعلان الدستوري المكمل لإنهاء التنازع حول الاختصاصات. وإعادة تشكيل الجمعية التأسيسية للدستور بما يضمن التوازن في تمثيل كل فئات الشعب وعدم انفراد تيار سياسي واحد بالأغلبية لضمان صياغة دستور يحقق المصالح المشتركة للمصريين ويكون موضع رضاهم. وتحديد الجهة المنوط بها ممارسة السلطة التشريعية خلال الفترة الإنتقالية ويفضل أن تكون الجمعية التأسيسية للدستور بالإضافة إلي مهمتها في صياغة الدستور الجديد وهو ما حدث في تونس. وصياغة قانون انتخابات مجلس الشعب وقانون إنتخابات المجالس الشعبية المحلية لضمان الشروع فورا في إنتخاب هذه المجالس الشعبية بعد الإستفتاء علي الدستور الجديد. التوافق حول مهام أساسية للمرحلة الإنتقالية تكون لها الأولوية في نشاط الحكومة وأجهزة الدولة بمساندة القوي السياسية وشباب الثورة مثل تفكيك بنية الإستبداد, وإعادة بناء أجهزة الأمن, والإفراج عن المدنيين المحكوم عليهم في قضايا عسكرية وإتخاذ إجراءات عاجلة لتحقيق العدالة الاجتماعية وإستعادة النشاط الاقتصادي وتشجيع الإستثمارات الجديدة. ورغم أهمية هذه الدعوة لمؤتمر التوافق الوطني فإن البعض ينظر إليها بحذر ويري أنها عملية مستحيلة لأن القوي المدعوة للتوافق بينها خلافات جوهرية لن تمكنها من تخطي هذه الخلافات والتوافق حول القضايا المطروحة, ويفتقد هذا البعض إلي الإرادة القوية للدخول في هذه العملية مهما كان باديا من النظرة الأولي أنها تواجه عقبات كبيرة لأن مسئولية القوي السياسية هي بالدرجة الأولي إقتراح الحلول للخروج من المأزق وطرح بدائل للسياسات المتبعة كفيلة بتجاوز هذا المأزق, وليس من حقها أن تستسلم للأمر الواقع وأن تنجر إلي صراع مدمر وتستهلك طاقاتها في مواجهات قانونية بوهم أن المنازعات القانونية يمكن أن تحل مشاكل سياسية وإجتماعية بهذه الدرجة من التعقيد والشمول. نحن جميعا مطالبون بالنظر إلي مسألة السعي للتوافق الوطني باعتبارها ضرورة تمليها أوضاع البلاد والحاجة إلي تعبئة كل الطاقات من أجل تجاوز الأزمة الراهنة. المزيد من مقالات عبدالغفار شكر