اكتوبر..النصر والتحرير بقلم: محمد عبد القادر منذ 1 ساعة 17 دقيقة رغم كافة ما ذكر عن حرب أكتوبر فى مختلف الوسائط الإعلامية وتناولته الكتب والروايات، إلا أن تلك الحرب كانت ولازالت تحفل بالعديد من الخفايا والأسرار، التى يجهلها الكثيرين فى العالم، حتى داخل إسرائيل نفسها، حيث كلما أفرج عن جزء منها أو تسرب.. كلما تأكدت قوة وعظمة المصريين أمام غرور الأوهام المضللة التى عاش الإحتلال فيها، لذا فإن من يظن أن الكلام عن حرب السادس من أكتوبر قد أصبح مادة مستهلكة.. فهو خاطئ، ذلك أن الحديث عن إنتصار أكتوبر المجيد..حديث لا ينتهى، نظرا لكم ما حمله من معان، وأظهره من قدرة مصرية وعربية على تحدى كافة الصعاب فى سبيل إستعادة الحق والأرض، التى سلبها الإحتلال ظنا منه توهما بقدرته على الإحتفاظ بها، من ثم التحكم فى مجريات الأمور بالمنطقة، وهو ما قلبته عليه حرب العاشر من رمضان بعدما أسقطت أسطورة الجيش الذى لا يقهر، بل وهدمت كافة نظرياته عن إمكانية تحقيق الأمن على الأراضى العربى فى ظل سياسة الأمر الواقع التى فرضها على الأرض، أيضا لتقلب موازين الصراع العربى الإسرائيلى ككل. كذا فقد أتت الحرب لتفتح المجال أمام أحاديث السلام من جديد.. "السلام الوحيد الذى يستحق وصف السلام" حسب كلمات الرئيس الراحل أنور السادات فى خطابه يوم 16 أكتوبر1973، الذى قال فيه:"لقد حاربنا ونحارب من أجل السلام الوحيد الذي يستحق وصف السلام، وهو السلام القائم على العدل. فالسلام لا يفرض.. وسلام الأمر الواقع لا يدوم ولا يقوم. لم نحارب لكي نعتدي على ارض غيرنا، بل لنحرر أرضنا المحتلة ولإيجاد السبل لإستعادة الحقوق المشروعة لشعب فلسطين. لسنا مغامري حرب .. وإنما نحن طلاب سلام". ومهما بلغ كم ما نجحت إسرائيل فى إخفاؤه عن هزيمتها فى حرب أكتوبر 73من خلال ما تناوله إعلامها عن حادثة "الثغرة"، إلا إنها قد أخفقت فى محو الكثير من الحقائق، التى لا نعلمها نحن فقط تمام العلم، بل وعلمها العالم بأسره وشهد عليها فى وقتها أيضا، ففى 12 أكتوبر 1973، علقت صحيفة ديلي تليجراف البريطانية على حرب أكتوبر، قائلة:"إن نظرية الحدود الآمنة التي تبنتها إسرائيل منذ إنشائها بغرض التوسع، قد انهارت تماما. إن أسطورة نفسية قد تحطمت هذه المرة ويجب علي إسرائيل منذ الآن أن تتخلي عن فكرة أن أمنها يتحقق بمجرد احتلال الأراضي". أما مجلة نيوزويك الامريكية وتعقيبا على حرب أكتوبر فقد ذكرت:"إن كل يوم يمر يحطم الأساطير التى بنيت منذ انتصار إسرائيل عام 1967، حيث كانت هناك أسطورة أولا تقول إن العرب ليسوا محاربين و أن الاسرائيلى سوبرمان، لكن الحرب أثبتت عكس ذلك". هذا فيما أفاد مراسل رويترز فى اليوم الثالث للحرب:"دهشنا بما شاهدناه أمامنا من حطام منتشر على رمال الصحراء لكل أنواع المعدات من دبابات ومدافع و عربات اسرائيلية، كما شاهدت أحذية إسرائيلية متروكة على خط بارليف". أما فيما يخص شهادات الإسرائيليين أنفسهم ففي كتاب له بعنوان: (إلى أين تمضى إسرائيل) ذكر ناحوم جولدمان رئيس الوكالة اليهودية الأسبق:"إن من اهم نتائج حرب أكتوبر 1973 أنها وضعت حدا لأسطورة إسرائيل فى مواجهة العرب، كما كلفت هذه الحرب إسرائيل ثمنا باهظا حوالى خمسة مليارات دولار وأحدثت تغيرا جذريا فى الوضع الاقتصادى فى الدولة الإسرائيلية، التى انتقلت من حالة الازدهار التى كانت تعيشها قبل عام، غير أن النتائج الأكثر خطورة كانت تلك التى حدثت على الصعيد النفسى .. لقد انتهت ثقة الإسرائيليين فى تفوقهم الدائم". أما كتاب "زلزال أكتوبر" ل(زئيف شيف) المعلق العسكري الإسرائيلى فقد ذكر فيه:"لقد أثبتت هذه الحرب أن علي إسرائيل أن تعيد تقدير المحارب العربي.. فقد دفعت إسرائيل هذه المرة ثمنا باهظا جدا. لقد هزت حرب أكتوبر إسرائيل من القاعدة إلي القمة وبدلا من الثقة الزائدة جاءت الشكوك وطفت علي السطح أسئلة هل نعيش على دمارنا إلى الأبد؟!.. هل هناك احتمال للصمود فى حروب أخرى؟!!". وفى مذكراته عن حرب أكتوبر كتب حاييم هرتزوج الرئيس الإسرائيلى السابق:"...لقد تحدثنا أكثر من اللازم قبل أكتوبر 1973 و كان ذلك يمثل إحدى مشكلاتنا. فقد تعلم المصريون كيف يقاتلون، بينما تعلمنا نحن كيف نتكلم". أما جولدا مائير رئيسة وزراء إسرائيل خلال الحرب، وفى كتابها"حياتى" فقد ذكرت:".. لقد كان السؤال المؤلم فى ذلك الوقت هو ما إذا كنا نطلع الأمة علي حقيقة الموقف السيىء أم لا؟. إن الكتابة عن حرب يوم الغفران لا يجب أن تكون كتقرير عسكري، بل ككارثة قريبة أو كابوس مروع قاسيت منه أنا نفسي وسوف يلازمنى مدى الحياة". فيما أختتم موشى ديان وزير الدفاع الإسرائيلى كلمة له فى 5 ديسمبر 1973بالقول:"..إن الحرب قد أظهرت أننا لسنا أقوي من المصريين وأن هالة التفوق والمبدأ السياسي والعسكري القائل بان إسرائيل أقوي من العرب وأن الهزيمة ستلحق بهم إذا اجترأوا علي بدء الحرب.. هذا المبدأ لم يثبت". الشهادات السابقة وغيرها هى ما تؤكد أن ما حققه العرب فى حرب أكتوبر كان بمثابة "المعجزة" بكل ما تعنيه الكلمة، كذا فهو إنجاز حاز على إعجاب العالم بأكمله، بل ولازال يخضع للتحليل والدراسة فى كبريات المؤسسات العسكرية فى العالم أجمع، إلا أن الأهم والأبرز فى هذه الحرب كان هو "الروح".. "روح أكتوبر".. روح النصر وإرادة التحرير لدى الجندى المصرى، تلك الروح التى نفتقدها كثيرا اليوم، والتى لا بديل عن الالتزام بها لإنقاذ حاضرنا ومستقبلنا.