حلت أمس، الأحد، الذكرى ال43 لرحيل المناضل اليساري الشهير تشى جيفارا .. وتأتى ذكرى جيفارا هذا العام متزامنة مع ربيع ثورى يعيشه العالم العربي، ربيع يخوضه ويحلم به أبناؤه الذين تربوا على مبادئ الصفاء الثورى التى رسخ لها فى كتبه، ووثقها بنضاله، ولا عجب وهو صاحب المقولة الشهيرة "أينما تجد الظلم تجدنى"، لقد مات أبناء جيفارا العرب فى أرض المعركة، من أجل الحرية والعدالة، كما رحل هو تماما. وكان لتجربة الثورة المصرية وزعيمها الراحل جمال عبدالناصر الكثير من التأثير على حياة جيفارا، فقد كان " ناصر" أحد الملهمين الكبار للزعيم اللاتيني، وهو ما يظهر فى زيارتيه التى قام بهما لمصر، واستقبله فيهما ناصر، الأولى كانت فى يونيو 1959، والثانية كانت فى فبراير 1965. الزيارة الأولى التى قام بها جيفارا للقاهرة كانت لدراسة تجربة الإصلاح الزراعى فى مصر فى ذلك الوقت. لكن الزيارة الثانية كانت الأهم، وتحدث عنها الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل فى مقال له بعنوان "عبد الناصر وجيفارا.. الحلم.. والثورة"، يسرد هيكل وقائع المقابلات والنقاشات التى تمت بين المناضليّن، والتى تعكس فى أغلبها رومانسية تشى فى مقابل واقعية عبدالناصر، فالناظر فى الحوارات بينهما يكتشف الاختلافات فى شخصيتيهما، وهو ما يظهر من عنوان مقال هيكل "الحلم والثورة"، الحلم الذى مثله تشى وطاف به العالم "حلم الثورة أينما يوجد الظلم"، والواقع الثوري الذى يمثله ناصر. اللافت فى حوارات الزعيمين أن جيفارا هو السائل دائما (الحلم)، أما عبدالناصر فهو الذى يمتلك الإجابات (الواقعية). وحسب هيكل "استمرت المناقشات ليالي عدة فى بيت الرئيس، وكان من الأشياء التى رواها جيفارا للرئيس أنهم كانوا قرروا البدء بالثورة فى كوبا مع أن الأسباب لم تكن ملائمة لها، لأنهم شعروا بأن قرار إشعال الثورة نفسه يشكل عاملا ثوريا يجب أن يحسب حسابه". وفى إحدى الزيارات التى قام بها جيفارا برفقة عبدالناصر فى افتتاح مصنع للحديد، رأى جيفارا الاحتفاء الجماهيرى الكبير الذى استقبل به المصريون زعيمهم، فهتف: "هذا ما أريده.. هذا هو الغليان الثورى"، ليرجع عبدالناصر سر الثورة فى رده على تشى: "حسنا.. لكنك لا تستطيع أن تحصل على هذا"، وأشار إلى الجمهور "دون ذاك"، ثم أشار إلى المصنع، وقال: "لن تستطيع إدراك النجاح ما لم تنشئ ذلك المصنع". فى آخر اجتماع بينهما، أبلغ جيفارا الرئيس عبد الناصر أنه لا يظن أنه سيبقى فى كوبا. وقال إنه لم يقرر بعد أين سيذهب، لكن الشىء الوحيد الذى ينتظره هو أن يقرر "أين يعثر على مكان يكافح فيه من أجل الثورة العالمية ويقبل تحدى الموت." وسأله عبد الناصر: " لماذا تتحدث دائماً عن الموت؟ إنك شاب، إن علينا أن نموت من أجل الثورة إذا كان ذلك ضروريا، ولكن الأفضل بكثير أن نعيش من أجلها."