يحق للدكتور طارق شوقى وزير التربية والتعليم والتعليم الفني، أن يحلم بإحداث ثورة إصلاحية شاملة لمنظومتنا التعليمية المهترئة البائسة غير المتوافقة مع أبجديات ومتطلبات الألفية الثالثة وإيقاعها السريع، ومن حق المواطنين مشاركته حلمه الغالي، وأن يتحرروا من كوابيس التعليم التى تطاردهم فى يقظتهم ومنامهم، منذ بحثهم عن مكان شاغر لأبنائهم وبناتهم فى الحضانات، وصولا لمحنة الثانوية العامة والمجموع المؤهل للالتحاق بكلية من كليات القمة أو القاع، وإن خاب الرجاء فى الجامعات الحكومية تتجه الأنظار للجامعات الخاصة وشروطها المالية المجحفة، وبعد العناء وسهر الليالى يتخرج الطالب والطالبة وينضم لطابور لا أول له ولا آخر بحثا عن فرصة عمل، حتى لو كانت لا تمت بأدنى صلة لمجال تخصصه، أو يحصر تركيزه فى الذهاب لخارج الوطن سعيا لبناء مستقبل واعد فى بلد يُقدر ويراعى الكفاءات ويستفيد منها حق استفادة. بناء على هذه الخلفية فقد استبشرنا خيرا بإعلان «الوزير الحالم» فى الأول من الشهر الحالى تفاصيل رؤيته الثورية لإصلاح التعليم، وتتلخص عناصرها فى إلغاء الشهادة الابتدائية الحائرة بين وزراء التعليم، وتخفيف المناهج، وإيقاف تراخيص المدارس الأمريكية الجديدة، وفرض رقابة صارمة على المدارس الخاصة ومصروفاتها المبالغ فيها، وإطلاق نظام جديد للثانوية العامة يعتمد على تقييم الطلاب خلال سنوات الثانوى الثلاث، علاوة على ضبط ملف الدروس الخصوصية فى إطار قانونى مثلما يحدث فى مجموعات التقوية بالمدارس. بنود قوية ومنتقاة ومعدة بمعرفة خبراء مشهود بكفاءتهم وخبرتهم الثقيلة فى قطاع التعليم، ومن ثم جرى تشييد آمال عريضة على ثمارها المستقبلية، لإخراج مصرنا من عثرتها الاقتصادية والمالية، تأسيسا على أن التعليم وجودته يُمثل كلمة السر فى تحقيق التنمية الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية، وإزالة الترهلات من على وجه الوطن واستعادته نضارته وشبابه، ومع هذه البنود عشنا ثورة توقعات بما سيئول إليه حال مدارسنا وطلابنا ومعلمينا خلال الأعوام الثلاثة المقبلة، وقبل الاستغراق فى أحاديث لا تنتهى عن نسب نجاحه وإخفاقه، وما إذا كان موضع توافق، أو اختلاف دعونا نذهب فى إطلالة خاطفة لصفحة من صفحات الماضى القريب، علها تحمل إضاءات ومؤشرات مفيدة للمعنيين بالملف التعليمى أحد الأركان الأساسية لأمننا القومي. فى يوليو 1987 عقد مؤتمر قومى موسع لتطوير التعليم العام والجامعى واستمر خمسة أيام ناقش خلالها الحاضرون كل شاردة وواردة لوضع استراتيجية حاكمة لسياسة التعليم فى بلادنا، وبشرنا وزير التعليم آنذاك الدكتور فتحى سرور، بأن الوزارة تملك خطتين للتطوير: الأولى قصيرة المدى وتخص التعليم العام والفنى وتقوم على مستويين، هما، بناء المدارس والفصول لتقليل كثافة التلاميذ، ومحاربة الدروس الخصوصية والحد من استغلال المدارس الخاصة لأولياء الأمور وترشيد المجانية المنصوص عليها فى الدستور، بينما المستوى الثانى يقضى بتعديل المناهج بحيث تقوم على ستة مبادئ جوهرية، هى تركيز المعلومات، تكامل المعرفة، ربط التعليم بالتنمية، والتطور التكنولوجى والعالم الخارجي، تعميق القيم الدينية والإنسانية واحترام حقوق الإنسان، ولذلك سوف يُعاد وضع المقررات الدراسية على أساسها، إلى جانب تأهيل المعلم ورفع مستواه مهنيا وماديا. وقد وضعت الوزارة حينئذ سياسة خاصة بالتعليم الفني، بحيث يستوعب 65% من طلاب الإعدادية، ويقتصر الالتحاق بالمرحلة الثانوية على 30 % منهم، ويبقى 5 % ينضمون إلى دور المعلمين والمعلمات، وسوف يركز التعليم الفنى على التعليم الصناعي، لكى يستوعب 50% على الأقل من طلاب التعليم الفني، لأن النهضة الصناعية هى أساس التقدم. والخطة الثانية طويلة الأجل لمواكبة القرن الحادى والعشرين، ويجرى إعدادها من الدراسات التى قامت بها وزارة التعليم، والمجلس القومى للتعليم، واللجان الاستشارية و26 مؤتمرًا غطت جميع محافظات الجمهورية، وهذه الدراسات لها ثلاثة محاور، هى متابعة واقع التعليم المصرى منذ القرن 18 وفى جميع مستوياته، ثم تحديد العيوب فى ضوء ما يدور فى العالم، وأخيرا التخطيط للمستقبل عبر استراتيجية تطويرية على مدى 25 عاما مقبلة، وأن المؤتمر المنعقد فى 1987 ليس مقصودا لذاته بحيث يجتمع ثم ينفض، ولكنه بداية ثورة حقيقية وشاملة فى مسارات وهياكل التعليم . مرت ال 25 سنة دون أن يتحقق ولو القدر اليسير من الأهداف المحددة، ولم نبن بديلا لنظامنا التعليمى الذى دائما ما يترقب أخطار المستقبل لكى يلهث خلفها بعد حدوثها للتخفيف من وطأتها، وخلت مدارسنا من التعليم الذى انحصر فى المراكز التعليمية، وأصبح البيت المصرى تحت رحمتها، وها نحن الآن نشهد تجربة جديدة يقودها طارق شوقى الذى عدد فى لقاءاته الصحفية والتليفزيونية عيوب وثغرات المنظومة التعليمية التى حفظناها عن ظهر قلب والحلول غير التقليدية المقترحة لعلاجها. لكن ومع الإقرار بالنيات الحسنة والصادقة المحركة لتوجهات شوقى فإننى كنت أتوقع منه أن يُصارحنا بداية بأسباب عدم إنجاز ما كان متفقا عليه منذ النصف الثانى من ثمانينيات القرن العشرين، ومدى قدرة مقترحاته على الصمود والاستمرارية بوتيرة وبسرعة مقطوعة الصلة بشخص الوزير الجالس على رأس وزارة التربية والتعليم، وأن يحدد لنا مدى تجاوب واقتناع أركان وزارته بنظامه التعليمى المقترح، فبدون ذلك التجاوب سيفقد زخمه وقوة انطلاقه وتأثيره المرجو، يامعالى الوزير نريد استراتيجية وطنية تحظى بالتوافق من المجتمع والأوساط التعليمية والحكومات المتعاقبة، وغيابها سيعنى أننا كمن يحرث فى الماء. [email protected] لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي;