تنتمى الشخصية التاريخية البحتة إلى تراث التاريخ الذى يتكون من حوادث الزمان التى مرت على الأحقاب الزمنية. ولا تدخل الشخصية التاريخية إلى دائرة معرفتنا إلا من خلال قراءتنا لأحداث التاريخ ويعمل المؤرخ على إيجاد ما يسندها بتحديد زمنها ومكانها وسلوكها حتى تصبح حقيقة ثابتة يصدقها القارئ. والحقيقة التاريخية كما سبق وأن ذكرت هى حقيقة خاصة أو حقيقة جزئية تختص فقط بزمن ومكان وقوعها. أما تراث الفن من الأعمال الإبداعية فى الآداب والفنون، فهو تراث قد ينتمى إلى التاريخ بوجه عام شكلا، لكنه فى الحقيقة ينتمى إلى الإنسانية فى كل زمان ومكان. فعمل المؤرخ بما قد حدث وعمل المبدع بما قد يحدث أو يمكن أن يحدث. فالعمل الفنى الذى يدور فى إطار التاريخ ليس هو التاريخ. كما يكتبه المؤرخ لكنه يعيد بناء الأحداث التاريخية. حيث يتدخل خيال المبدع وما يريد أن يقوله من وجهة نظره الشخصية. ولذلك فهناك بعض النقاط التى نحب أن نشير إليها عند اختيار المبدع لإحدى الشخصيات التاريخية فى عمل درامى مسرحى كان أو سينمائى أو ينتمى إلى الدراما التليفزيونية. أول كل شيء أن يراعى المبدع فى اختياره للشخصية التاريخية التى لها تأثير إيجابى أو تأثير سلبى فى زمنها. بحيث تثير الاهتمام والفضول عند المتلقي. حيث ان الكمال هو لله وحده. فقد تتسم الشخصية التاريخية بالإيجاب والسلب فى الوقت نفسه. كما هو على سبيل المثال فى مسرحيات «أوديب» ومسرحية «مكبث» والمسرحيات التى تدور حول شخصية «كليوباترا» فإن طبيعة الإنسان عامة إنما تدور حول الخير والشر. وبما إن التاريخ علم يقتضى من المؤرخ الموضوعية التامة والتجرد من الأهواء الشخصية ونفاق السلطة. كما يحدث كثيرا عندنا، فإن نظرة المبدع إلى التاريخ على اعتباره مادة أولية يستقى منها موضوعه الذى يدور حول نظرة هذا المبدع إلى أى حقبة أو إلى أى شخصية من شخصيات التاريخ. ولا يتطلب منه هذا التناول النظرة الموضوعية التاريخية، وإنما يتطلب منه النظرة الموضوعية الفنية التى تتسم بالإقناع أو المنطقية الفنية، ولذلك فنحن لا نعتمد على العمل الفنى مهما يكن فى المعرفة التاريخية. فالفن يقدم لنا الكلى وليس الجزئى أو الخاص، فهو لا يقدم لنا مثلا كيف تتحدث الشخصية أو تسلك فى نمط معين، فإنه يقدمها إلينا فى شكل إنسانى يمكن أن يحدث لأى فرد له مواصفات هذه الشخصية. ومن الأفضل أن تلقى الشخصية من خلال معالجتها بظلالها على العصر الذى نحيا بل إنه من الأفضل أيضا أن تصبح هذه الشخصية صالحة لكل عصر من النواحى السياسية أو الاقتصادية أو الاجتماعية أو الاخلاقية. ولذلك نجد أن شكسبير يختار شخصيات مسرحياته التاريخية وفتراتها فى اهتمام شديد. كما نرى فى هاملت ومكبث ويوليوس قيصر وانطونيو وكليوباترا وريتشارد الثانى وغيرها من المسرحيات التاريخية. ومن الأفضل عند معالجة الشخصية التاريخية منذ أن تولد حتى الوفاة، أى من المهد إلى اللحد. كما يحدث فى معظم المسلسلات الدرامية التاريخية المصرية والعربية. فإن من دواعى الملل والتطويل عدم قدرة الكاتب على الدخول فى الموضوع مباشرة، وعدم قدرته على أن يطور أحداثا من إبداعه، ولذلك فإنه يميل إلى الأسهل خاصة ما ينقله نقلا من كتب التاريخ. الدراما الحقيقية هى التى تكشف عن حقيقة من حقائق الحياة التى قد لا توفرها الحقيقة التاريخية فهى أعمق من السيرة التى تسرد حياة يوم بيوم دون إبداع أو متعة فنية. إنه من الأفضل اختيار موقف أو مرحلة مهمة فى حياة الشخصية فإن المبدع الدرامى لا يقدم لنا كل ما حدث لشخص معين، وإنما يقدم كما يقول بعض النقاد كل ما هو أساسى لفهم هذه الشخصية. ونحن نجد هذا فى مسرحيات شكسبير خاصة مسرحية «يوليوس قيصر» وفى فيلم «رجل لكل العصور» المأخوذ عن مسرحية شهيرة لروبرت بولت، ومسرحية «مكبث» ونجد أيضا فى فيلم «ناصر 56» الذى كتبه محفوظ عبدالرحمن. كان اختيار الكاتب لتلك الفترة هو ذكاء منه فإن ما حدث بالنسبة لتأميم قناة السويس يعتبر نقطة مضيئة فى حياة عبدالناصر المليئة بالنقاط المظلمة. ويجب أن يراعى الكاتب المبدع فى كتابة حوار الشخصية التاريخية ما يتم عن زمنها ومكانتها حتى يتحقق الاقتناع التاريخى ولكن المعاصرة تأتى من خلال المعنى الكلى للعمل الفني. وعند تنفيذ العمل الفنى التاريخى على خشبة المسرح أو تصويره فيلما سينمائيا أو عملا دراميا للتليفزيون. فيجب عندئذ ألا يكون الاهتمام مبالغا فيه بالشبه الدقيق بين الممثل أو الممثلة وبين الشخصية التاريخية. فالمهم أن تظهر من خلال الأداء براعة الممثل أو الممثلة فى رسم الملامح الداخلية للشخصية، إذ سرعان ما ينسى المتلقى الشكل ويركز اهتمامه على ما يدور أمامه. أى أن جوهر العمل أهم من مظهر الممثل. فبرغم أننا نعرف جيدا ملامح نابليون من خلال اللوحات التى رسمت له فى عهده، فليس كل الذين قاموا بتقديم هذه الشخصية من الممثلين كانوا يشبهونه. فإن آعظم من قاموا بأداء شخصية نابليون مثل شارل بواييه ومارلون براندو ورود شتاتجر لم يكن هناك أى شبه بينه وبينهم، بل إن هناك من النساء من قمن بأداء شخصية نابليون على المسرح. يجب البعد عن المثاليات المطلقة أو الزائفة التى لا تتفق مع النوازع البشرية حتى لا تصبح الشخصية أشبه بالملائكة كما حدث فى مسلسل «أم كلثوم» أو مسلسلات عن «عبدالناصر». وعلى المبدع أن يدرك أنه إنما يقدم عملا فنيا وليس عملا تاريخيا دون أى اعتبار إلى من يعترض عن جهل لطبيعة الفن. وهذا ما حدث عندما قام الشيخ أمين الخولى بانتقاد وليس بنقد مسرحية توفيق الحكيم الخالدة «السلطان الحائر»، وفقا لما جاء فى كتب التاريخ، وليس لما جاء فى كتب الفن، فاندثر ما كتبه أمين الخولى وعاش ما كتبه توفيق الحكيم. وعلى المبدع أن يقوم ما أمكنه بتحليل الظروف الزمانية والمكانية التى أدت إلى ظهور الشخصية التاريخية، فإن الدراما لا تقتصر على إبراز الأحداث التاريخية فقط دون تقديم الأسباب والدوافع. لمزيد من مقالات مصطفى محرم