إن كان اتفاق أبوظبى بين خليفة حفتر وفايز السرَّاج قد كسر الجليد الذى جمَّد أزمة ليبيا لأكثر من 16 شهراً حيث اتفقا على انضمام الأول لمجلس الرئاسة وعلى وصفه بأنه قائد الجيش الوطنى فإنه قد لا يؤدى إلى تصفية الأجواء الملبدة قريباً،فإذا كانت نصوصه تمكِّن حفتر من نيل رضاء قبائل الشرق فقد لا تمكِّن السراج من إقناع قادة الميليشيات فى طرابلس وبقية الغرب بقبول قيادة الأول.ولكى لا يدخل الاتفاق الثلاجة مثل اتفاق الصخيرات لا مفر عند تنفيذه من مراعاة مصالح كل القبائل والقوى السياسية والميليشيات المسلحة التى تدافع عنها وأن تتدخل القوى الدولية والإقليمية ذات النفوذ لتذليل ما سيعترضه من عقبات باقتراح الحلول وممارسة الضغوط. فى اللقاء المفاجئ اتفق السراج «رئيس حكومة الوفاق» وحفتر «قائد الجيش» على تشكيل مجلس رئاسة ثلاثى يضمهما ورئيس مجلس النواب عقيلة صالح وعلى حل التشكيلات المسلحة وغير النظامية ومواصلة محاربة الإرهاب وإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية خلال ستة أشهر وإجراء التعديلات اللازمة على اتفاق الصخيرات لإزالة المعوقات التى حالت دون تنفيذه فى إشارة إلى المادة الثامنة التى رفضها البرلمان وحفتر لأنها لا تضمن بقاءه على رأس الجيش ولا حمايته أو دعمه. كما اتفقا على تشكيل مجلس أعلى للدولة ولجان عمل لمواصلة النقاش حول بنود اتفاق أبوظبى ووضع تفاصيل تنفيذه وتشكيل حكومة وحدة وطنية ممثلة لكل الأطياف السياسية بديلاً لحكومة الوفاق التى لم يعترف بها ورفض مجلس النواب منحها ثقته على أن تكون منفصلة عن المجلس الرئاسى وعلى تهدئة الأوضاع فى الجنوب الليبى حيث تتقاتل قواتهما منذ أسابيع للسيطرة على المنطقة بقواعدها العسكرية.كما وافق حفتر بعد طول رفض على أن تعمل مؤسسة الجيش تحت مظلة سياسية مدنية بعد إعادة تشكيل المجلس الرئاسي. ولأن الشيطان يكمن دائماً فى التفاصيل فهناك عقبات كثيرة قد تعترض تنفيذ الاتفاق وتحتاج لمرونة وطول صبر من بينها صعوبة حل التشكيلات المسلحة لتعددها وتمثيلها قبائلها ومناطقها إلاَّ إذا تم استيعابها وقادتها وشيوخ القبائل والسياسيين الذين تدافع عن مصالحهم فى مؤسستى الجيش والأمن والعملية السياسية فضلاً عن ترجيح عدم قبول قادة ميليشيات قوية مثل مصراته والزنتان فكرة تقسيم ليبيا إلى مناطق عسكرية تجمعها قيادة موحدة برئاسة حفتر الذى طالما اعتبرته مجرد قائد ميليشيا.وإذا كان من السهل فرض التهدئة بالجنوب بأمر عسكرى فمن الصعب تنفيذ التعديلات المطلوبة على اتفاق الصخيرات خاصةً المادة الثامنة لأنها ستمس مصالح أطراف قد لا توافق عليها فتستمر القلاقل.كما أن استبعاد عبدالرحمن الصويلحى رئيس المجلس الأعلى للدولة(غرفة برلمانية استشارية)من عضوية مجلس رئاسة الدولة الذى اتُّفق على تشكيله قد يغضبه وأعضاءً بالمجلس يمثلون مناطق غرب وجنوب ليبيا فتتفجر اعتراضات ومعوقات فضلاً عن الغموض الذى يكتنف مصير مجلسهم حيث ورد فى الاتفاق عبارة تشكيل مجلس أعلى للدولة دون تحديد هل المقصود بها المجلس القائم أم مجلس جديد. أيضاً، فى الوقت الذى يصعب فيه إبعاد النزعة الحزبية أوالمناطقية «الجهوية» عن تشكيل الحكومة المقبلة لأن المناطق التى لن يتم تمثيلها ستشعر بالتهميش وقد لا تتعاون فى تنفيذ الاتفاق فإن الامتثال لأحكام القضاء قد يصعب تطبيقه إذا رأى أى طرف أنها تُطبق على أتباعه دون غيرهم ومن الممكن أن يلجأ إلى السلاح فتحدث فوضي.أما إجراء انتخابات عامة ورئاسية فى مدة أقصاها مارس 2018 فقد يصبح مجرد سراب إذا لم يتوافر الأمن اللازم لإجرائها بحرية ونزاهة وهذا لن يتحقق بدوره إذا لم يحدث اتفاق قريب بين الأطراف الأساسية على الأقل بشأن ما ورد فى اتفاق السراج وحفتر وخطوات تنفيذه.أما بخصوص الإرهاب وتمكين المؤسسة العسكرية من محاربته وتوفير الأمن وحماية مقدرات الشعب وحدود الوطن فلم يُعرف بعد أى مؤسسة هى المقصودة: قوات حفتر الحالية أم قوات الجيش بعد توحيده تحت قيادته؟ فإذا كانت الأولى فلا أظن أن كل الميليشيات ستفسح له الطريق فضلاً عن احتمال حدوث خلاف بين حفتر والسراج حول مَن هو الإرهابى الذى يستحق المحاربة وهو ما قد يعوق تنفيذ الاتفاق إذا حدث.وتبقى الجماعات المتطرفة والإرهابية مثل القاعدة وداعش التى لن يشملها أى اتفاق لتواصل الحرب ضد أى حكومة لا تحقق أهدافها فى إقامة نظام حكم الخلافة الإسلامية كما تتصورها. لقد قامت مصر والإمارات وألمانيا وربما الولاياتالمتحدة وروسيا بجهود كبيرة ومارست ضغوطاً على الرجلين للالتقاء والاتفاق وعليها أن تواصل جهودها قبل أن يموت،وربما تستضيف مصر أولى اجتماعات اللجان المشتركة هذا الأسبوع للتوصل إلى تفاهم حول النقاط المختلف عليها فى اتفاق الصخيرات والتفاصيل الخاصة بتشكيل حكومة الوحدة الوطنية البديلة.لكن لن يستطيع أحد فرض حل لا يريده الليبيون ولن تنجح أى مساعدة خارجية إذا لم تجد لديهم التربة التى تنمو فيها ويشتد عودها ليقاوم العواصف.فهل سيستطيعون مقاومة وساوس الشيطان المتوقعة؟. لمزيد من مقالات عطية عيسوى