ابتسامة حفتر الفاترة لدي مصافحته السرَّاج وخروجهما مع ماكرون بوجوه مكفهرة من اجتماع باريس واكتفاؤهما ببيان الرئاسة الفرنسية دون الإدلاء بتصريحات للصحفيين،كلها دلائل علي أن خلافات عميقة مازالت قائمة بين القطبين الليبيين رغم وصف الرئيس الفرنسي للقاء بأنه تاريخي وقوله إن قضية السلام أحرزت اليوم تقدماً كبيراً لكون السرَّاج يمثل الشرعية الوطنية وحفتر يمثل الشرعية العسكرية.صحيح أنها المرة الأولي التي يتبني فيها الرجلان بياناً مشتركاً للخروج من الأزمة لكن ما اتفقا عليه ليس كل ما هو مرجو ويمكن أن يُنسي بعد عودتهما إلي الوطن كما حدث لاتفاق أبوظبي قبل أقل من ثلاثة أشهر أو أن تعترضه عقبات عند التنفيذ لانعدام الثقة القائم بين الطرفين وتعدد أطراف الأزمة واختلاف توجهاتهم ومصالحهم وعدم السيطرة علي كثير من الميليشيات المسلحة في العاصمة طرابلس ومعظم الغرب الليبي. البيان الفرنسي ينص علي اتفاق حفتر والسراج علي وقف إطلاق النار فيما عدا ما يتعلق بمكافحة الإرهاب وعلي إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في الربيع المقبل وتعهدهما بالسعي لإقامة دولة مدنية ديمقراطية تضمن الفصل بين السلطات والتداول السلمي للسلطة والدعوة إلي نزع سلاح أفراد الميليشيات واستيعاب من يرغب منهم في الجيش النظامي أوإعادة دمجهم في الحياة المدنية وبإقامة دولة القانون واحترام حقوق الإنسان ومواصلة الحوار السياسي استكمالاً لمباحثات أبوظبي.كما أعادا التأكيد علي إحياء اتفاق الصخيرات الموقع بين معظم أطراف الأزمة الليبية في المغرب عام 2015،لكنه لم يُشر إلي ما سبق أن اتفقا عليه في أبوظبي بإعادة تشكيل المجلس الرئاسي من ثلاثة أعضاء فقط هم السراج وحفتر وعقيله صالح رئيس مجلس النواب المعترف به دولياً بدلاً من تسعة منقسمين حالياً ولا إلي إلغاء الفقرة الثامنة من اتفاق الصخيرات الخاصة بقيادة الجيش الوطني التي بسببها وغيرِها رفض مجلس النواب منح الثقة لحكومة السراج واستمر خلافه مع حفتر،ولا ما ورد في مبادرته قبل اللقاء من دعوة للدمج التدريجي للكيانات البرلمانية المتنافسة في طبرق وطرابلس أوتشكيل مجلس أعلي للمصالحة من 100 عضو من أعيان وحكماء القبائل ومؤسسات المجتمع المدني للإعداد لمؤتمر مصالحة وعفو عام. مسئول فرنسي متابع لمباحثات باريس قال متشككاً إن التحدي الذي يواجه الإتفاق هو تنفيذ بنوده علي الأرض وقالت مصادر ليبية إن العبرة بالتنفيذ وما إذا كان السراج سيستطيع إصدار بيان باسم المجلس الرئاسي يتطرق إلي إنهاء وجود الميليشيات وتوحيد المؤسسات،وقال ماتيا توادو خبير الشئون الليبية بالمجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية إن البون شاسع للغاية بين المعسكرين ولم يحصل السراج علي تفويض من داعميه في طرابلس ومصراته للتفاوض ولذلك فإن أي شيء مشروط يتفق عليه مع حفتر سيسبب له متاعب كثيرة.كما كشف مصدر مقرب للسراج عن أن لقاءات مستشاري الرجلين عقب لقاء الرئيس الفرنسي مع كل منهما علي حدة لم تسفر عن نتائج يُرجي منها، مشيراً إلي أن حفتر يطالب بضمانات تؤكد انصياع الميليشيات خاصةً في طرابلس ومصراته لتنفيذ الاتفاق وأنه ألمح إلي أن السراج غير قادر علي فرض بنود أي اتفاق علي الميليشيات بغرب ليبيا. تشكك حفتر وعدم ثقته زاده ترسيخاً الهجوم الدامي الذي شنته ميليشيات داعمة للسراج عقب اتفاقهما في أبوظبي بأيام قليلة علي قاعدة براك الشاطيء الجوية في الجنوب الليبي وقتلها نحو مائة من قواته مما أدي إلي توقف مفاوضات تنفيذ الاتفاق قبل أن يتمكن من استعادتها وطردهم أيضاً من قاعدة تمنهانت القريبة الأكبر منها ثم من قاعدة الجفرة بالوسط جنوب شرق طرابلس.لكن:هل يستطيع حفتر في المقابل إقناع قيادات مجلس النواب باتفاق باريس أو بمبادرة السراج التي أعلن عقيله صالح رفضه لها بزعم أن هدفها إطالة بقائه ومجلسه (غير الشرعي) في الحكم لأطول فترة ممكنة مؤكداً أن الدعوة لإجراء انتخابات من حق مجلس النواب وحده؟،وهل سيقبل صالح بدمج مجلسه مع المجلس الأعلي للدولة(الغرفة الاستشارية للبرلمان)أوالمؤتمرالوطني(البرلمان المنتهية ولايته في طرابلس)؟، فصالح يقول إنهما يضمان عناصر متطرفة وإرهابية محظورة ولا يمكن القبول بها. من العقبات أيضاً أنه يمكن أن يُقدم طرف ما علي انتهاك اتفاق وقف إطلاق النار ويتهم الآخر بأنه الباديء أوبحجة الدفاع عن النفس، طالما أنه ليس هناك جهة رقابة دولية أومحلية محايدة تحدد الباديء،كما يُحتمل حدوث خلاف حول ما هي أعمال الإرهاب المسموح بمكافحتها لأن القتال قد يطول أفراد أحد الطرفين أوميليشيا غير مصنفة إرهابياً فضلاً عن استحالة تنفيذ بند نزع أسلحة الميليشيات دون إرضاء القبائل والجهات التي تمثلها وتدافع عن مصالحها ضمن اتفاق شامل علي تقسيم كعكة السلطة والثروة بالعدل بينها.أما الانتخابات فتحتاج إلي قوات موحدة لفرض الأمن وسلطة القانون وهو ما قد لا يتوافر قريباً في ضوء الفوضي والانقسامات الحالية وعجز الأطراف الإقليمية والدولية عن ممارسة الضغوط الكافية لتغيير المشهد.ومع ذلك نتعشم أن يخيِّب حفتر والسراج ظننا وينفذا الاتفاق. لمزيد من مقالات عطية عيسوى