مثل كل عام، تأتى ذكرى الانتصارات المجيدة فى حرب السادس من أكتوبر عام 1973 لتضيف الجديد وتحرك الوجدان ومن قبله العقل. فإذا نظرنا حولنا اليوم سنجد مشهدا صعبا لمنطقتنا؛ فالدول العربية أصابها الضعف أولا، وزاد الوضع المتأزم والنظرة الضيقة من حالة التشرذم العربى، وبالتالى زادت الأطماع من دول المحيط الجغرافى للعالم العربى ومعها أيضا زادت أطماع الدول الإقليمية الكبرى ثم تلتها أطماع الدول الكبرى عالميا وأولا وأخيرا أطماع الدولة العسكرية الكبرى .. الولاياتالمتحدة!! ومع زيادة الأطماع تضاربت المصالح على المستوى العربى العربى من ناحية وعلى المستوى العربى الخارجى من ناحية أخرى. وللأسف الشديد، بدأت دول عربية تستقوي بالخارج فى مواجهة حالات شكوك وتوجس من نوايا الدول العربية الشقيقة الأخرى. واليوم لم يعد هناك مجال لإنكار الحقيقة : العالم العربى يمر بمرحلة تصدع خطير. وهنا يفرض سؤال هام نفسه : ماهو الحل؟! وتأتى الإجابة لتقول بأن الحل يبدأ من "الأمل". الأمل فى غد أفضل والأمل فى توفير الاحترام للمواطن العربى داخل بلده. والأمل فى تحسين مستوى التفكير والرؤى وتحقيق نقله من التركيز على التنافس السلبى العربى - العربى إلى مرحلة التنافس الإيجابى حيث التسابق إلى الخيرات والتنمية وتحقيق النمو الإقتصادى والاجتماعى والدفاعى وليس إلى التخريب والتدمير والارتماء تحت أقدام أعداء العرب واستجداء عطفهم. وفى ذكرى السادس من أكتوبر 1973 يكون لإستعراض الماضى والتاريخ حلاوة وفائدة؛ فذكريات النصر والتعاون العربى والوقفة العربية الجادة أمام العدوان كانت عظيمة، أما الفائدة فتكمن فى الدروس والعبر المستفادة من تذكر الماضى. فاذا استعرضنا ما جاء بوثائق المخابرات الأمريكية قبل يوم 6 أكتوبر 1973 وما بعده فسنتعلم الكثير. وفى الوثيقة المخابراتية الأمريكية الخاصة بمتابعة أنشطة التعاون العربى العربى المشترك وبتاريخ 9 مايو 1973 جاء ما يلى : "" نشرة المخابرات المركزية : الدول العربية إسرائيل : حسنت عمليات نقل طائرات هجومية ليبية وعراقية إلى مصر من قدرة القاهرة على مهاجمة أهداف إسرائيلية، ولكن تفوق إسرائيل العسكرى ليس مهددا. ...ويمكن لكل من الميراج والسوخوى فيتر أن يصلا إلى أهداف فى داخل إسرائيل نفسها، ولكن فقط الميراج التى يمكن أن تطير على الارتفاعات المنخفضة المطلوبة لاختراق الدفاعات الإسرائيلية ولا تزال بامكانها أن تصل إلى إسرائيل مع حمولة كافية. ويعتقد أن الطائرات الميراج الليبية المقدمة إلى مصر يقودها طيارون مصريون. ...تضيف الطائرات ... قليلا فقط إلى التفوق العددى فى الطائرات المتحقق لدى العرب بالفعل. ولكن الطائرات الجديدة قد تجعل من الصعب على إسرائيل الدفاع عن نفسها ضد الهجمات الجوية، خاصة إذا شنت مصر وسوريا ضربة منسقة."" وكما هو واضح، فإن العرب أى الدول العربية مصنفة لدى أجهزة المخابرات الأمريكية على أنها جبهة واحدة معادية لإسرائيل وبالتالى لمصالح الولاياتالمتحدة. وفى وثيقة تالية صدرت عقب أسبوع واحد من بداية حرب أكتوبر جاء ما يلى: " بدا التخوف الأمريكى من ارتفاع المعنويات العربية فى أنحاء العالم العربى كبيرا وجاء التحذير كما يلى : " ومع استمرار القتال، تُظهر بلدان عربية أخرى علامات دعم المصريين والسوريين؛ فإن المساهمات الفردية قد لا تكون كبيرة، ولكنها بصورة جماعية يمكن أن تكون كبيرة. وإذا كان المقاتلون الحاليون قادرين على مواصلة المعركة، ولم يهزمهم الإسرائيليون، فإن باقى العرب يمكن أن يصابوا برائحة الانتصار والانضمام إليها." وهكذا يبدو الأمر أكثر وضوحا إنها "رائحة الانتصار" التى يضنون بها علينا؛ فانتصار فى حرب أكتوبر يجب أن تشوبه "الثغرة"، وإذا كان النصر قد أدى إلى انسحاب العدو فإن العدو يمنع العرب من "رائحة النصر" بإعلان نفسه منتصرا هو الآخر فى حرب أكتوبر1973!! وإذا انتصرنا بالسلام القائم على العدل واستعدنا سيناء جاءت محاولات منعنا من "رائحة النصر" بغزو لبنان والمقاطعة العربية واستهداف العرب بأعمال إرهابية أججت الصراع العربى - العربى البينى!! وإذا كان هناك انتصار على الإرهاب فى مصر فإن شن هجمات تائهة بين وقت وآخر أمر لازم لتعكير رائحة النصر!! وفى العراقوسوريا وبعد تحقق "نصر مرحلى" على الإرهاب كان لابد من منع "رائحة النصر"؛ فظهرت أزمة محاولة انفصال كردستان العراق واستمر الضغط على سوريا بهدف استمرار إستباحة أراضيها من القوى الإقليمية والدولية بل واستهداف الإستقرار السورى ذاته بتأليب الجماهير السورية على بعضها البعض!! الخطر واضح نظريا وعمليا، والحل أكثر وضوحا من الناحية النظرية، ولم يعد هناك سوى لحظة الانطلاق العملية الفعلية التى ينتظرها العرب منذ وقت بعيد. إن نصر أكتوبر يجب أن يستمر. لمزيد من مقالات طارق الشيخ;