تشهد ألمانيا منذ بضعة أسابيع جدلا متزايدا وغير مسبوق حول الحكم الصادر من محكمة كولونيا بتجريم عملية الختان التي تجري للأطفال الذكور( الطهارة) بإعتبارها تمثل اعتداء علي جسد الطفل وسلامته. ورغم كون الحكم حالة فردية صدر بعد ان تعرض طفل اجريت له هذه العملية البسيطة لتداعيات صحية جسيمة, إلا أنه طرح سؤالا حول مدي تعارض ممارسة المسلمين واليهود لطقس أو عادة كختان الذكور مع الحفاظ علي سلامة وصحة وجسد الأطفال من الانتهاكات التي هي أيضا حق يكفله الدستور الألماني تماما مثل حق ممارسة طقوس العقيدة الدينية ؟ يؤرق هذا السؤال منام الكثيرين مسلمين ويهودا نظرا لأن إقرار الحكم وربما تكراره في المستقبل قد يعني تقليص تدريجي لحرية ممارسة المسلمين واليهود لعقيدتهم في المجتمع الألماني والتضييق عليهم. وقد تسبب الحكم في حالة فريدة لفتت انظار الكثيرين وهي توحد موقف الإتحادات الإسلامية واليهودية في المانيا سواء في انتقاداتها للتداعيات السلبية للحكم باعتباره تدخلا صارخا وغير مسبوق في المانيا في شئوون المسلمين واليهود وحقهم في ممارسة طقوسهم الدينية او في ضغوط هذه الإتحادات علي الحكومة الألمانية لوضع إطار قانوني يتيح لهم ممارسة ختان الذكور دون مخاوف. ولم يحدث هذا التوحد في المواقف من قبل سوي في إدانة اعتداءات اليمين المتطرف علي الأجانب وعلي المساجد والمقابر اليهودية باعتباره خطرا يهدد المسلمين واليهود في المانيا علي السواء. ومنذ صدور حكم محكمة كولونيا في نهاية يونيو وجد المسلمون واليهود تضامنا كبيرا من الكنائس الالمانية سواء الإنجيلية او الكاثوليكية وكذلك من الكثير من السياسيين والمثقفين الالمان الذين اعتبر بعضهم الحكم سخيفا وتدخلا في الحرية الشخصية للاسر المسلمة واليهودية, في الوقت نفسه تزايدت الاصوات المؤيدة للحكم وظهرت إستطلاعات للرأي تكشف ان غالبية الألمان ترفض ختان الذكور وتعتبره انتهاكا جسديا لهم. وقادت إتحادات حماية الأطفال مثل إتحاد مساعدة الأطفال في برلين حملة مضادة للحكم تركز فيها علي رفض الأغلبية في المجتمع الألماني لهذا الطقس الديني ومطالبتهم بإعلاء حق الطفل في الإحتفاظ بسلامته الجسدية والنفسية علي حق الأهل في ممارسة طقوسهم الدينية بحرية. وكان يمكن للنقاش الديني والقانوني حول هذه القضية ان يستمر في المانيا إلي ما لا نهاية نظرا لثقافة الجدل التي تسود المجتمع الألماني ونظرا لأن المحكمة الدستورية الاتحادية التي تنظر دعاوي المسلمين في سلامة الحكم الصادر قد تحتاج لشهورطويلة قبل اصدار حكم يزيل اللبس القانوني في هذه القضية, غير ان الحكومة الألمانية تدخلت فجأة وبعد سبعة عشر يوما من الحكم في الجدل الدائر حوله وأعلنت علي لسان المتحدث باسم المستشارة الالمانية شتيفان زايبرت أنها تريد أن تكون هناك حياة يهودية ومسلمة في المجتمع الالماني وانه لابد من ان تكون هناك حرية في إجراء عمليات الختان التي تتم بشكل سليم. ولم ينس زايبرت ان يؤكد إدراك حكومته لاهمية ختان الذكور في الديانة اليهودية تحديداحيث تجري الجراحة في اليوم الثامن لمولد الطفل دائما وأن الحكومة تبحث بشكل مكثف الآن إيجاد مخرج قانوني يتيح ذلك. غير ان التحرك المفاجئ لحكومة المستشارة انجيلا ميركل وعلي عكس المتوقع لم يكن محل ترحيب الكثيرين من الاأمان والمسلمين تحديدا, وذلك لأنه جاء بعد تهديدات صريحة من المجلس المركزي لليهود بمغادرة اليهود المانيا وأن الحكم يذكر اليهود باضطهادهم في الماضي. وبعد انتقادات صريحة من رئيس مؤتمر حاخامات اوروبا بينشاس جولدشميت للحكم وصفه فيها بأنه اكبر إعتداء علي الحياة اليهودية في المانيا منذ الهولوكوست! وأنه إذا لم يتم تصحيح الحكم لن يكون هناك مستقبل لليهود في ألمانيا! ولم تخف بعض تعليقات الصحف الألمانية إمتعاضها من أن الحكومة الالمانية تحركت فقط بعد ان لوح الحاخامات بعصا الاتهام بمعاداة السامية في حين ان إحتجاجات المسلمين علي مدي اسابيع لم تلق إهتماما رسميا. بل إن صحيفة برلينر مورجنبوست علقت قائلة أنه لو كانت هذه القضية قضية مسلمي المانيا الأربعة ملايين نسمة وليست ايضا قضية120 الف يهودي لما تحركت الحكومة. ربما لهذا السبب لم ترحب الإتحادات الإسلامية بقرار الحكومة البحث عن مخرج قانوني, فقد شعرت بحجمها الحقيقي وقدرتها المحدودة علي التأثير حتي فيما يتعلق بشأن من شئون المسلمين هنا, ولربما شعرت الكثير من الاسر المسلمة في المانيا بأنه من حسن طالعها ان ختان الذكور هي ايضا عادة يهودية.