ليس هجوم العريش الإرهابي الغادر الذي راح ضحيته 18 شهيداً قبل أسبوع والهجوم الإرهابي الذي أحبطته قواتنا المسلحة بعده بأيام قليلة في سيناء سوي حادثين من حوادث إرهابية عديدة شهدتها عدة دول في أنحاء القارة الإفريقية خلال الأسابيع الأخيرة مما يستوجب تنسيقاً أفضل بين قوات الدول التي ابتُليت بهم وتلك المعرضة لخطرهم وتعاوناً أكبر مع الدول الأكثر خبرة وتقدماً تقنياً في مكافحة الإرهاب. فلم تنقض سوي أيام علي هجوم تنظيم القاعدة الإرهابي علي مطعم سياحي يرتاده الأجانب في واجادوجو عاصمة ساحل العاج راح ضحيته 18 شخصاً ثم علي قوات حفظ السلام الدولية في مدينتي تمبكتو التاريخية ودونيتزا في مالي المجاورة وإزهاق جماعة بوكوحرام أرواح 28 بريئاً في هجمات انتحارية علي مخيم للنازحين بشمال شرق نيجيريا وقتلها خمسة مصلين بمسجد بالكاميرون المجاورة حتي شن تنظيم داعش هجوماً مفاجئاً علي نقطة تفتيش للجيش الليبي بين مدينتي سبها والجفرة قُتل خلاله عشرة جنود وثلاثة مدنيين وقتلت حركة الشباب عشرات الأبرياء في عمليات إرهابية بالصومال وكينيا المجاورة.تلك الهجمات تؤكد أنه رغم الضربات القوية التي وجهتها الجيوش الوطنية للجماعات الإرهابية في ليبيا ودول الساحل والصومال بمساعدة طائرات وقوات فرنسية وأمريكية وقتل المئات من عناصرها لم يتم القضاء عليها بعد،بل تحالف بعضها وأصبحوا أكثر قدرة علي شن هجماتهم. صحيح أن القوات الفرنسية بمساعدة قوات إفريقية أنقذت في عام 2013 مالي من التقسيم بعد أن استولت جماعات متطرفة ومتمردون طوارق علي نصفها الشمالي وأعلنوا قيام دولة مستقلة قبلها بنحو عام وشتتت شملهم،وتمكنت هذا العام قوات الحكومة الليبية من تخليص مدينة سرت الساحلية من براثن داعش وقتلت العشرات من عناصره وطهَّرت قوات حفتر بنغازي تقريباً من الجماعات المتطرفة إلاَّ أن المئات تمكنوا من الهرب إلي الكهوف في الصحراء الشاسعة ليعيدوا تنظيم صفوفهم ويوجهوا ضربات موجعة لأهداف عسكرية وسياحية يرتادها أجانب للانتقام من دولهم.وأعلن داعش في شريط فيديو مؤخراً عودته إلي محيط سرت وإقامة نقاط تفتيش وتوقيف لسيارات المواطنين واختطاف بعضهم، وذكرت مصادر أمنية أنه تم إلقاء القبض علي ثلاثة دواعش في بني وليد جنوب غرب سرت.كما قال ضابط سابق بالجيش الليبي إن خلايا داعش مازالت ناشطة حول مدينة سبها الجنوبية ومزارع جنوب صبراته والعجيلات في الغرب والنقازة وترهونه القريبتين من طرابلس محذراً من أن تلك العناصر علي صلة بالمتشددين في تونسومالي والنيجر وأن التأخر في القضاء عليهم يمنحهم فرصة لإعادة تنظيم صفوفهم واستقبال عناصر جديدة خاصةً من العراق وسوريا اللتين مُنيَ داعش فيهما بهزائم ثقيلة.وذكر تقرير لمجلس الأمن الدولي العام الماضي أن داعش نجح في تجنيد أتباع له داخل المناطق الليبية المهمشة قائلاً إنها ستبقي مصدر دعم لوجيستي لمجموعات مسلحة وإرهابية في مصر ومالي والنيجر وسوريا. وبينما يواجه الإرهابيون جيشاً قوياً موحداً وقوات أمن مدربة جيداً في مصر مما حدَّ من خطرهم وكبدهم خسائر فادحة تكمن مشكلة ليبيا ودول الساحل في ضعف جيوشها أوانقسامها وعدم توافر الإمكانيات المادية أوالتدريب الكافي اللازم لمواجهة المتطرفين والإرهابيين ذوي الخبرة المتراكمة في تدبير وشن العمليات الإرهابية،بل إن دولة مثل بوركينا فاسو تعاني من انضمام بعض أفراد الحرس الجمهوري الذين تم تسريحهم عقب سقوط نظام بليز كومباوري إلي جماعات إرهابية مثل القاعدة وأنصار الإسلام بينما اندمجت إمارة الصحراء والمرابطون وأنصار الدين وماسينا في جماعة إرهابية واحدة تُسمي جبهة الدفاع عن الإسلام والمسلمين فأصبحت أفضل تنسيقاً وأكثر قدرة علي شن الهجمات في أي مكان وساعدها علي ذلك ضعف الرقابة علي الحدود.وأعرب مجلس الأمن الدولي عن قلقه لتنامي العلاقة بين داعش وجماعة بوكوحرام النيجيرية بعد أن ذكرت تقارير أن عناصر منها يقاتلون مع داعش في ليبيا،وقال مسئول أمريكي كبير إن هناك مؤشرات علي أن مقاتلي بوكوحرام يذهبون إلي ليبيا عبر حدود دول جنوب الصحراء المليئة بالثغرات. أمام هذا الخطر المتصاعد اتفق زعماء دول الساحل الخمس(موريتانياومالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد)علي إنشاء قوة عسكرية مشتركة من عشرة آلاف فرد لتعزيز الرقابة علي الحدود ومطاردة الإرهابيين وطالبوا المجتمع الدولي بتوفير المساعدة والتدريب لها علي أن تبدأ مهامها في وقت لاحق هذا العام،لكن اعتراض الولاياتالمتحدة علي أن تتولي الأممالمتحدة تمويلها شكَّك في إمكانية نجاحها رغم موافقة الاتحاد الأوروبي علي 50 مليون يورو لتمويلها لمكافحة الجماعات المتطرفة وشبكات التهريب والهجرة غير الشرعية.فالقوة ينقصها التمويل والسلاح والمعدات المتطورة والتدريب الكافي،وإذا لم تبادر الدول الأوروبية والمانحة بتزويدها بما ينقصها فلن تتمكن من تنفيذ مهامها وستبقي الجيوش الوطنية عاجزة بمفردها عن مواجهة الإرهابيين وستظل القوات الفرنسية المقدَّر عددها بأربعة آلاف جندي بمنطقة الساحل تحارب في أرض لا تعرف مسالكها أومخابئها بقدر ما يعرفه الإرهابيون حتي تيأس وتنسحب تاركةً الشعوب والحكومات لمصائرها. لمزيد من مقالات عطية عيسوى