رنة مميزة على تليفونى المحمول تعلن وصول رسالة تحمل أخبارا جديدة :"الذكرى ال42 لإنتصار 6 أكتوبر المجيد. كل عام وأنتم بخير. مصر تخوض حربين وإسرائيل تستعد". قفزت الرسالة القصيرة على شاشة تليفونى المحمول لتثير الثقة والفخر. فقد أطلقت ذكرى نصر أكتوبر عام 1973 حالة من الفخر والثقة لدى كل مصرى على مدار العقود التالية على تلك الحرب المجيدة. فمنذ ذلك اليوم يفخر كل مصرى بجيش بلاده العظيم وبنجاحه فى مواجهة "المعتدى" المدعوم من غالبية الدول الغربية المحبة للإستعمار والكارهة للحرية. ولم يكتف جيش مصر العظيم وشعبها الصبور بما تحقق فى أيام العمليات العسكرية من إنتصارات ونجاح وصمود وبسالة بل إستمر الكفاح والصمود أمام كافة أنواع التخريب والتدمير والإرهاب الأجنبى التى تلت الإنتصار المصرى العربى الكبير. وتم تكليل هذا الكفاح وتلك الجهود بتحرير كامل الأرض المصرية المحتلة بجهد من الشعب والجيش والدبلوماسية والسياسة معا. أما الثقة التى ولدها النصر فكانت هائلة. ولم يعد بخافٍ على أحد فى أنحاء العالم أن الثقة القائمة بين الشعب المصرى وجيشه العظيم هى التى أنقذت مصر مرارا وتكرارا من "الحروب الخفية" التى شنها الأعداء على مدار أكثر من أربعة عقود تالية على نصر أكتوبر المجيد فى عام 1973. بل وكانت تلك الثقة هى القوة الأساسية التى حفظت لمصر توازنها وتماسكها عقب الهجمة الدولية التفكيكية الهائلة التى تعرضت لها غالبية دول العالم العربى!! إن مصر 2015 تخوض بشعبها وجيشها حربا شرسة جديدة فى ظل عالم جديد وقواعد جديدة. أما أهم مفاتيح النصر فى الحرب الجديدة فيتمثل فى صلابة وإرتفاع "الروح والمعنويات والثقة" ليس لدى كل جندى وضابط فى الجيش فقط ولكن لدى كل مواطن مصرى (كل طفل وطفلة وشاب وشابة ورجل وسيدة). ولكن ماذا يحدث فى إسرائيل اليوم؟ وتأتى الإجابة من أمام مقبرة قتلى الجيش الإسرائيلى حيث تم تنظيم حفل إحياء ذكرى حرب أكتوبر 1973. ووقف وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه يعلون مؤكدا أن الكثير من التساؤلات مازالت تثار حول تلك الحرب التى فاجأت إسرائيل وتسببت فى هذا الكم الكبير من الأسئلة التى تبدأ بصيغة "ماذا لو؟!!" وهو ما يعنى "الندم". وأكد يعلون أنه على الرغم من مرور 42 سنة على الحرب فإن الدروس التى تلقتها إسرائيل فى تلك الحرب تجبر الإسرائيليين على البحث داخل أنفسهم. وأضاف قائلا:"علينا جميعا أن نتعلم دروسا من حرب 1973 التى ستظل تلازمنا كظل ثقيل ومشئوم. بالتأكيد لقد تغيرت التحديات، ولكن تظل تلك الدروس بارزة ..لقد تركت الحرب جرحا فى المجتمع الإسرائيلى". وتحدثت ألسنة مجموعة من قدامى المقاتلين الإسرائيليين ممن شاركوا فى حرب أكتوبر 1973. إسحق تايتو 74 سنة يرى أن الدرس الذى خرج به من الحرب هو "أهمية الإنضباط" والقدرة على تحويل ما يتم التدرب عليه طوال العام إلى "فعل". وإذا كانت التدريبات والروتين معدة بشكل جيد طوال العام فإن "الفعل" سيكون سليما فى حالة الحرب فنتيجة الحرب تعتمد على "الإنضباط". شموئيل زورو 60 سنة الذى عانى من ذكريات مؤلمة فى حرب 1973 أكد أن الجيش الإسرائيلى تعلم الكثير منذ "حرب يوم كيبور" (حرب أكتوبر لدى الإسرائيليين). واليوم حدث تغيير فى المعدات المستخدمة فى الجيش الإسرائيلى؛ فقد أصبحت رقمية وأكثر تقدما. أما الكاتب الصحفى والمذيع الإسرائيلى يشاى فليشر فقد قدم بعض الدروس التى لقنتها لهم الهزيمة فى حرب أكتوبر 1973. وكانت أبرز تلك الدروس هى :1 أهمية وجود الثقة ولكن بلا غرور حيث أكد الكاتب أن "الغرور" الإسرائيلى بعد عام 1967 أدى إلى التقليل من شأن العرب، مما كبد إسرائيل ثمنا فادحا. 2 الخوف من العالم. ويقترح الكاتب أن إسرائيل عليها أن تكف عن الخوف من رد الفعل العالمى على أفعالها! 3 التفوق التكنولوجى. فقد أشار الكاتب إلى أن إسقاط 128 طائرة حربية إسرائيلية أثناء الحرب بواسطة الصواريخ المضادة للطائرات طراز"سام"، وكانت تكنولوجيا متقدمة فى حينها، يؤكد أهمية "منع" الخصوم (يقصد العرب وإيران) من التفوق التكنولوجى. وأشار بأسى إلى أن المخابرات الإسرائيلية فشلت فى حرب 1973 لأنها ظلت تؤكد أن الحرب لن تقوم. ولكن : "تغيرت الحروب اليوم وعلى تكتيكات إسرائيل أن تتغير لتتماشى مع أسلحة اليوم التى يمكن أن تتواجد فى لوحة مفاتيح الكتابة الخاصة بأحد المراهقين على موقع تويتر بدلا من أجهزة التحكم الموجودة فى كابينة القيادة الخاصة بطيار مقاتل متمرس". وهو يرى أن إسرائيل بحاجة إلى قوانين قوية لمجابهة رماة الحجارة، وبحاجة أيضا إلى جيش لمواقع الإعلام والتواصل الإجتماعى، وإلى مجموعة من الخبرات الفذة فى مجال صناعة الفيديو ومتحدثين ملهمين قادرين على "إعادة الفخر" إلى جبهة المعركة الخطابية التى تخوضها إسرائيل. لقد شعرت وتشعر وستظل تشعر إسرائيل بعقدة الهزيمة المؤلمة أمام مصر والعرب فى حرب أكتوبر 1973. ولكن من المؤكد أن هناك من يرغب فى تخطى مشاعر الألم والهزيمة فى إسرائيل من خلال "التأهب" و"الإستعداد" لجولات صراع قادمة. جولات صراع جديدة بأساليب جديدة تلائم العالم الجديد. دارت تلك الأفكار فى ذهنى فنحيت تليفونى المحمول جانبا ونظرت إلى الأفق فى صمت. لمزيد من مقالات طارق الشيخ