بين عشية وضحاها تتحول رحلة الهاربين من الفقر والحالمين بالثراء الفاحش بغية الوصول إلى الكنز المزعوم وبحثا عن وهم الدفائن الثمينة وأملا فى قصور رمال غير موجودة سوى فى خيالهم إلى كابوس محفوف بالمهالك ففى عالم الآثار أسرار مخيفة وقصص مثيرة وفى ظل البطالة الخانقة والغلاء الصادم دخل البسطاء اللعبة وانتشر هوس الحفر تحت المنازل حتى وقعوا ضحية دجالين وتجار ولصوص فدفعوا حياتهم ثمنا لاستخراجه فاستخرج ذويهم جثثهم بدلا منه. وخلال الآونة الأخيرة أصابت حمى التنقيب الكثير من اللاهثين وراء أوهام العرافين والدجالين بأن بيوتهم ومناطقهم تضم كنوزا كبيرة من آثار الفراعنة حتى تحول الأمر إلى عقيدة اجتاحت العديد من القرى والمدن وحصدت معها أرواح العشرات لضحايا عمليات نبش غير شرعية يتساقطون يوميا فى أحضان ذلك الكنز المفقود وشهدت البحيرة العديد من الحوادث المشابهة حيث لقى نحو18 شخصا مصرعهم فى أقل من شهر دفعوا أعمارهم تحت أنقاض أحلامهم القاتلة. وليست واقعة مدينة وادى النطرون آخر مآسى الهوس بالآثار ففى «الرست هاوس» فقدت ثلاثة من أبنائها بينهم شرطى مازالوا تحت الانقاض بحثا عن الكنوز الأثرية وتتبعت «الأهرام» ذلك المشهد المؤلم فمئات الرجال والنساء والأطفال يلتفون حول حفرة عميقة غمرتها المياه البعض منهم ينتظر فى حزن وذهول استخراج جثث أقربائهم والبعض الآخر مازال شاردا يحدوه الأمل فى استخراج الكنز الأثرى لكن لعنة الفراعنة أصابتهم بعدما انهارت عليهم حفرة بقطر مترين وبعمق 20 مترا ظنوا أنها الملاذ الأخير لتحقيق حلمهم. وفى حوش عيسى لقى 7 أشخاص مصرعهم بينهم 4 من أسرة واحدة أثناء التنقيب عن الآثار اختناقا نتيجة انهيار الرمال عليهم. والأشد غرابة فى عالم هوس التنقيب ما شهده مركز النوبارية مؤخرا حيث قدم فلاح ابنته لدجال لفتح مقبرة أثرية بدعوى أن حراس المقبرة من الجان طالبوا بإقامة علاقة عاطفية مع فتاة تجاور المقبرة لفك الطلاسم وفتحها وفى النهاية اختفى الدجال وبعد أسبوعين من زواج الفتاة عرفيا كما جعل المزارع يوقع على إيصالات أمانة ليضمن الدجال حقه عقب استخراج ما فى المقبرة. وأكد الدكتور أحمد الأدهم مدير عام آثار البحيرة السابق أنه لايكاد يمر أسبوع إلا ويسقط أحد المواطنين قتيلا أسفل حفرة وقد تؤدى إلى انهيار المنزل أو منازل الشارع كله دون جدوى ويزداد ضحايا عمليات البحث القاتلة رغم إدراكهم وحشة وظلمة هذه الأماكن التى تتربص بهم. واكد العميد محمد أنور هندى مدير الإدارة العامة لمباحث البحيرة أن الأمن يكثف جهوده فى رصد المشتبه فيهم بالاتجار فى القطع الأثرية ثم الدجالين والمشعوذين الذين يوهمون العامة بوجود كنوز بباطن الأرض ويتقاضون منهم أموالا طائلة، مشيرا إلى أنه ينبغى على وسائل الإعلام مناقشة تلك الجرائم التى ترتكب فى الخفاء ووضع هؤلاء الذين يسرقون تاريخ وخيرات البلاد فى قوائم سوداء.