دعا الدكتور مصطفى الفقى المثقف المصرى العربى البارز والمدير الجديد لمكتبة الإسكندرية عشرات من المثقفين يومى الخميس والجمعة الماضيين للاستماع إلى وجهات نظرهم بشأن دور مكتبة الإسكندرية وآفاق تطويره، وعكست الاستجابة الواسعة لدعوته الارتياح العام فى الوسط الثقافى المصرى والعربى لتولى الدكتور مصطفى الفقى مسئولية إدارة المكتبة، فهو يتمتع فيه بمكانة خاصة لا تعود إلى مكانته الفكرية والثقافية فحسب وإنما ترجع أيضاً فى تقديرى إلى أن توليه واحداً من أكثر المناصب السياسية حساسية فى وقت من الأوقات لم يفقده صلته بمثقفى مصر، بل لعله كان خير قناة توصل رؤاهم وآراءهم لصانع القرار ناهيك عن البعد الإنسانى فى علاقته بهم ، ولعل هذه الخبرة الإيجابية هى السبب الرئيسى فى هذه الدرجة العالية من تفاعلهم معه فى اللقاء الذى مثل بحق إطاراً راقياً لحوار بناء تفاعلت فيه الآراء كافة على اختلافها تفاعلاً صحياً خلاقاً ، وشهد اللقاء حوارات حول قضايا محورية ارتبط أهمها بقضيتين رئيسيتين، هما نهج العمل الأمثل للمكتبة فى طورها الجديد وكيفية الوصول بإشعاع المكتبة إلى حده الأقصى وذلك بالإضافة إلى عدد من القضايا الأخرى . وبالنسبة لمنهج عمل المكتبة كان واضحاً منذ الوهلة الأولى أن ثمة وجهتى نظر فى هذا الصدد، تَعقد الأولى منهما الأمل على المكتبة فى أن تسد النقص فى جوانب الحياة المصرية كافة، فتعمل على إصلاح القاصر من القوانين والخاطئ من الممارسات وتطرح جميع قضايا العمل الوطنى للنقاش كى تصحح أى انحراف فى تناولها، وهكذا تكون المكتبة مطالبة باختصار بسد النقص فى عمل المؤسسات المصرية كافة، رسمية كانت أو غير رسمية ، وفى المقابل ركزت وجهة النظر الأخرى على الدور المعرفى والتنويرى للمكتبة أولاً على أساس أن الساحة المصرية فى أمس الحاجة إليه فى ظل تفاقم انتشار الأفكار المغلوطة والممارسات الشائنة المترتبة عليها، وثانياً لأن انشغال المكتبة بكل شيء من شأنه أن يوقعها فى بعض المحاذير ويسمح للاعتبارات السياسية بأن تعرقل عملها أو تُعَقده ، وقد انحزت فى المناقشات إلى وجهة النظر الثانية وإن أوضحت أن اتباع هذا النهج لا يعنى العزلة عن القضايا الوطنية بأى حال، إذ تستطيع المكتبة أن تتصدى لهذه القضايا انطلاقاً من دورها المعرفى التنويرى من خلال ترشيد الحوار العام ، وعلى سبيل المثال فإن بمقدورها أن تتصدى لأعقد القضايا بنهج غير مباشر يقدم مساهمة علمية فى قضايا العمل الوطنى من خلال «الكتاب»، فيمكنها مثلاً بالنسبة للجدل الدائر حول الإصلاح الاقتصادى. وأوجاعه أن تناقش كتاباً عن تجارب مقارنة للإصلاح الاقتصادي، فى بلدان أخري، وبالنسبة لمخاطر سد النهضة أن تناقش كتاباً عن القانون الدولى للأنهار الدولية أو عن وسائل مواجهة الندرة المائية، وبالنسبة للجدل الدائر حول جدوى المشروع النووى المصرى ومخاطره أن تناقش كتاباً عن البديل النووى لتوليد الطاقة وهكذا ، وبالتالى تلعب المكتبة دوراً ترشيدياً للحوار العام دون أن تنغمس فى قضايا سياسية شائكة يمكن أن تُعقد عملها . أما «إشعاع» المكتبة فكان واضحاً أنه مثل هاجساً لدى الجميع فالكل يريد للأثر التنويرى لهذه المؤسسة الفريدة ذات العراقة التاريخية أن يمتد إلى أقصى آفاق ممكنة تعظيماً لآثارها الإيجابية ، ووصل البعض إلى المطالبة بأن تنشئ المكتبة فروعاً لها فى ربوع مصر المختلفة، وهو ما لفت الدكتور مصطفى الفقى إلى تكلفته الباهظة وأعبائه الإدارية ، غير أن الحوار فى هذه القضية المهمة أُثرى بعدد من المقترحات النافعة القابلة للتطبيق، ومن هذه المقترحات مثلاً أن تنظم المكتبة بعض أنشطتها خارج مدينة الإسكندرية يستحسن أن تستأثر بها المناطق المحرومة من أنشطة ثقافية كافية ، ومنها أيضاً أن تنظم المكتبة فعاليات تستضيف فيها المسئولين عن مؤسسات ثقافية أو شبابية كقصور الثقافة أو مراكز رعاية الشباب بغرض تأسيس تعاون حقيقى فى مجال نشر الثقافة والمعرفة ، ومنها كذلك تزويد المكتبات فى شتى ربوع مصر بما يكون لدى المكتبة من نسخ مكررة من الكتب المهداة لها أو من فائض مطبوعاتها، كما طرحت فكرة التعريف بدور المكتبة وأنشطتها تليفزيونياً وتحدث البعض عن قناة خاصة بالمكتبة لكن هذا الاقتراح تواضع إلى مستوى شغل أوقات كافية فى قنوات قائمة بسبب التكاليف الباهظة لامتلاك فضائية خاصة بالمكتبة ، وعرض أحد المتحاورين استضافة المكتبة بالمساحة الزمنية التى تريدها فى إحدى الفضائيات القائمة ، وأعتقد أن الحضور الفكرى والثقافى للدكتور مصطفى الفقى يمكن أن يلعب دوراً مهماً للغاية فى التعريف بالمكتبة ورسالتها وأنشطتها ، غير أن قضية إشعاع المكتبة امتدت لدى كثيرين إلى تفعيل الدور العربى بالذات لها نظراً لما حققته بالفعل من حضور دولى ، وأُشير إلى أن المكانة العربية للدكتور الفقى سوف تساعد كثيراً فى هذا الصدد ، كما طالب أحد المتحاورين بتعزيز الدور الإفريقى للمكتبة، فأكد الفقى أن الرئيس قد شدد على أهمية هذا الدور . تواصل الحوار على مدى يومين وشمل قضايا عديدة مهمة منها مثلاً ضرورة تواصل دور المكتبة فى المواجهة الفكرية للإرهاب ومنها أيضاً، كما طرح الدكتور الفقى، أن تكون المكتبة رأس حربة فى تطوير التعليم، ومنها كذلك أن تكون حاضنة أمينة لعملية توثيق التاريخ المصرى وأن تقود حركة ترجمة رائدة من العربية وإليها ، وعندما انتهى اللقاء ويممت وجهى شطر شاطئ البحر ومشيت بجوار سور المكتبة المواجه له لا حظت أنه مغطى بالكامل بإعلانات عن أنشطة كثيرة رفيعة ومتنوعة للمكتبة وشعرت بالفخر بها والثقة فى أنها مقبلة على انطلاقة جديدة للمعرفة والثقافة فى مصرنا الحبيبة. لمزيد من مقالات د. أحمد يوسف أحمد