لا شك أن الأسابيع القليلة المقبلة ستشهد تطورات سياسية ودبلوماسية أمريكية هامة وعديدة سوف تحدد طبيعة مسار الادارة الأمريكية وتوجهاتها في المرحلة المقبلة. ما يحدث داخل الادارة في الوقت الحالي بين أركان صناعة القرار الأمريكي جدير بالمتابعة والتحليل فهي ادارة حتى وان لم توصف بأنها «منقسمة على نفسها» فانها تعيش في حالة «عدم توافق» وتشهد غالبا «صراع قوى» والأخطر بالطبع أن هذه الادارة رغم مرور نحو سبعة أشهر من توليها لزمام الأمور توصف أحيانا من جانب أهل الخبرة في واشنطن بأنها في حالة «فوضى» أو أنها بتعبير أدق تعاني من تبعات الفوضى وعدم الاستقرار في تقدير الأمور وتقييم الأوضاع واتخاذ القرارات. وليس من المبالغة القول بأن شخصية الرئيس وطريقته في حسم الأمور ومواجهة الأفراد وطرح السياسات .. بتصريحاته الحادة و»تغريداته» الطائشة لها دور أساسي ومحورى في ايجاد هذه الحالة التي صارت تقلق أهل واشنطن .. وتحير من يتعامل مع الادارة سواء من داخل البلاد أو خارجها. وهذه الحيرة أبداها مؤخرا وبشكل واضح وصريح قيادات جمهورية في الكونجرس منهم السناتور ميتش ماكونل رئيس مجلس الشيوخ والسناتور بوب كوركر رئيس لجنة العلاقات الدولية بمجلس الشيوخ بالاضافة بول رايان رئيس مجلس النواب وبالتأكيد التصريحات الصادمة التي صدرت عن الرئيس ترامب عقب أحداث العنف في شارلوتسفيل بخصوص الجماعات العنصرية المتطرفة لم تظهر فقط عمق القضية التي تفجرت ومدى تباين الآراء والمواقف بشأنها بل كشفت من جديد موقف ترامب من هذا الأمر. قيادات الجيش الأمريكي وكبار رجال الأعمال وأصحاب الشركات لم يترددوا في اظهار عدم رضاهم بما فعله أو لم يفعله الرئيس ترامب وأعلنوا موقفهم علنا وصراحة. والأمر الذي لفت الانتباه أيضا أن أعضاء بارزين في ادارته ومنهم على وجه التحديد وزير الدفاع ووزير الخارجية وكبير مستشاريه في الاقتصاد لم يقفوا مع الرئيس ومع ما قاله. خاصة أنه قال أكثر من شئ وغير آرائه ولم يلتزم بما هو منتظر ومطلوب من الرئيس وهو يتعامل مع العنصرية البيضاء وخطاب كراهيتها. ما قاله الجنرال جيمس ماتيس وزير الدفاع لمجموعة من الجنود خلال جولته في المنطقة أثار الاهتمام لأنه قال ما معناه أن بلادنا في الوقت الحاضر لديها مشاكل لا توجد مثلها في العسكرية .. ثم قال أيضا تمسكوا بمواقفكم حتى تعود بلادنا الى فهم واحترام بعضنا للآخر وأن تظهر ذلك أما وزير الخارجية ركس تيلرسون ففي حوار تليفزيوني مع شبكة «فوكس نيوز» أجراه منذ أيام نأى بنفسه عن موقف ترامب الأخير وما ذكره عن قيم أمريكية وحرص على التأكيد أن الرئيس صاحب رأيه. تيلرسون بشكل عام في الأسابيع الأخيرة اختلف عدة مرات عن الرئيس ترامب .. مثلما حدث في مسألة قطر وأيضا في موضوع المساعدات لمصر. أوهكذا بدا . والحديث عن اقالته أو استقالته حديث متكرر في أنحاء واشنطن خاصة أن تيلرسون سحبت منه ملفات خارجية عديدة وتم تسليم شأنها لجاريد كوشنر صهر الرئيس ترامب وكبير مستشاريه. كما أن تيلرسون وعلاقته بأفراد الخارجية الأمريكية ليست على ما يرام خاصة أنه يسعى لخفض ميزانية الخارجية بنسبة قد تصل الى 31 في المئة وهذا التوجه قد يؤدي الى تقليص العاملين بها بنسبة ثمانية في المئة. وقد شهدت الخارجية الأمريكية خلال الشهور الماضية موجة استقالات لاعداد كبيرة من دبلوماسيها وخبرائها الكبار في الشئون الدولية. من جهة أخرى فان الصحافة بشكل عام لا تهوى تيلرسون وطريقته الغامضة في تفادي التعامل مع وسائل الاعلام والحديث عن الدبلوماسية. ويذكر في هذا الصدد أن مع تكرار الحديث عن ابعاد أو ابتعاد تيلرسون من الادارة يتكهن أهل واشنطن هو أن تكون نيكي هيلي وزيرة للخارجية وأن تحل محلها في نيويورك دينا باول كمندوبة أمريكا لدى الأممالمتحدة. ودينا باول تشغل حاليا منصب نائب مستشار الأمن القومي وصارت تشارك في المهام الدبلوماسية والأمنية الدولية. ويرى المراقبون أن «صيف التوتر» الذي عشناه قد يعقبه «خريف الغضب الأمريكي». وتتجه أنظارهم الى الكونجرس في الأيام المقبلة. فبعد أجازة يوم العمال (الاثنين المقبل) يعود الكونجرس للانعقاد وأمام مجلسيه الشيوخ والنواب يوجد العديد من التحديات التشريعية والتمويلية (الميزانية العامة بكافة بنودها وتفاصيل أرقامها). والأمر المثير للاهتمام وجدير بالمتابعة سيكون محاولات احتواء الخلافات التي نشأت والمشاكل التي عكرت تماما العلاقة بين الرئيس دونالد ترامب وقيادات الكونجرس من الحزب الجمهوري حزب الأغلبية بسبب أداء الرئيس ترامب وتقلب مواقفه واصراره على اختياراته دون مناقشة وتهور في تعليقاته الطائشة (تحديدا عبر التويتر) وانتقاداته العلنية الجارحة لقيادات الحزب الجمهوري في الكونجرس. الأمر الآخر الجدير بالمتابعة هو التحقيقات الجارية والتسريبات المتواصلة حول صلة رجال حملة ترامب وأيضا أفراد عائلته بالروس وموسكو والكرملين؟ ومدى نفوذ موسكو في العملية السياسية والانتخابية الأمريكية؟ ومدى معرفة ترامب عما كان يحدث باسمه أو نيابة عنه ومدى سعيه لاخفاء الحقائق ؟ الملفات الشائكة لهذا الأمر تزداد حجما واثارة يوما بعد يوم.. الا أن السؤال الأهم هو هل ستؤدي هذه الهزات المتتابعة الى زلزال أكبر يهز أركان واشنطن ويطيح بترامب؟؟ هذا أيضا سيتضح في الأسابيع المقبلة. مع بداية شهر سبتمبر سيحاول المراقبون لتحركات الادارة وتوجهاتها قياس الضبط والربط الذي أدخله الجنرال جون كيري ككبير موظفي البيت الأبيض داخل الدائرة الأعلى لصنع القرار الأمريكي. كما يريد أن يعرف المراقبون تأثير خروج ستيف بانون وسباستيان جوركا وآخرين من المتشددين اليمينيين من البيت الأبيض وبالتالي آلية صناعة الأمن القومي بقيادة الجنرال هيربرت ماكماستر مستشار الرئيس للأمن القومي.. وصياغته لاستراتيجية التعامل مع التحديات الدولية ومناطق الأزمات ومنها الشرق الأوسط ان خريف متقلب وملئ بالمفاجأت في انتظار أهل واشنطن وشعوب العالم !!هذا ما تبينه المؤشرات الأولية لطبيعة الأجواء التي بدأت تتشكل وتتكثف في سماء العاصمة الأمريكية.