نشأ في بيت أعلي من قيمة العمل والاجتهاد, فحرص عليهما منذ نعومة أظفاره.. أثري الفكر العربي باحثا ومحاضرا في علم الاجتماع, صنف العديد من الكتب, وأسهم في إنشاء العديد من معاهد الخدمة الاجتماعية. فحاز علي ذلك العديد من الجوائز والأوسمة التي كان آخرها جائزة النيل في العلوم الاجتماعية.. إنه د.محمد محمود الجوهري أستاذ علم الاجتماع بآداب القاهرة, الذي كان معه هذا الحوار. تداخلت اهتماماتك بين الفولكلور وعلم الاجتماع فهل نجم عن هذا تعارض أو تضارب ؟ في البداية كان عشقي للجغرافيا وشغفي بعلم دراسة الأرض والناس, حيث أسعدني حظي بمعلم جغرافيا محب لتخصصه غرس في هذا الحب, فدخلت كلية الآداب أفتش عن أهل الجغرافيا, حتي أقنعني صديق بدراسة علم الاجتماع بسؤال بسيط وجهه إلي يقول: هل حبك للأرض أكثر أم للناس الذين يعيشون عليها؟ فأجبت أحب أرضي, ولكن شغفي بمعرفة أحوال الناس أشد, وكانت نتيجة النقاش أن قررت الالتحاق بعلم الاجتماع لإحساسي العميق بواجبي نحوهم, وانشغالي بهمهم العام, وقبل انتهائي من السنة النهائية بقسم علم الاجتماع بدأت أنشغل بالدراسات الشعبية, مما دفعني بسبب هذا الاهتمام المزدوج إلي محاولة تأكيد نقاط الالتقاء بين تخصصي الفولكلور وعلم الاجتماع مدللا علي ذلك بإسهام الدرس الفولكلوري في إلقاء الضوء علي ما في صدور الناس من معتقدات وما يدور في عقولهم من تصورات ورؤي للعالم والكون من حولنا, وكان من آثار دراستي للتراث الشعبي أن اهتممت بالفقراء, فالتراث الشعبي لأي مجتمع هو ملكية لكل الطبقات وكل الفئات, لكنه أوفر وأثري في الطبقات الشعبية أو القطاعات الدنيا خاصة في المجتمع الحضري. طرأت علي المجتمع المصري سلوكيات غريبة مثل( الفوضي, البلطجة, الإهمال,..., إلخ) من منظورك كعالم اجتماع سبل التغلب علي ذلك ؟ بالفعل طرأت علي مجتمعنا سلوكيات غريبة مرجعها نقص قيمة الولاء والانتماء للمجتمع في نفوس مرتكبي هذه الأفعال الغريبة, وإن كان لقلة هذا الولاء أسبابه, فكيف نطالب بولاء مواطن لا يجد داخل وطنه أدني مقومات الحياة الكريمة, كيف ننشد ولاء مواطن حاصرته مشكلات الزواج, السكن, الطعام, وأنهكه المرض والفقر, كيف ننشد ولاء مواطن صارت رغبة ترك الوطن أسمي أمانيه بعدما سيطرت قيم التجار علي الزراع والصناع, وطغت الوساطة والسمسرة والشطارة والفهلوة علي قمة العمل والإنتاج, أقول في مجتمع كهذا لابد أن تتراجع قيمة الولاء والانتماء, ويصير الوطن مجرد مكان لاأكثر ولاأقل, وبالتالي تكثر مثل هذه الأوباء الدخيلة, التي لا علاج لها إلا بترسيخ قيمة الولاء والتي لن تتحقق إلا بتوفير احتياجات المواطنين الأساسية من مأكل ومشرب ومسكن وخلافه, ساعتها ستصتأصل هذه السلوكيات الغريبة, وتحل محلها قيم التعاون والإيثار واالوفاء.. إلخ التي ستعيد للمجتمع رونقه وبهاءه. لديكم رؤية للنهضة تقوم علي تحقيق المجتمع لقدر من التفوق العلمي يقود إلي صعود اجتماعي فما أركان هذه الرؤية ؟ أغلب البحوث التي عرقلت السلطة مسيرتها والتي شاركت فيها كباحث او قائد لفريق بحث لفتت الانتباه إلي قضايا اجتماعية حاسمة, مثل قضية الفقر, لمعرفة مواقع الفقر علي خريطة المجتمع المصري, باعتبار أن هذا القطاع هو الكشاف الذي يلقي الضوء علي مشكلات المجتمع الحقيقية والاكثر إلحاحا. أما القضية الثانية, فهي دراسة المجتمعات الهامشية البسيطة مثل كثير من المناطق الصحراوية, والنوبة, والتي تقل صلتنا بها ومن ثم فإن دراستنا لها ليس من قبيل التكرم بل هي من قبيل الواجب الذي يحتم علينا المساهمة في تنمية هذه المجتمعات ورعايتها وضمها بشكل أكثر فاعلية لحظيرة الوطن. وتعتبر الهجرة إلي النفط هي القضية الثالثة التي تتسبب في تضخم الاقتصاد المصري, وسحب قوة عمل مهمة من قطاعات رئيسية تحتاج للعمالة, وإهدار قيمة العمل المنتج والإضرار بالزراعة, وتنمية النزعة الاستهلاكية. اما القضية الرابعة والأخيرة فهي دراسة ظاهرة التطرف الذي اجتاح حياتنا بل العالم بأسره, أصبح يمثل تهديدا للجميع, تلك هي أهم القضايا التي بمعالجتها تتحقق نهضة المجتمع.