الزيارة الاخيرة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين لبودابست يوم الاثنين الماضي لم تكن لتقتصر وبطبيعة الحال على المشاركة في مراسم احتفالات افتتاح بطولة العالم ال31 للجودو، بوصفه الرئيس الفخرى للاتحاد العالمي لهذه الرياضة التي طالما كانت ولاتزال معشوقته منذ الصغر بعد أن حقق فيها الكثير من الانتصارات والانجازات. فلم يكن بوتين ليصل الى بودابست بدعوة من صديقه رئيس الحكومة المجرية وشريكه، دون الجلوس اليه في لقاء هو الثامن في سلسلة لقاءاتهما خلال أقل من ثلاث سنوات . في هذا اللقاء تطرق الزعيمان الى ما أكد توافق الرؤى والتوجهات ازاء الكثير من القضايا وفي مقدمتها رفض التسلط والهيمنة من جانب العديد من الدوائر الغربية ومنها الإتحاد الأوروبي بعقوباته ضد روسيا. وعلى الرغم من أن أوربان لم يتخذ أي قرار ينتهك بموجبه هذه القرارات، فانه كان ولا يزال حريصا على تأكيد تمسكه بالتعاون مع روسيا وتبادل الزيارات مع زعيمها فلاديمير بوتين الذي استضافه أكثر من مرة في بودابست، في إطار زيارات رسمية أسفرت عن توقيع الكثير من اتفاقيات التعاون في مختلف المجالات. وبهذا الشأن قال دميتري بيسكوف الناطق الرسمي باسم الكرملين ان «أوربان التقي بوتين حول غذاء عمل استغرق ساعة ونصف الساعة ناقشا خلالها مجمل قضايا العلاقات الثنائية وفي مقدمتها سير تنفيذ المشروعات الكبرى المشتركة وفي مقدمتها بناء محطة «باكش» النووية، الى جانب تبادل الرأي حول القضايا الأوروبية». واضاف بيسكوف أن الزعيمين استمعا الى تقريري رئيسي اللجنة الروسية المجرية المشتركة وماتعلق منها بزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين بنسبة 30%، على خلفية زيادة حجم الاستثمارات وافتتاح الجديد من المشروعات الانتاجية. ومن اللافت بهذا الصدد ماتردد عن قرار بوتين حول إضطلاع روسيا بالتمويل الكامل لبناء محطة باكش النووية. وكان مقررا في السابق وحسب الاتفاقية الموقعة في عام 2014 ان تقدم روسيا للمجر قرضا تبلغ قيمته عشرة مليارات يورو اي ما يعادل نسبة 80% من تكلفة مشروع بناء المفاعلين الخامس والسادس من بناء المحطة التي كان الاتحاد السوفيتي شيدها في ثمانينيات القرن الماضي وتوفر للمجر ما يزيد عن 40% من احتياجاتها من الطاقة. وكان بوتين كشف خلال زيارته الماضية لبودابست في ابريل من العام الحالى عن استعداد موسكو للاضطلاع بتمويل بناء المحطة بالكامل ، لكن شريطة تعديل بعض شروط الاتفاق التي لم يكشف عنها في حينه، وإن قال انها غير ذات أهمية كبيرة. وكان بوتين قام خلال زيارته القصيرة للمجر، بتلبية دعوة جامعة ديربيتسين أقدم الجامعات والمؤسسات التعليمية في المجر وأحد أقدم جامعات العالم، لزيارتها تقديرا من جانبه لتاريخها العريق وهي التي تأسست في عام 1538 لتظل تواصل ودون انقطاع، مساهماتها في نشر العلم والمعرفة على مدى عقود طويلة، بعد أن جمعت بين جدرانها أكبر المؤسسات التعليمية في الطب والزراعة والعلوم الانسانية مع مطلع القرن الحالي. وبهذه المناسبة يتوقف الكثير من المراقبين عند أهم معالم هذه الجامعة ومنها مكتبتها التاريخية بما تحتويه بين جدرانها من ملايين الكتب والنفائس، الى جانب حديقتها الغناء بأشجارها ونباتاتها النادرة. وتقديرا من جانبها لدور الرئيس بوتين ومساهماته في بناء محطة «باكش»، أعلنت جامعة ديربيتسين عن قرارها بمنح الرئيس الروسي لقب «المواطن الفخري»، وهو ما جرى الاحتفال به خلال زيارة بوتين للجامعة. وبهذه المناسبة كشفت المصادر المجرية عن دور الجامعة في تدريب الكوادر العلمية المدعوة للعمل في محطة «باكش» النووية. وتأتي الزيارة الاخيرة للرئيس الروسي للمجر لتكون تأكيدا جديدا على إعلاء الجانبين لمبادئ البراجماتية والتكافؤ ومراعاة المصالح المتبادلة بعيدا عن القيود التي أعلنها الإتحاد الأوروبي على علاقات بلدانه مع روسيا عقب اندلاع الازمة الاوكرانية في 2014. وتقول المصادر الروسية ان الجانبين يقفان الى جانب تطوير علاقاتهما الاقتصادية والتجارية وهو ما تحاول المجر تأكيده عليه انطلاقا من أن السبيل الوحيد لمواجهة كل التحديات القائمة يكمن في التعاون بين روسيا والعالم. وفي هذا الصدد تدعو المجر الى استئناف التعاون بين الاتحاد الاوروبي وروسيا انطلاقا من مبادئ الاحترام المتبادل والالتزام بقواعد القانون الدولي. وكان الجانبان أكدا موقفهما المشترك من قضية الهجرة وتصاعد حدة مشكلة تدفق اللاجئين من بلدان آسيا وافريقيا والشرق الأوسط، في إطار ضرورة الاهتمام بمعالجة أسباب الازمة والتركيز على ضرورة حشد الجهود المشتركة من أجل مكافحة الارهاب الدولي وتدارس الاسباب الحقيقية لتعثر علاقات روسيا مع الاتحاد الأوروبي. ويتوقف المراقبون في بودابست عند ما توصلت اليه قيادات البلدين من اتفاقات تعزز توجهات القيادة المجرية نحو ضرورة تجاوز العقوبات الاقتصادية المفروضة من جانب الاتحاد الاوروبي ضد روسيا. ومن هذا المنظور يمكن الاشارة الى أهمية ما عقدته المجر من اتفاقات مع موسكو بما في ذلك تطوير محطة «باكش» النووية، التي لاتزال تلقي اعتراضات المفوضية الاوروبية، الى جانب الكثير من مشروعات التعاون المشترك بين البلدين ومنها ما يتعلق ببناء الخط الثالث لمترو الانفاق في بودابست، وصناعة عربات قطارات السكك الحديدية، وتنويع مستويات التعاون بمايشمل الاتصالات المباشرة بين المجر والاقاليم والمقاطعات الروسية على غرار مايجرى الأن مع جمهورية تتارستان ذات الحكم الذاتي ومدينة سان بطرسبورج، فضلا عن تعزيز العلاقات الثقافية من خلال اقامة المهرجانات وتبادل المنح الدراسية في ظل ارتياح الجانب الروسي عودة الاهتمام بدراسة اللغة الروسية في المجر.