أن تقرأ السطور وأيضا أن تبحث فيما بينها متعة .. انها بهجة أيضا أن تغطس فى أعماق المعانى وأن تكتشف ما وراء هذه السطور من حكايات.وبالتأكيد شهور الصيف بما تتيحه لنا من ساعات للتأنى والتأمل فرصة لا تتكرر كثيرا للقراءة واكتشاف العالم من حولنا وأيضا مواصلة البحث عن ما يثرى النفس ويعطى مذاقا حلوا لأيامنا ويضيف ذكريات عطرة لليالينا *** فى مثل هذه الأيام من مائة عام يوليو 1917 احتفل «ارنست هيمنجواي» بعيد ميلاده ال18. هذا الشاب كان يقضى أيام الصيف فى مساعدة عائلته فى جمع حصاد الأرض وصيد الأسماك والحديث المتواصل مع الأصدقاء حول أحلامه وتطلعاته فى المستقبل. فى عامه ال18 جذب اهتمامه عالم الصحافة فبدأ العمل فى احدى الصحف المحلية وأيضا تطوع للعمل سائقا لعربات اسعاف الصليب الأحمر وتم ارساله الى ايطاليا. اذ أن الولاياتالمتحدة كانت قد قررت أن تشارك فى الحرب العالمية الأولي. وقبل أن يبلغ «هيمنجواي» عامه ال19 واجه الموت أكثر من مرة فى الحرب الدائرة وأصيب فى قدمه. هكذا بدأت تتشكل حياة الكاتب الأمريكى الشهير الذى حصل على نوبل للآداب عام 1954. كتاب جديد يصدر فى أكتوبر القادم بعنوان «هيمنجواى فى ال18 سنة محورية انطلقت معها أسطورة أمريكية « من تأليف ستيف بول. هيمنجواى الذى أبهر عشاق الكلمة بكتاباته وحياته أنهى حياته فى يوليو أيضا وهو فى عامه ال61 سنة 1961 يوسف ادريس وهو يودع «هيمنجواي» بكلماته لم يرثيه بل وجه التحية له ولشجاعته فى مواجهة الحياة والموت فكتب قائلا: «بطولته كانت أنه عاش الحياة بجرأة بمثل ما يجب أن تعاش به الحياة، وواجهها. بطولته أنه كفرد وكرجل أدرك مشاكل عصره واقتحمها، وظل يقتحمها، ويؤمن بعمق أن عمله كانسان.. كآلة الحياة الكبري.. أن يظل يواجهها ويقتحمها، حتى فى أقسى وأقصى صورها ظل يواجهها. وأضاف «اذا تتبعنا تاريخ حياة هيمنجواى لأدركنا على الفور أنه لم يعش الحياة كما تطفو الخشبة على سطح البحر تحركها الأمواج كيفما تريد، أبدا.. لقد كان مزودا بموتور ارادى هائل استطاع به أن يشق البحر، ويخضع ما هو موجود لما يريد ويخطط لحياته وكأنه يخطط أعظم حياة لأعظم بطل»» وتأخذنا قراءات الصيف الى الاسكندرية. ابراهيم عبد المجيد فى كتابه «ما وراء الكتابة تجربتى مع الابداع» يقول: «الاسكندرية ليست مجرد هواء يهب من البحر، انما هواء أرسله التاريخ العجيب للمدينة .. تاريخ التمرد والنزق والتسامح.. والكتابة عن هذه المدينة أفق مفتوح تبحر فيه كل السفن الممكنة .. انها بلورة سحرية تعطيك من كل ناحية عشرات الصور» يكتب أيضا: «ليست الكتابة عن الاسكندرية بالأمر السهل، فهى ليست مجرد مدينة ممتدة تتحرك فيها الشخصيات، بقدر ما هي حالة وجودية ليس أولها الحزن وليس آخرها الثورة». صاحب رواية «لا أحد ينام فى الاسكندرية» يتذكر أيضا سؤال وجه له فى فيلم قصيرعنه للتليفزيون الفرنسى وهو يقف على حافة المحيط الأطلنطى فى مدينة لاروشيل عام 2001 عن الفارق بين وقفته على المتوسط ووقفته على المحيط فيقول: «عندما أقف على المتوسط أشعر بالتاريخ يتحرك بقيامة الماضي، والحضارات القديمة ترفع أعمدتها من حولى وأشعر بالقوة والثقة فى النفس والرغبة فى الحركة. دائما يحدث هذا معى وأنا أقف بالميناء الشرقى بالاسكندرية . أما هنا، وأمام المحيط، فأشعر بغموض هائل وخوف عظيم. أكاد أدخل فى بعضي. وليست هذه أول مرة أقف على المحيط. فلقد وقفت على الجانب الآخر منه، فى أمريكا، واحتوانى الشعور نفسه بالغموض والخوف» ويضيف قائلا: «.. أنا أعرف وأتوقع الذى يمكن أن يأتى من خلف المتوسط، فللمتوسط ذاكرة» أما الكاتب التركى الشهير أورهان باموق وهو يتحدث عن مباهج القراءة ذكر كيف أنه كان دائما يحمل كتابا معه «كما لو كان تميمة تجلب السعادة لى .. لو كنت فى مكان ما وأشعر بالملل أوالضيق، كنت أفتح الكتاب على صفحة عشوائية، وأقرأ فقرة، فأشعر بالهدوء» وكان الكتاب رفيقه أيضا فى بعض الأمسيات فى هيبليادا، الجزيرة الصغيرة التى كانت أسرته تقضى فيها أيام الصيف.»..عندما كنت أجلس على مقعد على طريق لا أحد غيرى يستخدمه وأبدأ فى قراءة الكتاب على ضوء مصباح من مصابيح الشوارع .. كنت أشعر أن الكتاب من الطبيعة من حولي. .. وربما لأنه يجرى فى الماضى البعيد بدا الكتاب طبيعيا وغير متكلف كشجرة أو طائر. وكان يسعدنى أن أكون قريبا هكذا من الطبيعة، وكنت أشعر وكأن الكتاب يحسن من شخصيتي، ويطهرنى من غباوات وشرور الحياة كلها.» ويذكر باموق أيضا: «تصبح الرواية المدهشة جزءا لا يتجزأ من حياتنا ومن العالم حولنا، تقربنا من معنى الحياة، انها تأتى مكان السعادة التى قد لا نجدها أبدا فى الحياة لتقدم لنا فرحة مستمدة من معناها» ........................... قراءاتنا وتاملاتنا الصيفية مستمرة [email protected]