قبل توجهه الى مهرجان الاسكندرية السينمائى مكرما من دورة هذا العام ،تحدث المخرج التونسى فريد بوغدير (73 سنة) الى «الأهرام»، ومن قبل حصل صاحب « عصفور السطح « و « صيف حلق الوادى» و«زيزو» فضلا عن مجموعة من الأفلام التسجيلية على جائزتين من مهرجان القاهرة السينمائي: فى عام 1990 عن فيلمه الروائى الأول و العام الماضى عن فيلمه الأخير . وكما أبلغنا فإن افلامه الروائية الثلاثة أشبه بسيرة ذاتيه من الطفولة الى الكهولة. وفيما يلى نص الحوار : ما الذى أفاد رؤيتك السينمائية كمخرج عملك بالصحافة (فى مجلة جون افريك) منذ مطلع السبعينيات ؟ حقيقة كان أسهل بالنسبة لى عند البداية أن أصبح ناقدا سينمائيا وقبل أن اصبح مخرجا, والدى كان عميدا للصحفيين التونسيين ويكتب القصة و جدى كتبيا يبيع الكتب بسوق الزيتونة . وبالنسبة للسينما فأنا ابن تجربة نوادى السينما بتونس منذ أيام المراهقة فى عقد الستينيات. وتعلمت من النقاشات التى تعقب عروض الأفلام واكتشفت أن الفيلم ليس للتسلية فحسب . و بدأت كتابة النقد السينمائى وتحليل الأفلام لمجلة «جون أفريك» فى وقت اكتشفت أيام قرطاج السينما الأفريقية .وعشت فى باريس بين عامى 72 و1976 كى أحصل على الدكتوراة بعدما درست تاريخ السينما والصحافة . وعدت الى تونس لأقوم بالتدرس فى معهد الصحافة وعلوم الإخبار . واقع الحال أننى ناقد ومخرج فى الوقت نفسه، واكبت فى «جون أفريك» بالتحليل والى الآن الأفلام العالمية. لكن المخرج عنده نوع من الإحساس يختلف عن النقد والتحليل .وعندما أعكف على الإخراج أحاول أن أتناسى أننى فريد بوغدير الناقد. أعود الى أحاسيس الطفولة والانطباع الأول . لكن مفيدة التلاتلى مونتيرة فيلمى «عصفور السطح « صارحتنى ذات مرة قائلة:» أنت صعب لأنك أثناء المونتاج تتحول الى ناقد .. أنت واحد من أصعب المخرجين «. تبدو أفلامك الروائية قليلة الى حد دفعت الصحفييين هنا بتونس للتساؤل عن أين اختفى فريد بوغدير بعد فيلمه الروائى الثانى «صيف حلق الوادي» عام 1996؟ صحيح بين فيلم «زيزو» الحاصل على جائزة فى مهرجان القاهرة السينمائى عام 2016 و«صيف حلق الود» نحو عشرين سنة كاملة. وربما كان السبب أننى انشغلت كثيرا بالتأسيس للبنية الأساسية للسينما التونسية والافريقية من خلال «جامعة السينما الافريقية «ورئاسة مشروع تمويل السينما الإفريقية. وفى تونس انشغلت بأدوار ومهام الناقد والأستاذ الجامع والناشط فى جمعيات السينما وأدرت مهرجان قرطاج غير مرة نهاية بتأسيس المركز القومى للسينما بعد الثورة. ولا تنسى أن رسالتى للدكتوراة تناولت طرق التمويل الذاتى للسينما الأفريقية . بماذا تفسر الطفرة فى أعداد الافلام المنتجة سنويا بعد الثورة بتونس ؟ فى زمنى كنا ندرس السينما بالخارج. والآن كل عام يتخرج داخل تونس نحو 300 سينمائى يسعى العديد من بينهم لعمل أفلامه . وهناك ايضا سهولة التصوير الرقمى عما كان عليه الحال من قبل . ولكن لا يمكن أن نفسر الأمر هذه المرة باتساع هامش الحرية . فالسينما على خلاف التلفزيون تمتعت بالجرأة فى زمن بن على إذ لم تمارس عليها رقابة قوية . وأفلامنا كانت محل هجوم من التيار الإسلامى وربما تصرف بن على وفق المثل «عدو عدوى هو صديقى». وربما أسهم حصد فيلم «عصفور السطح» للعديد من الجوائز الدولية فى حماية السينما التونسية من الرقابة قبل الثورة . وأعتقد أن أهم ما يميزنا فى تونس هو الجرأة فى طرح الموضوعات و البحث عن لغة سينمائية عصرية وبمستوى عالمى .وبالطبع هناك محاولات ناجحة وأخرى فاشلة . يوجه تونسيون انتقادات الى أفلامك قائلين انها تستهدف الجمهور الأوروبى وتحمل نزعة سياحية فولكلورية مارأيك؟ هذا كله خطأ . أنا أحاول أن تكون أفلامى سهلة للجمهور وإن حملت أعماقا نفسية واجتماعية .وأعتقد أن أفلامى نجحت فى تونس أكثر من الغرب مائة مرة . فالسينما يمكنها أن تكون محلية وكونية معا . وبقدر ما يكون الفيلم محليا يصبح عالميا . مالذى يعنيه بالنسبة لك تكريمك فى مهرجان الأسكندرية 2017؟ أنا سعيد جدا لأن هذا التكريم بمثابة نهاية لسوء التفاهم بينى وبين السينما المصرية .فى نوادى السينما بتونس بعد النكسة وفى السبعينيات كنا نهاجم السينما التجارية المصرية ونميز بين أفلام التجارية و أخرى تتناول الواقع . ولعلنى كنت فى شبابى أقول أنا ضد السينما التجارية المصرية فقام البعض بتنحية التجارية وقالوا عنى أننى ضد السينما المصرية أو حتى وصفونى بأننى «عدو السينما المصرية». لكن واقع الحال أننى كنت ضد سينما الباشوات والقصور بينما أقدر أفلاما مصرية أخرى كباب الحديد والعزيمة وغيرهما. وتكريم الاسكندرية بحق هو أشبه بعودة « الإبن الضال» الى أم السينمات العربية . و أهدى هذا التكريم الى السينما التونسية اعترافا بقيمتها وبجرأتها وبكل مخرج بها يمثل فى ذاته مدرسة متفردة . من فى رأيك أهم مخرجى وممثلى السينما المصرية ؟ من المخرجين شادى عبد السلام ويوسف شاهين وتوفيق صالح ومجدى أحمد على .. ومن الممثلين أعتز جدا بالراحلين أحمد زكى ومحمود عبد العزيز وأيضا يسرا وهند صبرى .