محافظ القاهرة يشهد انطلاق النسخة التاسعة من مؤتمر الأهرام للطاقة السنوي    وزير العمل يترأس اجتماعًا موسعًا لمتابعة مستجدات إعداد الاستراتيجية الوطنية للتشغيل    عاجل- رؤساء المجالس التصديرية خلال اجتماع مع رئيس الوزراء: 2026 عام التفاؤل للصادرات المصرية ونمو ملموس في القطاعات الرئيسية    قاضي قضاة فلسطين: بيت المقدس بوابة استعادة توازن الأمة وهُويتها    شيخ الأزهر ينعَى الدكتور محمد صابر عرب وزير الثقافة الأسبق    أزارو أساسيا في تشكيل المغرب أمام الإمارات.. والكرتي بديلا    محافظ الوادي الجديد يوقع بروتوكولا لإنشاء أول مدرسة دولية خاصة    الداخلية تكشف ملابسات منشور متداول بسوهاج وتعيد حقيبة مفقودة لمواطنة    السجن 7 أعوام لمتهمة بالاعتداء على ابنة زوجها حتى الموت في الإسكندرية    مفتي تونس: ما يتعرض له الشعب الفلسطيني عدوان غير مسبوق يستوجب نصرة المظلوم    عادل إمام يغيب عن تشييع جثمان شقيقته.. لهذا السبب    في ذكرى رحيل نبيل الحلفاوي.. مسيرة فنان جسد التاريخ والوجدان    انتخابات النواب، غلق باب تصويت المصريين في نيوزيلندا وأستراليا والكوريتين واليابان    صحة الشيوخ تشكل لجنة لدراسة مقترح إنشاء مستشفى عام في الطروات بحلوان    صندوق التنمية الحضرية يعرض تجربة تطوير العشوائيات خلال المنتدى العربي للإسكان    «المشاط»: منفتحون على تبادل الخبرات ونقل التجربة المصرية في مجال التخطيط والتنمية الاقتصادية    وزير التعليم: تطوير شامل للمناهج من رياض الأطفال حتى الصف الثاني الثانوي    القليوبية الأزهرية تُكثف استعداداتها لامتحانات نصف العام 2026/2025    خبر في الجول - الأهلي يمدد عقد أليو ديانج لمدة 3 مواسم    الأهلي يتنازل عن البلاغات المقدمة ضد مصطفى يونس بعد اعتذاره    عصام الحضري يحيي الذكرى الأولى لوفاة والدته    اتحاد الناشرين العرب ينعى وزير الثقافة الأسبق محمد صابر عرب    مصر تحقق الاكتفاء الذاتي من البلازما وتحصل على اعتماد الوكالة الأوروبية للأدوية EMA    تموين الأقصر تضبط 2.5 طن سماد مخصص للجمعيات الزراعية في مخزن بمدينة إسنا    آخر موعد للتقديم الكترونياً لوظيفة معاون نيابة إدارية دفعة 2024    بهذة الطريقة.. الأعلامية ريهام سعيد توجه رساله للفنان أحمد العوضي    الأرصاد تحذر هذه المحافظات من أمطار خلال ساعات وتتوقع وصولها إلى القاهرة    أهمية وجبة الإفطار للطفل لاعب السباحة    محافظ المنوفية: ضبط مخزنين بقويسنا والباجور لحيازتهم مواد غذائية مجهولة المصدر    جامعة القاهرة الأهلية تواصل تنفيذ برامجها التدريبية والعملية بمعامل الكيمياء والفيزياء ب"هندسة الشيخ زايد"    رئيس جامعة القاهرة يصدر قرارات بتعيين وتجديد تعيين 14 رئيسًا لمجالس الأقسام العلمية بطب قصر العيني    تنظيم داعش يعلن مسئوليته عن هجوم استهدف دورية تابعة لقوات الأمن السورية في إدلب    محافظ كفرالشيخ يعلن بدء أعمال تكريك وتعميق مدخل ميناء البرلس    فيتش تشيد بجهود الحكومة المصرية في دعم الرعاية الصحية وتعزيز الحماية للفئات الأكثر احتياجًا    كواليس إحباط جلب مخدرات ب 90 مليون جنيه    وزير الخارجية: مصر تدعم الدور المضطلع به البرلمان العربى    أخبار مصر.. استبدال ضريبة الأرباح الرأسمالية بضريبة دمغة نسبية على تعاملات البورصة    "الوزراء" يستعرض تفاصيل الخطة الحكومية لتطوير المنطقة المحيطة بالقلعة وأهم التحديات    بالفيديو.. الأوقاف: كل نشاط للوزارة يهدف إلى مكافحة كل أشكال التطرف    جوجل توقع اتفاقاً للطاقة الشمسية فى ماليزيا ضمن خطتها لتأمين كهرباء نظيفة    "سياحة وفنادق" بني سويف تنظم ندوة توعوية حول التنمر    جامعة بنها تطلق مبادرة لدعم الأطفال والتوعية بحقوقهم    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 15-12-2025 في محافظة قنا    غدًا انطلاق اختبارات اختيار كوادر مدرسة الإمام الطيب لحفظ القرآن الكريم وتجويده    "فورين أفيرز": واشنطن تعيش وهم الطائرات بدون طيار مما يفقدها تفوقها الضئيل على الصين    مخالفة للقانون الدولي الإنساني ..قرار عسكري إسرائيلي بهدم 25 مبنى في مخيم نور شمس شرق طولكرم    تراجع سعر الدولار مقابل الجنيه بمنتصف تعاملات اليوم    انطلاق اجتماعات الاتحاد الأفريقي لكرة السلة في مصر    استشاري ينصح بتناول الشاي المغلي وليس الكشري أو الفتلة حفاظا على الصحة    «التعليم»: التعامل بمنتهى الحزم مع أي سلوكيات غير لائقة أو مخالفات بالمدارس    الاثنين 15 سبتمبر 2025.. أسعار الحديد والأسمنت بالمصانع المحلية اليوم    إصابة نجم ريال مدريد تعكر صفو العودة للانتصارات    كيف أرشد الإسلام لأهمية اختيار الصديق؟.. الأزهر للفتوى يوضح    الأزهر يدين الهجوم الإرهابي الذي استهدف تجمعًا لأستراليين يهود ويؤكد رفضه الكامل لاستهداف المدنيين    حُسن الخاتمة.. مفتش تموين يلقى ربه ساجدًا في صلاة العشاء بالإسماعيلية    مرشح اليمين المتطرف يفوز بالانتخابات الرئاسية في تشيلي    محمد صلاح يوجه رسالة للمصريين من خلال ابنته "كيان" قبل أمم إفريقيا    كابال ينهي سلسلة 5 تعادلات.. يوفتنوس ينتصر على بولونيا في ريناتو دالارا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه:‏ أحمد البري
المصيبة الجارية‏
نشر في الأهرام اليومي يوم 20 - 07 - 2012

أنا طبيبة في الخمسين من عمري‏,‏ تزوجت منذ خمسة وعشرين عاما من طبيب زميل لي يكبرني بعامين‏,‏ ورزقت منه بثلاثة أبناء‏(‏ بنتين وولد‏),‏ ولا أستطيع أن أصف لك فرحتي بابنتي الأولي التي جاءت إلي الدنيا بجمال أخاذ‏,‏ وذكاء ثاقب‏. ووجدتني دائما متلهفة خائفة عليها من كل شيء, حتي إنني كنت أسهر الليل بطوله إلي جوارها دون أن يغمض لي جفن, خوفا من أن تلدغها بعوضة, أو أن يؤذي المبيد الذي نستخدمه لقتل الحشرات صدرها ويؤثر علي تنفسها.
وكبرت وظهرت أنوثتها وجمالها الطاغي, وتفوقت في دراستها, وحصلت علي مجموع يقترب من مائة في المائة في الثانوية العامة, والتحقت بإحدي كليات القمة, وزيادة في الحرص عليها لم أسمح لها بالمشاركة في رحلات الكلية, أو الخروج مع صديقاتها إلي أماكن بعيدة.
ولفتت نظر شاب في مثل سنها تقريبا, وكان طالبا في كلية الهندسة, وتربطه صلة قرابة بأحد جيراننا, وحاول الحديث معها والتقرب إليها لكنها رفضت الكلام معه, وأبلغتني بما حدث فحذرته مما يفعله, فابتعد عنها لفترة ثم ظهر من جديد وأبدي رغبته في خطبتها, وجاءنا هو وأهله وطلبوا يدها له, وناقشت الأمر مع والدها, وهو طبيب شهير, ووافقنا علي قراءة الفاتحة, واتفقنا علي أن يكون عقد القران والزفاف بعد تخرجه.
ولم تكن ابنتي تعرف مداخل ومخارج الشارع الذي نسكن فيه, وكانت تتوه فيه لو خرجت بمفردها مع أن المنطقة التي نعيش فيها معروفة, ومن أرقي أحياء القاهرة.
وأمام إلحاح خطيبها وافق والدها علي أن تخرج معه علي فترات متباعدة وفق مواعيد محددة لكي يقتربا من بعضهما, ويتعرف كل منهما علي طباع الآخر, وذات مرة خرج معها لقضاء بعض الوقت في أحد الكافيهات المنتشرة حول منطقتنا, وبينما كان والدها يمارس عمله في عيادته الخاصة جاءني هاتف من سائق عربة إسعاف, وأبلغني أن ابنتنا تعرضت لحادث سيارة أصيبت فيه بإصابات بالغة لفظت علي أثرها أنفاسها الأخيرة, فأبلغت زوجي بما حدث وأخذت ابني وذهبنا إليه, ثم انتقلنا جميعا إلي مكان الحادث فوجدت ابنتي ذات العشرين ربيعا ممددة علي الطريق ومغطاة بالجرائد, ولم يكن معها أحد, لا خطيبها, ولا أي شخص من أهله, وعلمت من الناس الذين تجمعوا في موقع الحادث أن عددا من أفراد أسرته أخذوه, ولم يعبأ أحد منهم أو يكلف خاطره بأن يطلب الإسعاف لإنقاذها, أو الانتظار حتي نحضر, ومساعدتنا ولو في استخراج تصريح الدفن بعد أن تأكدت وفاتها.
لقد كانت المفاجأة قاسية, وأصابتنا بحالة ذهول, وتعاطف معنا المارة, ومن تجمعوا حولنا, وراح كل منهم يعرض مساعدتنا دون سابق معرفة, وسمعت أحاديث كثيرة, وروايات لا حصر لها عن الحادث, أبرزها من شاهد عيان أكد أن خطيبها هو المخطئ, وأن الضابط الذي حرر محضرا بالحادث طلب عمل تحليل دم له حيث يشك في أنه لم يكن طبيعيا خلال قيادته سيارته بسرعة جنونية, وفي اليوم التالي حضر إلينا زوج أخته طالبا منا التنازل عن المحضر حتي لا يتعرض الجاني للمحاكمة بتهمة القتل الخطأ, ولم ينتظر إلي ما بعد العزاء, ولم يجد ما يبرر به انسحاب الجميع من موقع الحادث بهذا الشكل الذي لا يليق, ولا يعقله أحد علي الإطلاق!
ولك أن تتصور ما حدث لنا, فلقد أحسسنا بأننا أموات علي قيد الحياة, ولم نشعر بطعم لأي شيء في الدنيا بعد رحيل فلذة كبدي.. أما أنا فقد خضعت للعلاج النفسي لمدة تزيد علي عام, أصبت خلاله باكتئاب شديد, وكذلك أختها التي كانت تسهر وتخرج معها وتبوح لها بكل أسرارها, أما أخوها الذي كان عمره وقتها اثني عشر عاما, فلقد أصيب بالتبول اللاإرادي ليلا, ورحل أبوها في صمت تام غير مصدق رحيل ابنته التي كان يقول عنها دائما: إنها خليفته في الدنيا بكل ما تتصف به من رجاحة العقل, وتوقد الذهن.
ولم يمض عام واحد حتي كان خطيبها الذي فضلته علي من كانوا يرغبون في الارتباط بها قد تزوج وأنجب ونسي كل شيء!
إنني أقرأ في ردودك دائما قولك: إن الآلام التي نعانيها تزول شيئا فشيئا بمرور الأيام, من منطلق أن كل شيء يبدأ صغيرا ثم يكبر إلا الآلام فإنها تبدأ كبيرة ثم تصغر,لكن مصيبتنا وأقسم بالله العظيم تكبر يوما بعد يوم, لدرجة أنني أطلقت عليها المصيبة الجارية, فلقد كانت ابنتي أمانة مع خطيبها فلم يحافظ عليها, وتسبب بطيشه ورعونته في تدمير حياتنا.
نعم ياسيدي فلقد أصبحنا نعيش كالأموات, وبرغم مرور ثلاث سنوات علي رحيلها فإن صورتها وهي ملقاة علي الأرض, وفي المشرحة لا تغادر ذهني, وتوقظني بمنتهي الفزع من نومي كل ليلة, وقلبي يشتعل نارا, وأشعر بالتمزق كلما تذكرت ما فعله أهل خطيبها وموقفهم منها, وأتعجب من أن هناك بشرا قساة القلوب إلي هذه الدرجة, وأجدني أحيانا أدعو عليهم وعلي ابنهم بأن يذيقهم كأس المرارة التي تجرعتها حتي الثمالة, وسوف أظل أدعو عليهم مادام في صدري قلب ينبض بالحياة, وأتمني ألا أواري التراب قبل أن أري انتقام الله منه لكي يكون عبرة لكل مستهتر لا يراعي الأمانة التي يضعها كل أب وأم في خطيب ابنتهما, فقد كان سببا في المصيبة لسيره بسرعة عالية ليلا, وهو مصاب بالعشي الليلي كما علمت بعد ذلك وتذكرت قوله سبحانه: وما أصابكم من مصيبة, فبما كسبت أيديكم ويعفو عن كثير, وتفسير هذه الآية وفقا لما قرأته أن هناك فرقا بين القضاء والقدر من ناحية, وأن تفعل أشياء خاطئة وغير محسوبة تؤدي إلي وقوع المصيبة من ناحية أخري, وكم كنت أتمني تقطيع جسدي قطعة قطعة ولا أري ابنتي وقد واراها التراب, وأنا علي قيد الحياة, وحسبنا الله ونعم الوكيل.
{{ وأقول لكاتبة هذه الرسالة: سوف يدرك خطيب ابنتك الراحلة مهما طال الزمن فداحة خطأه, ليس فقط لأنه هو الذي تسبب في الحادث الذي راحت هي ضحيته, وإنما أيضا لعدم وقوفه هو وأهله بجانبكم حتي تتخطوا الفاجعة التي ألمت بكم, فأي جريمة يمكن أن تمر دون عقاب فترة من الزمن, لكن العدالة البطيئة سرعان ما تدركها, هكذا علمتنا تجارب الحياة التي ينبغي أن نستقي منها الدروس والعبر.
أما عما ألم بك ياسيدتي.. فإن عليك أن تضعي لنفسك قاعدة بأن تدعي الماضي جانبا, ولا تلقي بالا للمستقبل, وأن تفكري في ابنك وابنتك, وأن تحاولي دائما أن تشعريهما بأنك ترين فيهما ابنتك الراحلة, وأن نجاحهما في الحياة سوف تصفو به نفسك, وسيساعدك علي التئام جراحك الغائرة منذ أن اختطف الموت ابنتك الجميلة في ذلك الحادث الأليم.
وكم أتمني أن تحتفظي بثباتك وقدرتك, وأن توكلي أمرك إلي خالقك, فالعفو هو أسلم الطرق للرضا بما قسمه الله, فقد قال تعالي: فمن عفا وأصلح فأجره علي الله.
إنني أخشي أن تسيطر عليك فكرة الانتقام من أهل ذلك الشاب الغادر بالدعاء عليه, فتؤثر علي إيمانك وسلامك النفسي, فالإيمان إذا تزعزع ادخل الإنسان في متاهات لا تحمد عقباها, وأتذكر هنا قول الشاعر محمد إقبال:
إذا الإيمان ضاع فلا أمان ولا دنيا لمن لم يحي دينا
ولاشك أن مواجهة الشدائد والصبر عليها هي التي تكشف حقيقة الإنسان وتربيه وتقوي عوده, وعلينا دائما أن نتقبل أقدارنا, ونتعظ منها.
والحقيقة أنني لا ألومك علي ما يعتمل في نفسك من أسي وحزن علي فقدك ابنتك, وإنما أرجو ألا تتمادي في السخط علي ذلك الشاب والدعاء عليه بأن يتجرع كأس المرارة التي تجرعتيها من قبل, فليس هكذا يكون الإيمان والتسليم بقضاء الله, ولتعلمي أن صبرك علي مصابك له جزاء عظيم في الدنيا والآخرة, وفي الحديث القدسي يقول رب العزة: إذا وجهت إلي عبد من عبادي مصيبة في بدنه أو ماله أو ولده ثم استقبل ذلك بصبر جميل, استحييت يوم القيامة أن أنصب له ميزانا, وقد بكي رسول الله صلي الله عليه وسلم يوم وفاة ابنه إبراهيم وقال: لست أبكي, وإنما هي رحمة, وأن المؤمن بكل خير علي كل حال, وأن نفسه تنزع من بين جنبيه وهو يحمد الله عز وجل.
وأدعوك أيضا ياسيدتي إلي تأمل الكلمة البليغة للعالم الكبير أينشتين بأن من البديهيات في حياتنا أننا ضيوف علي هذه الدنيا, ولابد أن نجعل لرحلتنا وإقامتنا المؤقتة فيها دلالة ومعني, ولن يأتي ذلك إلا بشكر الله, وتجاوز المحن بالتوكل عليه, فإذا صنعت هذا الصنيع والتزمت به سوف تقوين علي مواجهة فقدك زهرتك الجميلة, وسوف تتأقلمين مع أوضاعك الجديدة بعون الله انطلاقا من يقينك فيه, وإيمانا بأن الصبر علي البلاء يساعد الإنسان علي معيشة الآلام والمصائب, وحينئذ سوف تخف حدة إحساسك بالمصاب الجلل, ولن تكون مصيبتك جارية علي حد تعبيرك إلي ما لا نهاية. أسأل الله لك هدوء النفس, والسكينة, والطمأنينة.. وهو وحده المستعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.