السؤال الذى يشغل الآن أجهزة الأمن ومكافحة الإرهاب فى الدول الغربية هو، هل ما يرتكبه أفراد أصبحوا يسمون أحيانا «الذئاب المنفردة» وفى أحيان أخرى «الكلاب المسعورة»، هل هذا عمل أفراد من تلقاء أنفسهم، أم أنهم جزء من تنظيم أوسع مثل تنظيم داعش أو تنظيم القاعدة؟، خاصة أن بعض هؤلاء الأفراد يرتكبون جرائم القتل الجماعى بأكثر من وسيلة سواء تفجير أنفسهم أو القتل العشوائى. ولفت نظر هذه الأجهزة أن تنظيم داعش أصبح يتبنى فى بعض الحالات مبدأ الهجوم دون قيادة، وهو ما ظهر من إعلانه تأييده للهجمات الفردية بإستخدام العنف، حتى ولو لم يكن من يقوم بها من أعضاء التنظيم. واتفقت الأجهزة على أن هؤلاء الأفراد يتأثرون بدرجة كبيرة بالتحريض الذى يصلهم عن طريق وسائل التواصل الاجتماعى، وهم يجدون أحيانا توجيها مباشرا لهم على هذه الوسائل، سواء بتعليمات عن طريق صناعة القنابل، أو أن يحددوا لهم أهدافا يعينها ليقوموا بمهاجمتها أو اغتيال أصحابها. ويقول الخبراء فى الغرب حسب ما ذكرته صحيفة «التايمز» البريطانية، أن عدد «الكلاب المسعورة» قد زاد فى الفترة الأخيرة، رغم أن عدد العمليات الإرهابية التى يقومون بتنفيذها أقل بالمقارنة بالعمليات التى تقوم بها المنظمات الإرهابية الكبيرة. إن العمليات الإرهابية كانت قد أصبحت لامركزية، خاصة من جانب تنظيم القاعدة منذ نسف البرجين فى نيويورك فى الحادى عشر من سبتمبر عام 2001، كما أن مجلة «القاعدة» التى يصدرها التنظيم كانت قد نشرت فى عام 2010 تحريضا للقيام بأعمال فردية ، وعن طريق خلايا نائمة أو خلايا صغيرة مستقلة، على أن يكون هؤلاء الأفراد والخلايا الصغيرة متحدين معا فى إطار أيديولوجية التنظيم، ولوحظ تطور مواز لهذا الاتجاه لا يحرض فقط على العنف، بل يعلن عن خطط تجنيد أفراد جدد، وتقديم المساعدات لمن يتنبى فكر التنظيم. ولوحظ أيضا أن الهجمات التى تتم فى دول أوروبية مثلا تحدث بتنسيق وتوجيه من داخل المناطق التى يسيطر عليها تنظيم داعش فى كل من سوريا والعراق وبعد ذلك فى ليبيا. وقد رصد المسئولون عن مكافحة الإرهاب فى بريطانيا رسائل لتجنيد إرهابيين جدد، وذلك من خلال اعتراض اتصالات تليفونية ومراقبة ودراسة شرائط فيديو تحمل التعليمات. وظهر أن هذه الرسائل تتوجه إلى الأفراد الأقل تعليما من صغار السن، وإلى بعض الذين يعانون من مشكلات نفسية ممن يسهل التأثير عليهم وتوجيههم وجعلهم يؤمنون وينفذون ما يأمرهم به قيادات التنظيم، كما أنه يخلق جيلا جديدا من الإرهابيين يرون فى القتل وسفك الدماء أمرا مقدسا وواجبا يجب عليهم القيام به. وكانت مجلة «القانون والسلوك الإنسانى» قد نشرت فى عام 2015 دراسة تقول إن أكثر من 40 % من أعضاء «الكلاب المسعورة» يتصرفون دون أن يكونوا ضمن هيكل تنظيم قيادى محددا، وتبين أيضا أنهم مروا فى حياتهم بمشكلات نفسية، وأن عددهم يزيد بنسبة 14 % من ناحية قابليتهم للإصابة بالأمراض العقلية، من أعضاء المنظمات والجماعات الكبيرة. ونشرت أخيرا مجلة PSYCHIATRIC TIMES مقالا ذكرت فيه أن تنظيم داعش قد حرض على أعمال العنف فى الغرب عن طريق إغراءات لبعض صغار السن من الفقراء، مثل تقديم وجبات الطعام الجاهز والمساعدات المالية للأشخاص الذين يعانون من مشكلات اجتماعية ويعيشون على هامش المجتمع. وخلاصة هذه الدراسات والملاحظات هى أن وسائل التواصل الاجتماعى عن طريق النت، صارت منبرا للتحريض على الإرهاب، وهو ما يحتم ضرورة فرض رقابة وسيطرة تامة عليها من مختلف الحكومات، فهى لم تعد مجرد منبر إعلامى، بل أصبحت سلاحا إرهابيا إذا كانت خارج السيطرة عليها.