تنطلق مجموعة «بريكس» فى رؤيتها للسياسة الخارجية تجاه القضايا الإقليمية والدولية من خلال رؤى متطابقة ومواقف موحدة، خصوصا فى ظل استمرار رفض دول الكتلة السياسات الأمريكية حتى مع صعود الرئيس الأمريكى دونالد ترامب الذى مازال يحمل شعلة سياسات القطب الواحد والتلويح بالقوة لدعم مصالح واشنطن بحجة حماية الأمن القومى الأمريكي. وخرجت «بريكس» من رحم فكرة الثورة ضد سياسات القطب الواحد، واحتياج العالم إلى تعدد الأقطاب، وإلى تقليل الاعتماد على الولاياتالمتحدة، خصوصا فى ظل استمرار واشنطن، مهما اختلف اسم الجالس فى البيت الأبيض، على رفضها التوافق مع القوى الدولية مثل روسياوالصين حيال عدد من القضايا. وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 2006، اتفقت كل من روسياوالصين والبرازيل والهند على ضرورة إصلاح المنظمات المدعومة من أمريكا مثل الأممالمتحدة حتى تعبر عن أصوات الجنوب النامى ويحترم الجميع القانون الدولى وسيادة الدول، بل وإصلاح الاقتصاد العالمى والمؤسسات المالية العالمية مثل صندوق النقد الدولى عبر ضرورة تعيين قيادتها من خلال عملية اختيار واضحة وشفافة وقائمة على اختيار الكفاءات. وكانت من المطالبات الأولى توسيع سلة عملات الصندوق لتضم اليوان الصينى والروبية الروسية. واتخذت دول المجموعة اجراءات لمواجهة القوة المالية الأمريكية، عبر تأسيس بنك التنمية الجديد أو بنك "بريكس"، بعد فترة قصيرة من تأسيس البنك الآسيوى للاستثمار فى البنية التحتية الذى تقوده الصين، بالإضافة إلى مبادرة "الحزام والطريق" التنموية التى وصل عدد الدول المشاركة فيها إلى نحو 70 دولة. وعلى الرغم من أن موسكو وبكين تلعبان دورا حاسما فى مواجهة واشنطن بخصوص القضايا الدولية سواء الأزمات فى الشرق الأوسط وإفريقيا أوالإقليمية مثل أوكرانيا وكوريا الشمالية، فإن «بريكس» حريصة على تقديم وجهات نظر متطابقة بشأن هذه القضايا. وحرص الرئيس الصينى تشى جين بينج على تقديم اقتراح من خمس نقاط لدول مجموعة «بريكس» للترابط فى الأوقات الصعبة بما فيها: بناء عالم منفتح، ورسم رؤية للتنمية المشتركة، ومواجهة التحديات الدولية الملحة، وحماية العدالة والمساواة فى المجتمع الدولي، وتعميق الشراكة بين بلدان الكتلة. ومع مرور 11 عاما من بدايات ظهور الكتلة، التى يتوقع أن تكون الأقوى بحلول 2050 حتى من مجموعة العشرين، اتفقت الدول الخمس على مواقف موحدة تجاه أهم القضايا على الساحة الدولية، وفى مقدمتها الملف السورى والأزمة الكورية ومكافحة الإرهاب ومواجهة الحمائية. ومن المقرر أن يتصدر ملف الإرهاب القمة التاسعة فى شيامن، حيث ترى المجموعة أن مكافحة الإرهاب تحتاج إلى تبنى نهج شامل على أساس القانون الدولي، خصوصا أن الإرهاب يشكل أحد المخاطر الكبرى التى تقف فى طريق الاقتصاد. ومع اندلاع الأزمة الأوكرانية، ومحاولات روسيا التدخل لحل الأزمة، سعت أمريكا وحلفاؤها الأوروبيون إلى خنق موسكو سياسيا واقتصاديا من خلال سلسلة من العقوبات، إلا أن دول «بريكس» وقفت إلى جانب روسيا، وأعلنت رفضها العقوبات الغربية ومحاولات منع الرئيس فلاديمير بوتين من حضور قمة العشرين بألمانيا فى 2014. الصين من جانبها، ترى أن المجموعة تعد عاملا لتحقيق الاستقرار فى الوضع الدولى خصوصا فى ظل الرؤى المتقاربة حول المسائل الإقليمية والدولية. وبخصوص الصراع السوري، ترى المجموعة ضرورة احترام السيادة السورية لحل الأزمة وفقا للقرار الدولى 2254، والتنسيق مع دمشق فى محاربة الإرهاب والعمل على التوصل إلى تسوية. ودعت روسياالولاياتالمتحدة إلى ضمان التنسيق فى سوريا، والحفاظ على مناطق تخفيض التصعيد باعتبارها خيارا من الخيارات المحتملة للمضى قدما إلى الأمام بشكل مشترك وتفادى الخطوات أحادية الجانب. بينما دعت المجموعة إلى انتهاج "الدبلوماسية الوقائية" فى التعامل مع الوضع فى شبه الجزيرة الكورية، فى ظل استمرار تحدى بيونج يانج للمجتمع الدولى عبر إجراء سلسلة من التجارب النووية والصاروخية. كما تعارض المجموعة بناء المستوطنات الإسرائيلية باعتباره مخالفا للقانون الدولي. وترفض التجسس الإليكترونى الذى تقوده الولاياتالمتحدة وتعتبره نوعا من الإرهاب، لذلك تسعى إلى إنشاء "كابل" إنترنت خاص بها لتفادى عمليات التجسس الأمريكية. وترفض «بريكس» سياسات الحمائية المتمثلة بفرض ضرائب ورسوم على الواردات من السلع والخدمات، والتى بدأ الرئيس الأمريكى اتخاذ خطوات على طريق تطيبقها، فى وقت ترى فيه دول المجموعة أنها تمثل تقييدا لحركة التجارة العالمية. وفيما يتعلق باتفاقية التغير المناخي، حث قادة "بريكس" المجتمع الدولى "على التنفيذ المشترك لاتفاقية باريس بهذا الشأن وفقا لمبادئ اتفاقية الأممالمتحدة، والوفاء بالتزاماته فى تقديم المساعدة المالية والتقنية للبلدان النامية لحل مشكلاتها المتعلقة بالتغير المناخي". الكتلة الاقتصادية تسعى إلى ضم المزيد من الدول "الأصدقاء" إلى التجمع عبر «بريكس بلاس»، كما اعتادت دعوة الدول الصاعدة لحضور قممها، وحرصت خلال العام الحالى على دعوة قادة مصر والمكسيك وطاجيكستان وغينيا وتايلاند من أجل تعميق التعاون وتعزيز التنمية المشتركة والمستدامة وتعزيز التعاون الجنوبي- الجنوبى وبناء شراكات وتحسين الحوكمة العالمية. «بريكس» لا تركز فقط على السياسة والاقتصاد بل على التنمية الثقافية بين شعوب المجموعة وشعوب الجنوب. وهكذا، تحققت نبوءة الرئيس الصينى بأن «بريكس» تدخل عصرها الذهبي، عبر توسيع دائرة أصدقائها، وكونها صوتا قويا فى مواجهة السياسات الأمريكية.