للترجمة دور مهم فى التواصل بين الشعوب عبر التاريخ، فهى جسر يعبره البشر بيسر للتعارف الثقافى بين حضاراتهم المتنوعة، وبسببها لم يكن اختلاف اللغة يوما عائقاً لتقارب الشعوب، وتبادل فنونها وعلومها وعاداتها وتقاليدها، والاستفادة المتبادلة بالإنجازات العلمية والإنسانية. ودور المركز القومى للترجمة، الذى أنشئ فى أكتوبر 2006، فى القلب من هذه القضية الحيوية، فلم يكف عن سعيه الدءوب من لحظة إنشائه إلى الآن عن تحقيق نتائج مشهودة لترجمة الكتب المهمة، وتأكيد دور مصر فى الترجمة، وفتح نوافذ المعرفة أمام القارئ العربى فى كافة المجالات. ولاستيضاح حجم الجهود، أو التقصير، إلتقينا الدكتور «أنور مغيث» مدير المركز القومى للترجمة لمناقشته فى محاور الترجمة الآن. البعض يرى أن سياسة الترجمة فى المركز عشوائية وبلا خطة ولا رؤية محددة؟ نحن نترجم كل فروع المعرفة والإبداع، واتهام المركز بأنه ليس لديه خطط وأنه يتسم بعشوائية الاختيار. هذا فى حقيقة الأمر خطأ، فنحن نختار الكتب المفيدة للقارئ العام وليس المتخصص فى مجال محدد، لأن دورنا أن نوصل جميع فروع المعرفة باللغة العربية. فلماذا يحوز الأدب الأوروبى تحديداً نصيب الأسد من الترجمة لديكم تحديدا؟ بسبب عاملين رئيسيين، أولهما أن عدد المترجمين الذين يجيدون اللغات الأوروبية أكثر بكثير من اللغات الآسيوية والأفريقية والفارسية، فمثلاً يوجد 100مترجم يتقن اللغة الأوروبية، مقابل 3 مترجمين فقط للغات الأخري، والعامل الثانى يتصل بتسويق بورصة الأدب التى تعتمد على من حصد الجوائز، ومن يترجم أكثر إلى لغات العالم، فالمركز لا يمكنه تجاهل أديب كبير أوروبى حاصل على جائزة نوبل لمجرد أنه أوروبي، ومع هذا وضعنا لأنفسنا هدف الخروج من المركزية الأوروبية والانفتاح على ثقافات العالم فترجمنا كتبا من 35 لغة مختلفة. وما أسباب قلة الإنتاج المترجم للأدب الافريقى وأمريكا اللاتينية واللغات الآسيوية والهند؟ هى قليلة بالفعل، لكن مقارنة بالسنوات السابقة، أو بترجمات فى بلاد أخرى سنجدها فى ازدياد، فقبل بدء المركز كان من الممكن أن نجد ترجمة لخمسين قصة فقط من الأدب الإفريقي، ولكن حالياً وصلنا ل 300 قصة، ويظل هذا بالطبع دون العدد الذى نرجوه، لكننا فى النهاية سنجد أن كل الآداب المهمشة أخذت دفعة كبيرة من خلال المركز. ما الكتاب الجدير بالترجمة من وجهة نظرك؟ وما المعايير التى يتم اختيار الكتب المترجمة على أساسها؟ الكتب المهمة كثيرة، لكن الموارد المالية والبشرية محدودة، وبالتالى نحن مضطرون لاختيار عدد محدود من الكتب المعروضة من خلال لجان مختصة، ثم نعرض المقترحات المقدمة من مترجمين أو دور نشر أجنبية أو مراكز ثقافية من كل فروع المعرفة، علوم إنسانية وأدب وتاريخ وفنون وعمارة، ثم نعرضها على كل اللجان المختصة لتحدد عدد الكتب المختارة، وهناك ثلاثة هموم تدفعنا للترجمة، أولها أن هناك عددا كبيرا من الكلاسيكيات العالمية لم يترجم بعد إلى اللغة العربية مثل أرسطو وأفلاطون، وثانيها المعرفة الحديثة، فلا يجب الاكتفاء بالقديم، بل متابعة الحديث، وثالثها أى حدث يشغل الرأى العام مثل العولمة، أو الشرق الأوسط الكبير. هل يتعامل المركز مع عدد محدد من المترجمين دون غيرهم؟ ليس لدينا مجموعة من المترجمين لهم امتيازات خاصة عن غيرهم، نحن نعانى من كثرة الكتب وقلة المترجمين، ونسعى للتعامل مع أكبر عدد ممكن من المترجمين، وهناك مترجمون على كفاءة عالية، مثل شوقى جلال والدكتور محمد عناني، فهذه الأسماء تعتبر إضافة للعمل، كما يوجد بعض المترجمين الذين يزعمون إتقانهم للترجمة، لكن بعد تكليفهم ببعض الترجمة ومراجعتها تم رفضها لضعفها، وليس لأسباب شخصية، وكذلك يوجد بعض الأشخاص الذين يتقنون اللغات والترجمة لكن عندهم حياء أو خوف من خوض التجربة، وهؤلاء نسعى دائماً لتشجيعهم وبالأخص الشباب. لأى مدى تراعون حقوق الملكية لأصحاب الكتب المترجمة، وهل تفضلون فقط الكتب التى سقطت عنها حقوق الملكية، أم أن أهمية الكتاب هى التى تحدد الاختيار؟ لا أستطيع تحديد رقم معين، لكن الكتب التى تم دفع مقابل مادى لترجمتها أكثر بكثير من الكتب التى سقطت عنها حقوق الملكية الفكرية، لنستطيع مواكبة أحداث واهتمامات العصر الحديث، لكننا أيضاً نحاول ترجمة الكلاسيكيات القديمة المهمة. لماذا لا يتم الترويج لكتب المركز بصورة تليق بأهمية ما يقدمه من عناوين، ولماذا لا تفتحون منافذ بيع فى الجامعات مثل جامعتى القاهرة وعين شمس؟ مازال هناك نقص، لكننا نحاول تجاوزه ببروتوكولات مع الجهات المهتمة بإنتاجنا، لكن للأسف عند التنفيذ لانجد التزاما من ناحيتهم، فاضطررنا للاكتفاء بمنفذ البيع فى المركز، بجانب معارض متنقلة لمدة أسبوعين فى جامعات مصر على مدار السنة، وفى العام الماضى أقمنا منفذا فى جامعة القاهرة، والثانى سيتم افتتاحه خلال أيام فى جامعة عين شمس، أما بالنسبة للترويج فهذا يتم فعلا على الموقع الخاص بالمركز على النت. توجد ترجمات متعددة فى هيئات وزارة الثقافة، فلماذا لا يتم توحيد هذه الجهود بحيث يكون المركز الجهة العامة الوحيدة للترجمة فى مصر؟ تم طرح هذا الاقتراح حين كان الدكتور جابر عصفور وزيراً للثقافة ليكون المركز الجهة المعنية الوحيدة بالترجمة، لكن فى وقت التنفيذ وجدنا أن الترجمات لاقت نجاحا فى قطاعات أخرى يجب أن تستمر، لأن المركز القومى للترجمة دار نشر تابعة للدولة، لكنه لا يسعى لاحتكار الترجمة، بل دعمها ونشرها، ونحن على أتم استعداد لمساندة المترجمين فى جميع المحافظات، ونشر ترجماتهم فى أى دور نشر أخري، فمن آمالنا انتشار الترجمة، لأنه مؤشر على تقدم المجتمع، كما أعلنت الأممالمتحدة أن عدد الكتب المترجمة بالنسبة لعدد السكان مؤشر لتقدم هذا المجتمع، لذلك نشجع الدور الخاصة بالنشر المشترك لتخفيف تكلفة الكتاب. ما تفاصيل بروتوكول التعاون بين المجلس الأعلى للثقافة والمركز القومى للترجمة تحت مسمى ثقافات الشعوب؟ كان اسم المركز سابقاً «المشروع القومى للترجمة» التابع لوزارة الثقافة، وأصبح فى 2007 «المركز القومى للترجمة»، ما يعنى أن «المجلس الأعلى للثقافة» ليس من حقه إصدار كتب مترجمة مع أنه يضم لجنة الترجمة التى تضم نخبة كبيرة من كبار المترجمين وأساتذة اللغات بالجامعات، وحين يتم عرض كتب مهمة على اللجنة يتم الاعتذار عنها نظراً للوائح التى تمنعه من إصدار كتب مترجمة، ولتسهيل عمل هذه اللجنة تم عمل بروتوكول تعاون بين المجلس والمركز باختيار الكتب المراد ترجمتها وعرضها على المركز لتنفيذها بعيدا عن الإجراءات الروتينية، وهذا فى ذاته نافذة جديدة للترجمة. ما نسب الكتب التى ترجمها المركز بين اللغات وفروع المعرفة المختلفة خلال العشر سنوات الأخيرة؟ بالنسبة للغات تفاوتت النسب بشكل ملحوظ لصالح الإنجليزية بالطبع خلال السنوات العشر الأخيرة، فكتب الإنجليزية 1592 كتابا، الفرنسية 353، الألمانية 127، والإيطالية 37، واليابانية 9، والصينية 25، والعبرية 11، والسواحلية 5، والهيروغليفية 3، أما بالنسبة لفروع المعرفة فنصيب السد كان من حظ الآداب 1099، تليها الجغرافيا والتاريخ والآثار والتراجم 512، والعلوم الاجتماعية 458، والفلسفة وعلم النفس 274، والفنون 131، واللغات 51، والديانات 44. هل للمركز مجلس إدارة مختص بوضع خطط وإستراتيجيات، والاجتماع بصفة مستمرة لمناقشتها ومتابعة النتائج؟ المركز يدار بواسطة مجلس أمناء، يتكون من 12 شخصية عامة، وستة وزراء، يجتمعون كل سنة أو سنتين، ليتم عرض حصاد المركز عليهم فى الفترات السابقة، ومناقشة المشكلات المادية والإدارية التى نواجهها، وسماع ملاحظاتهم على سير العمل والكتب التى تُرجمت، وتوجيه نظرنا إلى موضوعات لم يتطرق إليها المركز، كالثقافة العلمية على سبيل المثال أو موضوعات بسيطة للشباب. وكذا توجد لجان استشارية تجتمع مرة فى السنة لتحدد التوجهات العامة، أما لجان المكتب الفنى فدورها اختيار عناوين الكتب التى ستتم ترجمتها، وأنقل إليهم توصيات اللجان الإستشارية بالتركيز على موضوع معين، فمثلاً العام المقبل سيكون «عام المرأة» والاختيارات ستكون فى هذا الاتجاه، واللجان هذه تتكون من أسماء كبيرة متطوعة، ولابد أن نوجه إليهم الشكر لمشاركتهم فى الاجتماعات وقراءة عدد كبير من الكتب وفرزها لاختيار الأفضل، فمنهم من وصل إلى مرحلة عمرية متأخرة، لكنه يحرص على تقديم خدماته للمركز لإدراكه أهمية الثقافة، ورغم ذلك نواجه اتهامات بأن المركز يفضل البعض على الآخر، وهذا كلام مخالف للواقع تماماً، فهؤلاء الناس يتقلدون مناصب مهمة وذوى فكر وثقافة عالية. بعد مرور 3 سنوات على توليك رئاسة المركز، ما الإنجازات التى تمت؟ وما رؤيتك المستقبلية لتطويره؟ توليت المركز فى فترة حرجة للغاية، كان العمل متوقفا بسبب الإضرابات والاعتراضات على بعض الأمور، فكانت العودة لسياق العمل الطبيعى من الخطوات المهمة، ثم نجحنا فى زيادة عدد الكتب التى تصدر سنوياً بشكل كبير، حيث وصلنا من 90 كتابا إلى 300، ووصل إنتاجنا المشترك مع دور نشر خاصة لأكثر من 80، وعقدنا 12 دورة تدريبية سنويا فى لغات مختلفة كالصينية واليابانية والإسبانية والفرنسية والإنجليزية والألمانية، ويوجد دورات بالتعاون مع الجامعات، وعليها إقبال شديد، ويتم تحديد برنامج يتضمن النحو والبلاغة العربية، وقواعد اللغة التى سيتم الترجمة منها، ثم التطبيق العملى على نصوص يقوم المترجم المتدرب بترجمتها، وتتم مراجعتها من قبل الأساتذة المدربين، بجانب ندوات لمناقشة موضوعات الكتب، فبعد ازدياد عدد الكتب أصبح من الصعب إقامة ندوة لكل كتاب، وأصبح التركيز على الموضوعات، مثلا نقيم ندوة عن المرأة أو الإسلام فى أوروبا، وتتم مناقشة أربعة كتب تتناول الموضوع فى ندوة، بقراءت نقدية للترجمة وطرح المترجمين للصعوبات التى واجهوها. بالإضافة لأن المركز كان ينحصر فى المبنى الرئيسي، لكننا استطعنا عمل منفذ بيع فى مبنى آخر، وإنشاء قاعة تدريب كبيرة تشمل الإنترنت وأساليب Data Show، وتخصيص مكتب وحاسب آلى لكل متدرب، وخلال شهر ونصف تقريباً سيتم الإعلان عن إنشاء مكتبة المترجم، وستكون عامة ودائمة للإطلاع والاستعارة وتحوى الموسوعات العالمية فى العلوم المختلفة كالطب والزراعة والفنون وغيرها، وستحوى أيضا الأصول الأجنبية للكتب التى تمت ترجمتها من قبل المركز، حتى يستطيع المترجم الرجوع إليها لإمداده بكافة المعلومات والمراجع المطلوبة. لماذا لا يقوم المركز بالترجمة العكسية، من العربية إلى اللغات الأخري؟ هذا موضوع مهم جداً، لكن من المعروف أن وزارة ثقافة أى بلد تهتم بثقافتها فقط، بعكس وزارة الخارجية، فالمستشار الثقافى لأى دولة أجنبية يقوم بإرسال قائمة بخمسة كتب مثلاً، ويطلب منا ترجمة كتابين أو ثلاثة منها، مع التكفل بتكاليف الطباعة أو أجر المترجم لنشر ثقافته، لزيادة الوزن الإستراتيجى لدولته، واستفسرت من وزارة الخارجية عن إمكانية إرسال كتب عربية لناشرين أجانب لترجمتها ونشرها فى بلدهم، فقيل إنه لا ميزانية لذلك، وقمنا بتجارب لترجمة كتب مهمة، وكانت النتيجة تراكمها فى المخازن، فمن سيهتم فى مصر بمجموعة قصصية ليوسف إدريس باللغة الألمانية مثلاً، فلابد من تواجدها فى المانيا، والمركز مستعد للقيام بالترجمة العكسية بشرط تواجد ناشر أجنبى يدرك احتياج بلده لكتب معينة وثقافات معينة، ويكون قادرا على توزيعها ويشاركنا بنصف التكلفة، وبذلك نكون ساعدنا على انتشار الثقافة المصرية، فترجمة كتاب مثل «الفتنة الكبرى» لطه حسين على سبيل المثال فى ظل المشكلات الحالية والقائمة بين الشيعة والسنة، إلى اللغة الإنجليزية أو الفرنسية، سيكون فى غاية الأهمية، حيث سيوضح وجود مفكرين وعلماء متفتحين فى الشرق، وأتمنى تخصيص مبلغ لدعم الترجمة العكسية، وعمل كتيب ملخص لموضوع كل كتاب، ليتم إرساله للناشرين الأجانب والسفارات. كيف ترى نشاط المركز القومى للترجمة مستقبلا؟ أتمنى تعاونا أكبر مع الجامعات، ووجود ورش للترجمة يدرس فيها أساتذة كبار فى اللغات يختارون عددا من الطلاب ويعطونهم أعمالا مهمة ليترجموها، ويراجعها الأساتذة، ويصدر الكتاب بأسماء الشباب، لنضع الطالب المتخرج على طريق الترجمة الصحيح من بدايته، وهذا منطق فى التعليم يسمى «المعلم والصبيان»، وأحلم أيضا بزيادة أجر المترجم، رغم أن أجر المترجم مرتفع نسبياً عندنا، إلا أن ذلك الأجر مقارنة بالمجهود المبذول يعتبر قليلا، فالترجمة تحتاج إلى بحث فى دوائر المعارف والقواميس القديمة واستشارات متخصصين فى لغات أخري، ويحصل فى النهاية على 20000 جنيه من كتاب 300 صفحة مثلا، لذا أرى ضرورة تحويل الترجمة إلى مهنة مربحة، فكل المترجمين المتعاملين مع المركز ليست الترجمة مورد رزقهم الوحيد، وتسعيرة الترجمة فى أوروبا مثلاً ال 150 حرفا ب 26 يورو.