جاء انتخاب الرئيس الدكتور محمد مرسي ليكون أول رئيس مدني لمصر, عقب ثورة25 يناير التي أطاحت بنظام فاسد أضعف من قوة الدولة المصرية خاصة علي الصعيدين العربي والإفريقي, وأصبح أمام الرئيس الجديد العديد من التحديات الجسام يأتي علي رأسها. مسألة تقوية العلاقات المصرية مع دول حوض النيل, وبخاصة ما يتعلق بملف مياة النيل, والذي يرتبط ببقاء ووجود الدولة المصرية. ومما لاشك فيه أنه بالرغم من متانة وصلابة الموقف القانوني المصري بشأن مياه النيل, إلا أنه هناك بعض السلبيات التي ساهمت في إضعاف العلاقات مع دول الحوض والتي انعكست بدورها علي هذا الملف, فمن حيث الوضع القانوني لمياه النيل نجد أنه تنظمه العديد من الاتفاقيات الدولية من أهمها بروتوكول روما1891, اتفاقيات1959,1929,1902 وهي اتفاقيات تعني بمعالجة مسائل الحدود السياسية وأخري تتعلق بحقوق عينية, وهي ترتب كافة الآثار القانونية المترتبة عليها ومن ثم فهي ملزمة لكافة دول حوض النيل وذلك تأسيسا علي مبادئ وقواعد القانون الدولي المستقرة, وبخاصة اتفاقية فيينا للاستخلاف والتوارث الدولي لعام1978 والتي تنص علي انتقال كافة الآثار القانونية الخاصة باتفاقيات الحدود السياسية والأنهار الدولية من الدول السلف إلي الدول الخلف تدعيما لمبدأ استقرار العلاقات الدولية. وفي هذا الشأن فقد تمسكت بعض دول الحوض بهذه الاتفاقية ومن أهم هذه الدول إثيوبيا وكينيا, ثم جاء مسلك القضاء الدولي ليؤكد تلك القواعد, وبالتالي قوة الموقف القانوني المصري ونشير هنا إلي حكمين صادرين عن محكمة العدل الدولية الحكم الأول صدر في25 سبتمبر1997 في شأن النزاع بين المجر وسلوفاكيا والثاني في إبريل2010 بشأن النزاع بين أوروجواي والأرجنتين بشأن نهر أوروجواي. ورغم سلامة الموقف القانوني المصري إلا أنه كانت هناك بعض السلبيات التي تجلت لنا من خلال دراسة هذا الملف و التي ساهمت في إضعاف دور المفاوض المصري مع دول حوض النيل بشأن التوصل لإبرام اتفاقية إطارية شاملة, تنظم استخدامات مياه النيل ومن أهم هذه السلبيات, إهمال النظام البائد لمنطقة حوض النيل وتحديدا منذ محاولة اغتيال الرئيس السابق في أديس أبابا عام1995, وتمثل ذلك في عدم حضور الرئيس السابق للقمم الإفريقية, وعدم الاهتمام وزيارة هذه المنطقة الحيوية الأمر الذي انسحب بدوره علي كافة الجهات المصرية المعنية بملف مياه النيل. و تولي إدارة ملف مياة النيل أكثر من وزارة وجهة مما اوجد صراعا واضحا في التعامل مع هذا الملف الأمر الذي شتت الجهود المبذولة في تقوية الدور المصري, فضلا عن عدم مراعاة بعض الكوادر الوطنية الموفدة لدول حوض النيل للأبعاد النفسية والثقافية في التعامل مع شعوب هذه الدول. فضلا عن ترتب علي ضعف الدور المصري بمنطقة حوض النيل دخول بعض الدول الأجنبية التي تعمل ضد المصالح المصرية وبالتالي تأجيج مشاعر الكراهية تجاه مصر, ويأتي هنا الدور الاسرائيلي البارز والذي ساهم في انفصال جنوب السودان عن دولة السودان, وأظهر مصر أمام شعوب هذه الدول أنها ترغب فقط في الحصول علي المياه وترفض في ذات الوقت خطط التنمية التي تقوم بها هذه الدول لرفع مستوي معيشة شعوبها. وهناك أيضا دخول مصر في مفاوضات مصيرية منذ نهاية التسعينات في القرن المنصرم مع دول حوض النيل تحت مظلة مبادرة حوض وبرعاية البنك الدولي وبعض الجهات المانحة بقصد إبرام اتفاق إطاري شامل يضم كافة دول الحوض, وهنا كان يجب عدم الدخول في هذه المفاوضات قبل الحصول علي تفاهمات من دول الحوض بشأن مراعاة الوضع القانوني الخاص بمصر باعتبارها الدولة الوحيدة من دول الخوض التي تعتمد اعتمادا رئيسيا علي مياه النيل منذ قرون خلت وهو أمور تجده سندها في قواعد هلسنكي1966 المنظمة لعمليات تقاسم مياة الأنهار الدولية المشتركة. ويكفي الإشارة في شأن الأخطار المحدقة بالحصة المائية المصرية من مياة النيل إقدام اثيوبيا في إبريل2011 عقب الثورة المصرية علي البدء في إجراءات بناء سد النهضة مستغلة اضطراب الأوضاع الداخلية في مصر ودون اكتراث بأهم قواعد القانون الدولي للأنهار الملزمة لها وهي الخاصة بالتقيد بإجراءات الإخطار المسبق, وتشير بعض الدراسات الوطنية والدولية إلي أن بناء هذا السد سوف يقلل الحصة المائية المصرية بمقدار7 مليارات متر مكعب سنويا, فضلا عن إنخفاض الطاقة الكهربائية المولدة من السد العالي, وتأسيسا علي ما تقدم فإنه يجب علي جميع القوي السياسية المصرية بل علي المصريين جميعا التوحد خلف الرئيس محمد مرسي لإعادة بناء مصر القوية في أسرع وقت للوقوف بقوة أمام هذه التحديات, وفي ذات الوقت تشير العديد من الدراسات العلمية و التوصيات الصادرة عن العديد من المؤتمرات المتخصصة بشأن هذا الملف إلي أنه من الظلم تحمل وزارة بعينها تبعة هذا الملف, وبالتالي يجب تدشين مجلس أعلي لمياة النيل يتبع مؤسسة الرئاسة ويضم كافة الخبراء والمتخصصين في كافة المجالات المرتبطة بمياة النيل باعتباره من الملفات المتشابكة حيث يتعلق بأمور فنية وسياسية وقانونية ويجب أن يمنح هذا المجلس الصلاحيات والسلطات اللازمة للنهوض بدوره في المساعدة علي رسم السياسة العامة لمصر مع دول الحوض وبخاصة في تحديد مجالات التعاون ذات المردود المباشر علي شعوب هذه الدول, وتقديم المنح والمساعدات لهذه الدول وفي الوقت ذاته منع التضارب بين عمل الوزارات المختلفة بشأن إدارة هذا الملف الحيوي.