ظل الانسان طوال قرون يحلم بأن يعيش الجنة علي الارض بدلا من انتظارها في السماء. فطر الانسان علي الشك، فلا أحد امتلك اليقين الكامل بدخوله الجنة مهما كان تقيا. الملامح الاساسية للجنة في مخيلة البشر هي الطبيعة الغناء والاشجار والانهار الوارفة مما لا رأت عين بشر. ولهذا وصفت عدة أماكن بالعالم بأنها جنات ارضية لابهار عناصر الطبيعة بها والثراء المذهل في مكوناتها. شاءت الاقدار ان تكون بلاد جنوب شرق اسيا هي الحاضنة للعديد من تلك الجنات. واسعدني الحظ هذه الايام ان ازور احدي تلك الجنات وهي جزيرة «بالي» في اندونيسيا. لم تش لنا شوارع المدينة الرئيسية عند وصولنا بأي تميز او اختلاف، حتي سبرنا اغوارها بعد قليل وارتحلنا الي حي كوتا المملوء بالروائع المذهلة من إبداع الخالق. مدرجات جبلية مكتسية بالالوان البهية خاصة تلك التي يزرع فيها الارز في شكل نصف دائرة و كأنها تحتضن زائريها ومن يعيشون بها. تستطيع « بالي» بمنتهي السهولة ان تأخذ جائزة اجمل مدينة في العالم في تنوع الاشجار. لا احد يستطيع تصور حجم الثراء والغني في عدد الشجر وشكله وملمس اوراقه والثمار التي تنبع منه. التجاور المذهل لاشجار من نوعيات مختلفة يخلب الالباب ولا يتركك الا مشدوها مسبحا بعظمة الخالق و خلقه لكون من جماله يبكيك من الفرحة. كانت بالي طوال عقود تتميز بالعديد من الغابات خاصة في الساحل الشمالي منها لكن لم يبق منها الكثير الآن. اشهر شجرة في بالي هي ديبتروكارب، التي يصل ارتفاع بعضها الي 1200 متر وهي ذات اوراق سميكة وتباين مذهل في درجات اللون الاخضر من شديد لوطء كالطعم الحار الي الاخضر الرقيق كغلالة شفافة. و هناك الفيرنس التي تنبت الكثير من الازهار اهمها الاوركيد. اثر ارتفاع درجة حرارة الارض علي اندثار العديد من انواع الاشجار وتقزم البعض الاخر. لكن تظل الشجرة الاهم هناك هي شجرة البانيان المقدسة و التي يقام لها عيد مقدس كل 210 أيام. و اصل الشجرة بذرة صغيرة جدا لكنها تتطور لتصنع شجرة عملاقة ضاربة جذورها الي اعماق الارض السحيقة. وترمز تلك الشجرة لطوق الانسان للكمال. يعتقد اهل بالي ان البشر كالاشجار يضربون بجذورهم في اعماق الارض و يتوجهون لاعلي نحو السماء ويستمدون طاقتهم من الضوء باعتباره ترياقا مقدسا. البشر كالاشجار يصلون ما بين الارض والسماء و يمركزون الكون في ذواتهم. و شجرة البنيان يتم زراعتها في كل قرية هناك في مكان يسمي معبد الموت للحفاظ علي أرواح الاموات و حماية المواليد الجدد. الشجرة اوراقها كبيرة ولامعة و شديدة الحضور وذات ملمس جلدي فخم. هناك ثقافة خرافية في هذا البلد تجعل كل الناس تزرع الاشجار من تلقاء نفسها بدون ان تفرضها عليهم قوانين او حكومات متعاقبة. يساعدهم في ذلك تربة استوائية خصبة قل ان تجد مثيلها لانها تنبت اشجارا متنوعة واحيانا متناقضة ظاهرا بدون اي تدخل بشري. مما جعل جزيرة بالي القائمة اساسا علي الشوارع الصغيرة كانها ممرات ساحرة بين غابات اسطورية. المعتقد الهندوسي هو ما يؤمن به اغلبية اهل بالي وهو يستند الي ثلاثة مبادئ رئيسية هي علاقة الانسان بنفسه وبرب الكون وعلاقته بالطبيعة. يلصق هؤلاء حبات الارز في رؤوسهم للبحث عن التفكير الجيد وفي رقبتهم للفعل الجيد ويأكلونه للقدرة علي الكلام الجيد. في هذه الثقافة البنيان الروحي هو الاهم. والتجلي الدائم والتذكير بالصراع بين روح الخير وروح الشر. العلاقة الوثيقة الصلة بالطبيعة والبحث الدائم عن الحكمة وعن السلام الداخلي اثرا علي ان ان يكون اهل بالي من الطف الكائنات البشرية التي من الممكن ان تقابلها في الكون. الاهتمام بالطيور والحيوانات ليس فقط جزء من المزارات السياحية الكثيرة التي من الممكن ان تزورها في بالي، لكنه اسلوب حياة. فالمخلية الشعبية التي تغذت علي ملحمة المهابهارتا الهندية وملحمة راما يانا الاندونيسية شخصياتها قائمة علي الشخصيات الحيوانية التي تتشبه بالانسان لتضرب له المثل بسلوكها الجيد والسيئ عما يجب ان يفعله و عن الصالح في هذه الحياة. لذا تجد اهتماما كبيرا يصل لدرجة التقديس بالحيوانات والطيور. القرد محبوب جدا في هذا المكان ومن افضل الاوقات التي تستطيع ان تقضيها هناك في غابة القرد بحي اوبود. وبالي ليست زراعية فقط لكنها بحرية من الطراز الاول. فهي ارخبيل مملوء بابداع الهي ليس له مثيل في كائنات ما تحت الماء. ومنها علي سبيل المثال وليس الحصر سمكة الضفدعة والسمكة الشرقية ذات الشفايف المسكرة والسمك الاسد والسمكة الحجر والسمكة الفراشة. [email protected] لمزيد من مقالات د. أحمد عاطف