أعتقد أن من الإنصاف لثورة يوليو ولعبد الناصر نفسه أن يجري تقويم موضوعي لما أنجزته الثورة وهو كثير, ولما عجزت عن تحقيقه وهو ليس بالقليل! إن من الظلم أن يقال إن مصر كلها قد تحولت إلي معتقل كبير مع مجيء ثورة يوليو, واعتلاء جمال عبد الناصر لسدة الحكم, و لكن ذلك لا يعني إنكار أن هناك تجاوزات قد حدثت وانتهاكات قد وقعت, وأن ذلك في البداية والنهاية كان نتاجا طبيعيا لطول فترة الشرعية الثورية وغياب الحياة الديمقراطية السليمة. وأيضا فإن من الظلم الفادح أن يقال إن السياسات التصادمية لثورة يوليو وطموحاتها- عبر الحدود- هي التي أدت في النهاية إلي وقوع نكسة يونيو 1967, ومع ذلك فإن علامات استفهام كثيرة تشير إلي غياب الحساب الصحيح والعجز في بعض الأزمات عن بناء تقدير الموقف الصحيح, بعيدا عن خطط الاستدراج الخبيثة للكمائن المنصوبة من جانب القوي الكبري الكارهة لمصر واستقلالية قرارها من ناحية, وبعيدا أيضا عن حسابات الداخل التي كانت تدفع بالأمور دفعا في اتجاه التناطح والتصادم بدلا من الانحناء للعواصف وتفادي الأعاصير من ناحية أخري! إن ثورة يوليو- ومهما قيل عن أخطاء وقعت فيها أو تجاوزات تورطت في ارتكابها- نجحت في أن تقرأ نبض الشارع المصري قراءة صحيحة, وأن تصيغ رؤيتها في ضوء الواقع المتردي الذي كانت عليه أحوال البلاد عشية يوليو .1952 ولابد أن يحسب لها- إنصافا- أنها نجحت في إحداث تغيير اجتماعي واسع لصالح الأغلبية المطحونة لعقود طويلة تحت تروس الفقر والاستغلال والتخلف.. كما أنها نجحت أيضا في تحقيق الاستقلال الوطني بمفهوم صحيح لا يتوقف عند حدود إنهاء الاحتلال وإجلاء المستعمر البريطاني فحسب, وإنما بصيغة استقلال شاملة ترفض الدخول في فلك الأحلاف الأجنبية وتؤكد استقلالية القرار المصري تماما. لابد بالفعل أن يحسب لثورة يوليو أنها أيقظت الشعور القومي, وأكدت حتمية الانتماء العربي, ووسعت من دوائر الارتباط لتشمل الدائرة الإسلامية والدائرة الإفريقية ودائرة عدم الانحياز. وغدا نواصل الحديث خير الكلام: معظم الثورات بدأت بأحلام تحلق في سماء المستحيل وتبحر فوق أمواج الخيال! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله