كانت مصر سباقة فى إقرار الحق فى التعليم وإتاحته بالمجان لجميع مواطنيها دون تمييز لأى سبب كان، وذلك مقارنة بغالبية البلدان النامية وكثير من البلدان المتقدمة. وكان طه حسين رائد الدعوة الى مجانية التعليم فى مصر، وتمكن مستشارا ثم وزيرا للتعليم من اقرار مجانية التعليم الابتدائى ثم الثانوى، وكان فضل ثورة 1952 أنها أقرت مجانية التعليم الجامعى، ووسعت فرص الاستفادة من مجانية التعليم قبل الجامعى. ورغم الافتراءات والتهجمات على مجانية التعليم، فما زالت عصية على وأدها رغم كل النواقص والمثالب. وقد أكد دستور 2014، المفترى عليه، كل مبادىء الحق فى التعليم للجميع كما أقرتها كل مواثيق حقوق الانسان. وفى تأريخ مجانية التعليم بمصر فى القرن العشرين، تجدر الاشارة، أولا، الى ما كتبه طه حسين ساخرا من أعداء مجانية التعليم الإلزامى فى مقال (كوكب الشرق 31/3/1933)، يقول: إن هذه الآراء تنظر إلى التعليم وكأنه ترف لا ينبغى لسواد الناس أن تتلقاه، وكأن انتشاره ينذر مصر بخطر داهم لأنه- كما يقول أحدهم- وسيلة للاشتراكية والشيوعية، وإذا فالأمية خير منه!! ويتساءل مفكرنا: أليس خيرا للحكام أن يظل الشعب جاهلا قوى البنية ينتج ولا يستفيد. وحين صار مستشارا فنيا لوزارة التعليم فى حكومة الوفد كان فكر طه حسين حاكما وموجِّها فى تقرير عن إصلاح التعليم فى مصر الذى صدر فى نوفمبر عام 1943، والذى لاحظ أن تلميذ المدرسة الابتدائية فى مصر كان يدفع 10 جنيهات بينما تكلفته 24 جنيها، ويدفع 20 جنيها فى التعليم الثانوى بينما يتكلف 43 جنيها. ولما كانت الكثرة الغالبة من الفقراء لا يستطيعون دفع هذه المصروفات، فقد كان هذا يعنى أن الدولة تدعم الأغنياء. وفى بداية مناقشة مجلس النواب للتقرير أكد وزير المعارف أحمد نجيب الهلالى على أهمية أن يكون التعليم حظا شائعا بين المواطنين جميعا، يقوم أمرهم فيه على المساواة التى هى أساس الديمقراطية التى يكفلها دستور1923: لأنه ليس من العدالة الاجتماعية أن تكون مهمة الطبقة العاملة أن تكدح وتكدح، وننكر عليها حقها فى التفكير وفى الاستمتاع بنور العلم. وصدر بالفعل قرار وزارى بتقرير مجانية التعليم فى العام 1944 لطلاب التعليم الابتدائى. وسجل طه حسين أن القرار ألغى الفقر كعقبة فى سبيل التعليم، وانه من طبيعة الديمقراطية، لكن نسبة المجانية ما زالت ضئيلة. ومن هنا اشترط ليكون وزيرا للمعارف فى حكومة الوفد فى مطلع الخمسينيات أن تلتزم الحكومة بمجانية التعليم الثانوى، فتعهدت الحكومة بتوفير الاعتمادات المالية اللازمة لتقرير مجانية التعليم الثانوى التى تمت عام 1950. وأعلن مفكرنا لاحقا أن كل مدرسة يطرد منها طالب بسبب المصروفات يطرد ناظرها فورا؛ لأن المجانية التزمت بها الحكومة الشعبية أمام البرلمان، ولذلك هى واجبة التنفيذ. وفى يناير عام 1952 طالب مفكرنا بإقرار المجانية فى التعليم الجامعى للقادرين علميا، وهو ما اعترض عليه الملك فاروق زاعما أن طه حسين يريد أن يقلبها شيوعية!! وهو ما فصله الأستاذ الدكتور سعيد إسماعيل على فى مقاله عن مؤسس مجانية التعليم فى مصر الحديثة. وأسجل ثانيا، أنه فى سياق تبنى ثورة 23 يوليو 1952 أهم ما تضمنته برامج القوى الوطنية والديمقراطية المصرية قبلها، تقررت مجانية التعليم فى كل مراحله، ووسعت فرص الاستفادة من هذه المجانية؛ بقدر إنجازاتها فى مجالى التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. وفى سياق ثورتى 25 يناير و30 يونيو نص دستور 2014، على أهم المبادىء التى نصت عليها جميع المواثيق العالمية لحقوق الانسان فيما يتعلق بالحق فى التعليم للجميع ومجانيته، ومنها تأكيده فى المادة 19 أن التعليم حق لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيره وفقا لمعايير الجودة العالمية، والتعليم إلزامي حتي نهاية المرحلة الثانوية أو مايعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة في مؤسسات الدولة التعليمية، وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم لاتقل عن 4% من الناتج القومي الإجمالي، تتصاعد تدريجيا حتي تتفق مع المعدلات العالمية، وتؤكد المادة أن الدولة تلتزم بتشجيع التعليم الفني والتقني والتدريب المهني وتطويره والتوسع في أنواعه كافة وفقا لمعايير الجودة العالمية، وبما يتناسب مع احتياجات سوق العمل وتأكيده في المادة 21 أن الدولة تكفل توفير التعليم الجامعي وفقا لمعايير الجودة العالمية، وتعمل علي تطويره وتكفل مجانيته في جامعات الدولة وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومي للتعليم الجامعي لاتقل عن 2% من الناتج القومي الإجمالي تتصاعد تدريجيا حتي تتفق مع المعدلات العالمية. وأختم فأقر أن نقص الموارد يمكن أن يعوق الإعمال الكامل للحق في التعليم، لكنه لا يحق للدولة أن تلغى حقا مكتسبا أقره الدستور، وإنما إدراك أن كل بلدان العالم من حولنا، التى خرجت من الحلقة المفرغة للفقر والجهل الى الآفاق الرحبة للثروة والعلم لم تحقق قفزتها بغير إعطاء الأسبقية للانفاق على التعليم، ولم تحقق قفزتها بغير أسبقية التصنيع. والأمر أن التأثير متبادل وظاهر بين التعليم، الذى يوفر للتصنيع قوة العمل المؤهلة والجاذبة للاستثمار الصناعى، وبين التصنيع، الذى يوفر الموارد اللازمة للارتقاء بنوعية التعليم وقوة الدفع التنمية الشاملة. وكما قال غاندى إننا ننفق على التعليم لأننا فقراء!! وليس التعليم منحة من الدولة تمن بها وإنما حق من حقوق الإنسان؛ وعلى الدولة أن توفر الموارد اللازمة للارتقاء بنوعية التعليم، فلا تعليم مجانيا، لكن عليها فى ذات الوقت أن تلتزم بمبدئين أقرتهما منظمة اليونسكو بشأن الحق فى التعليم للجميع، وهما: العدالة، بألا يكون للفقر وأى سبب آخر عقبة أمام التمتع بالحق فى التعليم، والكفاءة، بأن يتاح التعليم لأعلى مستوياته لكل قادر على تلبية استحقاقاته العلمية. وأسجل ثانيا: أنه فى سياق تبنى ثورة 23 يوليو 1952 أهم ما تضمنته برامج القوى الوطنية والديموقراطية المصرية قبلها، تقررت مجانية التعليم فى كل مراحله، ووسعت فرص الاستفادة من هذه المجانية بقدر إنجازاتها فى مجالى التنمية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. وفى سياق ثورتى 25 يناير و30 يونيو نص دستور 2014 على أهم المبادىء التى نصت عليها جميع المواثيق العالمية لحقوق الإنسان فيما يتعلق بالحق فى التعليم للجميع ومجانيته، ومنها تأكيده فى المادة 19 أن التعليم حق لكل مواطن، وتلتزم الدولة بتوفيره وفقا لمعايير الجودة العالمية، والتعليم إلزامى حتى نهاية المرحلة الثانوية أو ما يعادلها، وتكفل الدولة مجانيته بمراحله المختلفة فى مؤسسات الدولة التعليمية، وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم لا تقل عن 4% من الناتج القومى الإجمالى، تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية، وتأكيده فى المادة 20 أن الدولة تلتزم بتشجيع التعليم الفنى والتقنى والتدريب المهنى وتطويره والتوسع فى أنواعه جميعا، وفقا لمعايير الجودة العالمية، وبما يتناسب مع احتياجات سوق العمل، وتأكيده فى المادة 21 أن الدولة تكفل توفير التعليم الجامعى وفقا لمعايير الجودة العالمية، وتعمل على تطويره وتكفل مجانيته فى جامعات الدولة وتلتزم الدولة بتخصيص نسبة من الإنفاق الحكومى للتعليم الجامعى لا تقل عن 2% من الناتج القومى الإجمالى تتصاعد تدريجيا حتى تتفق مع المعدلات العالمية. وأختم فأقر أن نقص الموارد يمكن أن يعوق الإعمال الكامل للحق فى التعليم، لكنه لا يحق للدولة أن تلغى حقا مكتسبا أقره الدستور، وإنما إدراك أن كل بلدان العالم من حولنا التى خرجت من الحلقة المفرغة للفقر والجهل إلى الآفاق الرحبة للثروة والعلم لم تحقق قفزتها بغير إعطاء الأسبقية للإنفاق على التعليم، الذى يوفر للتصنيع قوة العمل المؤهلة والجاذبة للاستثمار الصناعى، وبين التصنيع الذى يوفر الموارد اللازمة للارتقاء بنوعية التعليم وقوة الدفع التنمية، وكما قال غاندى إننا ننفق على التعليم لأننا فقراء!! وليس التعليم منحة من الدولة تمن بها وإنما حق من حقوق الإنسان، وعلى الدولة أن توفر الموارد اللازمة للارتقاء بنوعية التعليم، فلا تعليم مجانى، لكن عليها فى ذات الوقت أن تلتزم بمبدأين أقرتهما منظمة اليونسكو بشأن الحق فى التعليم للجميع، وهما: العدالة، بألا يكون الفقر وأى سبب آخر عقبة أمام التمتع بالحق فى التعليم، والكفاءة بأن التعليم لأعلى مستوياته لكل قادر على تلبية استحقاقاته العلمية. لمزيد من مقالات د. طه عبدالعليم