إن مادفعنى لكتابة هذه المقالات التى تتعلق بفن كتابة الأعمال الدرامية وتقديمها فى السينما والتليفزيون خاصة، هى العشوائية التى تغلب على هذا الفن والجهل الواضح من جانب من يقومون بتقديم هذه الأعمال. وقد كثرت الشكاوى والنفور والاستنكار والسخط من الجماهير العريضة التى تشاهد هذه الأعمال، وكأن أصحابها يتعمدون الإساءة إلى هذه الجماهير التى يحدوها الأمل فى الاستمتاع بأعمال جيدة تنقلهم من حالة إلى حالة أفضل، وهو من أهم وظائف الفن. من أهم العناصر فى إبداع التراجيديا هو عنصر التطهير لما يضفى عليها من إنسانية وواقعية ونبل ويقدم المبدع من خلال هذا العنصر معنى كبيراً للعمل الفنى. ولكن للأسف فإن ما نشاهده هذه الأيام من أعمال المفروض أنها درامية شخصيات أخشى أن أطلق عليها شخصيات، فهى هلاميات لا معنى لها، طابعها المبالغة والغلو فى العنف الذى لا حد له والذى يتسم بالشىء المغالى فيه ويتناقض مع المسببات والأفعال وقد يلجأ صاحب العمل فى النهاية إلى التحول المفاجىء فى سلوك الشخصية أو الحدث نفسه دون تبرير مقنع أو وجود المقومات التى تساعد على هذا التحول فيفقد العمل تأثيره المرجو ويقع الجمهور فى دائرة الحيرة والاضطراب. وعندما قام أرسطو بتعريف التراجيديا على أنها محاكاة لحدث فأنه اشترط أن يكون هذا الحدث فى شكل درامى لا قصصى نراه يدور أمامنا وذلك من أجل تطهير النفس عن طريق «الشفقة والحذف» تطهيراً كاملا. ولم يكن يدرى أرسطو أنه عندما ذكر موضوع التطهير هذا بايجاز شديد أنه سوف يقيم الدنيا ولا يقعدها من بعده حتى يومنا هذا بين النقاد والمبدعين والمفكرين. فقد تحولت جملته عن التطهير إلى نظرية تثير الكثير من الجدل، وذلك لأنه لم يلق عليها الضوء الكافى. وقد أبدى الدكتور محمد مندور أسفه عندما تعرض لهذا الموضوع فى كتابه «الأدب والنقد» لأن أرسطو لم يوضح سوء الحظ أو يقوم بتحليل مايقصده بكلمة التطهير والطريقة التى يحدث بها فى النفس البشرية. وقد دفع عدم التوضيح هذا الشراح والمفسرين والمفكرين إلى إبداء آرائهم فى تفسير هذا المصطلح الدرامى. ورأى الدكتور مندور أن التفسير الراجح فى شرح هذه النظرية هو: «الذى يذهب إلى أن عملية التطهير تتم فى نفس المشاهد بطريق لا شعورى عندما يشعر بالفزع للمصير المحزن الذى ينتهى إليه بطل التراجيديا، ثم يتعاطف معه لأنه لا يستحق مثل هذا المصير، وبفضل هذا الفزع وتلك الشفقة تتطهر نفسه لا شعوريا من نزعات الشر والعدوان». ويرى البعض أن كتاب أرسطو «فن الشعر» نفسه ما هو إلا دفاع عن الشعر ضد ما قاله أستاذه أفلاطون فى هجومه الضارى فى كتابه «الجمهورية» ضد الشعر. وقد وافق أرسطو أستاذه أفلاطون على أن الشعر محاكاة، وأن الشعر يثير العواطف، وأن الشعر يدخل السرور على الإنسان بكونه محاكاة وبكونه يثير العواطف من خلال تنوع طرق المحاكاة. ووافقه أيضا على أن إثارة العواطف عن طريق الشعر له تأثير على كل أفئدة المشاهد أو على المتلقى وعلى سلوكه العاطفى فى الحياة الحقيقية. ولكن أرسطو كما يرى الأستاذ همفرى هوز فى كتابه «Aris rofis poetics فن الشعر» وهو يتكون من ثمانى محاضرات ألقاها على طلبة «كلية وادهام» بجامعة أكسفورد أن أرسطو قد رفض فى كل مجالات فلسفته العملية نظرية أفلاطون كلها التى تقول إن العواطف فى ذاتها سيئة. ورفض أرسطو على وجه الخصوص الرأى الذى يقول إن الشعر عندما يثير العواطف فأنه يسبب تجاوزاً خطيراً لهذه العواطف فى واقع الحياة. ويشير كليفورد ليشى فى كتابه «Tragedy» إلى أن اصطلاح التطهير أول ما ظهر كان فى تعريف أرسطو «للنوع» وذلك فى الفصل الأول من كتابه «فن الشعر. ويرى ليشى أن هناك «اتفاقا عاما» بأنه أتى فى مخيلته من خلال رغبته فى معارضة رأى أفلاطون الذى أبرز فى الكتاب العاشر من «الجمهورية» بأنه يجب توجيه اللوم للشعراء وطردهم، وذلك لإثارتهم العواطف بما يشمل الشفقة وذلك ضد ما يجب أن يتبعه الانسان وهو مايمليه العقل. وبمناقضة هذا الرأى فإن أرسطو يؤكد أن العواطف، وبالأخص الشفقة والخوف بإثارتهما فى التراجيديا إنما أيضا «يتطهران». وبانتهاز هذا الرأى الواضح جرى استخدام الموسيقى لتهدئة المرضى الذين يعانون الاضطراب العقلى (كما يشير س. ه . بوتشر فى كتابه «نظرية أرسطو فى الشعر والفن الجميل» (ص 90 248) فإنه يرى أن التراجيديا تستطيع وقد نقول : «أن تطرد الأرواح الشريرة». وعما إذا كان يعنى أن عاطفتى الشفقة والخوف قد تم إقصاؤهما من النظام أو تم تطهيرهما من الخبث الذى بداخلهما فإن هذا موضع جدل). يقول ثروت عكاشة فى المعجم الموسوعى للمصطلحات الثقافية» مساهمات فى مناقشة هذه القضية :«وفى الحق فإن نظرية أرسطو فى التطهير المأساوى ليست من الوضوح بمكان، وكان أستاذه أفلاطون على العكس طرح «المأساة» فى «جمهوريته المثالية» على أثاث أنها مثيرة للعواطف التى يستعصى كبحها منطقيا». لمزيد من مقالات مصطفى محرم ;