وزيرا الأوقاف والعمل ومحافظ القاهرة في رحاب مسجد السيدة نفيسة (صور)    وزير الخارجية البريطاني: لا يمكن لإيران امتلاك سلاح نووي أبدا    لماذا لم يحضر ترامب حفل زفاف بيزوس؟.. الرئيس الأمريكي يكشف السبب    الأدب والحكايات الشعبية مفتاح للوحدة ويمنع الانقسام والتناحر في كتاب جديد    رغم الخروج المبكر.. مدرب العين فخور بمشوار فريقه في مونديال الأندية    فيديو يقود مباحث دار السلام لضبط "ديلر الاستروكس"    بوتين: العلاقات بين موسكو وواشنطن بدأت تتحسن    تعرف على موعد وفضل صيام يوم عاشوراء    بحضور النقيب.. افتتاح مصيف المهندسين بالمعمورة بعد تطويره في الإسكندرية    محافظ كفرالشيخ: انطلاق قافلة دعوية كبرى من مسجد الضبعة بالرياض    في أول جمعة من العام الهجري الجديد.. افتتاح مسجد "آل يعقوب" بقرية سفلاق بسوهاج    ثنائي الأهلي يزين التشكيل الأفريقى المثالى لمرحلة المجموعات فى مونديال الأندية    "القومي للطفولة" يحبط زواج طفلة 14 عاما بمحافظة قنا    نيوم يتوصل لاتفاق مع جالتييه لتدريب الفريق    الرقابة المالية تستعرض تجربتها الرائدة في إطلاق أول سوق كربون طوعي مراقب ومنظم أمام وفد ليبي يضم جهات حكومية    مصرع شابين وإصابة آخر في حادث مروري بقنا    جميعهن فتيات.. ننشر أسماء ضحايا حادث الإقليمي بالمنوفية    مجلس الوزراء يكشف حقيقة اعتزام الدولة خصخصة الجامعات الحكومية    السيطرة على حريق بمحول كهرباء في كفر شكر بالقليوبية    "البترول": نجاح أعمال الحفر ببئر "ظهر 6" وإضافة 60 مليون قدم مكعب يوميًا إلى الإنتاج    الإثنين المقبل.. انطلاق فعاليات معرض الفيوم للكتاب    عبد المنعم المرصفي: التمثيل مصدر رزقي الوحيد.. وعايش على السلف لحد ما يجي لي شغل    أحمد رزق يحتفل بتخرج نجله من المدرسة.. وإيمان العاصي تعلق (صورة)    الإثنين المقبل.. المحطة الأخيرة لقانون الإيجار القديم قبل إقراره تحت قبة البرلمان    خطيب المسجد النبوي: صوم التطوع في شهر المحرم أفضل الصيام بعد رمضان    شحنة جديدة من الأدوية و15 كرسيا متحركا لتوزيعها على المستحقين بأسيوط    صحة الغربية تحقق في واقعة تبدل جثتين في مشرحة مستشفى زفتي العام    «الصحة» تطلق حملة قومية للتبرع بالدم في جميع المحافظات    نجاح أول عملية تكميم معدة لطفلة بالمنظار بمستشفى جامعة أسيوط    إيرادات الخميس.. «المشروع x» يحافظ على صدارة شباك التذاكر    كأس العالم للأندية| تفوق جديد ل صن داونز على الأهلي    ضبط قضايا اتجار غير مشروع في النقد الأجنبي ب4 ملايين جنيه    الحكومة تنفي خصخصة الجامعات الحكومية وتؤكد: "مملوكة للدولة"    الرئيس اللبناني يدين التصعيد الإسرائيلي على منطقتي النبطية وإقليم التفاح    انخفاض أسعار الذهب عالميًا ومحليًا وسط هدوء التوترات الجيوسياسية    الحكومة تحدد ضوابط العمرة الجديدة لعام 1447    نيللي كريم عن «هابي بيرث داي»: فكرته لمست قلبي والسيناريو عميق    مستوطنون يعتدون على منازل جنوب الخليل.. وإصابة فلسطينية في مسافر يطا    محافظ الجيزة يعتمد المخططات التفصيلية لأحياء الدقى والعمرانية وبولاق الدكرور    السيطرة على حريق نشب فى ثلاثة سيارات ملاكى بحى شرق أسيوط    حصيلة الانزلاق الأرضي في كولومبيا ترتفع إلى 16 قتيلا    النواب يوافق على اعتماد إضافي للموازنة ب 85 مليار جنيه (تفاصيل)    طب عين شمس: توزيع المهام.. وإدارة غرف العمليات باتت جزءًا من تقييم الأطباء    المراجعات النهائية للغة الإنجليزية الثانوية العامة 2025    أسعار اللحوم البلدية اليوم الجمعة 27-6-2025 فى الإسماعيلية    الدورى الجديد يتوقف 5 ديسمبر استعدادا لأمم أفريقيا بالمغرب    محمد شريف ينتظر 48 ساعة لحسم مصيره مع الأهلى.. والزمالك يترقب موقفه    عادل إمام يتصدر تريند "جوجل".. تفاصيل    قتل 8 نساء ورجل.. اليابان تنفذ حكم الإعدام في "سفاح تويتر"    كريم محمود عبدالعزيز يتصدر تريند جوجل بسبب مملكة الحرير    ياسر ريان: طريقة لعب ريبيرو لا تناسب أفشة.. وكريم الديبس يحتاج إلى فرصة    "لازم واحد يمشي".. رضا عبدالعال يوجّه طلب خاص لإدارة الأهلى بشأن زيزو وتريزيجيه    قمة أوروبية.. الريال يضرب موعدًا مع يوفنتوس في دور ال16 بمونديال الأندية    حريق ضخم في منطقة استوديو أذربيجان فيلم السينمائي في باكو    الورداني: النبي لم يهاجر هروبًا بل خرج لحماية قومه وحفظ السلم المجتمعي    هل التهنئة بالعام الهجري الجديد بدعة؟.. الإفتاء توضح    الإيجار القديم والتصرف في أملاك الدولة، جدول أعمال مجلس النواب الأسبوع المقبل    المفتي: التطرف ليس دينيا فقط.. من يُبدد ويُدلس في الدين باسم التنوير متطرف أيضا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أوفياء الوطن
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 07 - 2012

لا يسعني أن أستهل هذا المقال دون أن أعرب عن حزني العميق لاختفاء ضوء ساطع لمع في سماء الصحافة المصرية خلال الأربعين عاما الماضية منذ أن بدأ يكتب في صحيفة الأخبار بتوقيع: بون.. من سلامة أحمد سلامة عندما كانت مدينة بون لا تزال عاصمة ألمانيا الاتحادية قبل التوحيد. عرفته خلال إحدي زياراته للقاهرة وهو ما زال مراسلا للأخبار في ألمانيا وأدركت علي الفور أنه ينتمي إلي فصيلة نادرة من الرجال المحترمين الذين يضحون بكل شيء من أجل القيم والمباديء بالإضافة إلي تمتعه بكفاءة صحفية رفيعة وأسلوب رصين في التعبير عن أفكاره. وقد لعب سلامة الدور الأساسي في إقناع الأستاذ إبراهيم نافع بأن أتولي إدارة مكتب الأهرام في باريس في منتصف الثمانينيات من القرن الماضي وكان هو الذي تولي الاتصال بي عدة مرات في فرنسا لإنهاء هذا الموضوع.
وتشاء الأقدار أنه قبل أن أعلم بخبر وفاة فقيد الصحافة الكبير كنت قد انتويت أن أخصص هذا المقال لرجل تجمعه بسلامة العديد من الصفات والخصال الشخصية منها التجرد الكامل والالتزام بالمواقف المبدئية والبعد عن مطامع الحياة. وفي زمن يتهافت فيه الناس علي المال والشهرة ويتقاتلون علي الماديات والمناصب تظهر وجوه تبعث الأمل في النفس والاطمئنان علي مستقبل مصر. ومن تلك الوجوه التي كثيرا ما تلوح أمامي رجل ضحي بكل شيء من أجل مبادئه وعاش حياة بسيطة مع أنه كان بإمكانه أن ينعم بما حظي به غيره وهو المناضل والشاعر والناقد حسن فتح الباب أطال الله في عمره.
في الخمسينيات والستينيات كانت كلمة مناضل لها رنين إيجابي ساحر في النفوس وهي في زمننا هذا قد تثير سخرية البعض والتباس لدي الكثيرين. وفي منتصف القرن العشرين كان عصر الكفاح من أجل التحرر قد بلغ أوجه في العالم كله خاصة في آسيا وافريقيا التي كانت تموج بحركات الاستقلال. وكان رمز النضال والحرية في العالم هو تشي جيفارا الذي عينه كاسترو وزيرا في كوبا بعد نجاح الثورة فترك المنصب بعد شهور قليلة وغادر كوبا قائلا: لم أخلق لأكون مسئولا يأمر وينهي, بل خلقت لأكون مناضلا يفني حياته من أجل الآخرين. وقتل جيفارا غدرا ودون محاكمة في بوليفيا وهو يناضل من أجل الإطاحة بالحكم الدكتاتوري الذي كان يجثم عليها. لكن تضحياته لم تذهب هباء حيث تحررت كل شعوب أمريكا اللاتينية وعمت الحرية والديمقراطية بالقارة بعد عقود قليلة من مصرعه.
في هذا المناخ المضطرب الذي كان يسود العالم الثالث كان الدكتور حسن فتح الباب من أشد أنصار الثورة ودعاة الكفاح وكان مؤمنا إيمانا راسخا بأن الاشتراكية هي سبيل الخلاص لمصر وللشعوب العربية بل انها طوق النجاة بالنسبة للعالم أجمع وكان يشعر أنه صاحب رسالة في الحياة. والمفارقة العجيبة أن حسن فتح الباب كان في تلك الفترة ضابط شرطة بالداخلية المصرية يلقي القبض علي الناس ويمثل قبضة الدولة الحديدية. لكن قلبه كان يدق بين جوانحه بعكس ذلك وكان مقتنعا بأنه خلق لغير هذه المهمة وسعي لترك الخدمة من أجل التفرغ للكتابة.
كتب أول ديوان شعري في الخمسينيات وأهدي نسخة لوزير الداخلية آنذاك الراحل زكريا محيي الدين وهو لا يتصور أن يهتم الرجل بقراءة الشعر. لكنه فوجيء بتحديد موعد له مع الوزير وهو مازال ضابطا برتبة صغيرة واستقبله زكريا محيي الدين وهنأه علي كتابة الشعر وقرر نقله إلي القاهرة بعد أن ظل منفيا في الأرياف لسنوات طويلة.
وحياة د. حسن فتح الباب هي تلخيص لتاريخ مصر الحديث بدءا من الكفاح ضد الاستعمار البريطاني والإيمان بالثورة والاستقلال والتحرر ثم الشعور بمرارة الهزيمة ورفض الاستسلام. فعندما وقع الرئيس الراحل السادات اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 كان حسن فتح الباب قد ترك الخدمة الشرطية واستطاع أن يجهر بمعارضته ويكشف عن آرائه وتوجهاته فغادر مصر كما فعل العديد من كبار المثقفين والمبدعين في تلك الحقبة وعاش في الجزائر وانضم إلي الجبهة المعادية لسياسة السادات إزاء إسرائيل وأمريكا وهي الجبهة التي كان يرأسها الفريق سعد الدين الشاذلي. وعاش حسن فتح الباب في المنفي الاختياري دون أن يتاجر بمعارضته للسادات أو يستفيد من مواقفه.
وبالتأكيد فإن الرجل لم يحظ بالمكانة التي يستحقها في الحياة الثقافية المصرية لأنه رفض دائما أن يطرق الأبواب ويجلس ساعات طوال في حجرات انتظار المسئولين كما فعل كثيرون غيره.
لكنني عندما التقيت به أخيرا وجدت ابتسامة الرضا علي وجهه وشعرت أنه في حالة سعادة داخلية بسبب ثورة 25 يناير وهو متفائل بأنها سوف تحقق أهدافها لا محالة ومهما طالت الأيام ومقتنع بأن مصر وضعت قدمها علي الطريق الصحيح. فأمثال حسن فتح الباب لا يطربون لنجاحهم الشخصي لأنهم يعيشون من أجل الآخرين ونذروا حياتهم من أجل مجتمعهم وبلادهم. أكثر الله من أمثاله, في عصر يتسابق فيه الناس من أجل الظهور علي شاشات التليفزيون ويتنازعون من أجل العظام والفتات.
المزيد من مقالات شريف الشوباشي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.