لفت نظري عند استقبال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نيتانياهو نظيره الهندي ناريندرا مودي يوم الثلاثاء الماضي ذلك المشهد الذي سارع فيه مودي لاحتضان نيتانياهو في حميمية بادية بل وغير مألوفة علي الصعيد الدبلوماسي، ولقد تكرر احتضان مودي للرئيس الإسرائيلي ريئوفين ريڤلين عندما التقاه في اليوم التالي. ولما كان محaمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية قد زار الهند في شهر مايو الماضي فلقد عدت لمراسم استقبال الرئيس الفلسطيني فوجدتها تتميز بالحفاوة المتحفظة دون أحضان ولا عناق. الأحضان في السياسة لا تعني شيئا بالضرورة، ولو رجعنا مثلا لمراسم استقبال رئيس الوزراء الهندي جواهر لال نهرو بواسطة الرئيس جمال عبد الناصر في عام 1957 لوجدناها تتميز بالترحيب الشديد لكنها تخلو من العناق والقبلات، وقد حدث ذلك رغم أنه كانت بين الزعيمين وشائج سياسية قوية نسجتها معاركهما المشتركة ضد القوي الاستعمارية وسياسات الأحلاف والمواقف الهندية الداعمة للقضايا العربية بدءا من القضية الفلسطينية وحتي معركة تأميم القناة، هذا فضلا عن تدشينهما معا حركة عدم الانحياز بالتعاون مع الرئيس اليوجوسلاڤي تيتو . لكن إذا وضعنا مشهد استقبال رئيس الوزراء الهندي في إسرائيل جنبا إلي جنب مع وصفه إسرائيل بأنها «صديق حقيقي للهند»، وعودته مباشرة للهند دون زيارة الأراضي الفلسطينية، وتفرُغ رئيس الوزراء الإسرائيلي لمرافقة نظيره الهندي خلال زيارته- وهو قلما يفعل، لأدركنا أن هذا التعبير الرمزي عن عمق العلاقات الهندية - الإسرائيلية إنما يعكس حقيقة التطور الكبير الذي شهدته تلك العلاقات في مجالات عديدة. اعترفت الهند بإسرائيل في عام 1950 لكن لم يتم افتتاح سفارة لكل دولة في عاصمة الدولة الأخري إلا في عام 1992، وفيما بين هذين التاريخين وتحديدا منذ عام 1953افتُتِحت قنصلية إسرائيلية في بومباي للعناية بشؤون الأقلية اليهودية الهندية. ظلت العلاقات بين الدولتين مشوبة بالفتور بتأثير موقف الهند المؤيد لحقوق الشعب الفلسطيني الأمر الذي يدفع لإثارة السؤال التالي : ما الذي أوصل تلك العلاقات إلي حد جعل نيتانياهو يصفها في حضور مودي «بالتوأمة السياسية»؟ توجد مجموعة من العوامل الأساسية التي تفسر ذلك، فهناك أولا التطور في العلاقات العربية - الإسرائيلية الذي بدأته مصر في نهاية السبعينيات، وهذا المتغير عبر عنه بامتياز قبل أيام سفير إسرائيل في الهند دانيال كارمون عندما قال إن العصر الذي كان فيه الدبلوماسيون العرب يغادرون القاعة إذا دخلها دبلوماسي إسرائيلي قد انتهي والآن أصبح بإمكان أي دولة أن تحتفظ بعلاقات جيدة مع كل من الدول العربية وإسرائيل في الوقت نفسه. وهناك ثانيا الجهد الحثيث الذي تبذله إسرائيل منذ عقود لتكوين شبكة من العلاقات المتينة مع قوي إقليمية بازغة في آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ، ومن يقرأ عن أبعاد العلاقات الهندية - الإسرائيلية يذهله كم التشعب في هذه الأبعاد، فمن المجال العسكري وصناعات الفضاء والطيران إلي المجال الأمني إلي مجال تكنولوچيا المعلومات والاتصالات إلي مجال الزراعة وتحلية المياه إلي المجال العلمي والأكاديمي. أتوقف عند هذا المجال لأنه قلما يتم التطرق اليه رغم أهميته في تشكيل مدركات الشباب ما يفسر حرص إسرائيل عليه، ولذلك نجد أنه من إجمالي 400 منحة تقدمها إسرائيل لدراسات ما بعد الدكتوراه فإن 300 منها تذهب للطلاب من الهند كما تقدم إسرائيل 250 منحة لطلاب من الهند والصين في إطار برنامج دراسي مدته عشرة أشهر، والمعلومة نقلا عن ساروش بانا وردت في مقاله «Shalom Modi» تذكرنا بمنح السلام التي أغدقتها الولاياتالمتحدة علي الطلاب المصريين بعد معاهدة السلام . وهناك ثالثا التحديات التي تواجهها الهند من جوارها الإقليمي الذي لا أعني به فقط باكستان لكن أيضا أفغانستان وميانمار ما يجعل الطلب الهندي علي السلاح هو الأعلي علي مستوي العالم ويفسر حرص الهند علي توطين الصناعات العسكرية في أراضيها، وتساعدها إسرائيل في كلتا الحالتين أي استيراد السلاح وتصنيعه. كذلك تحتاج الهند إلي قوة اللوبي اليهودي في الدول الكبري وهي تتطلع لمقعد دائم في مجلس الأمن ولعضوية مجموعة الموردين النوويين الدولية. السبب الرابع الذي يفسر به البعض التطور الكبير في العلاقات الهندية - الإسرائيلية هو وصول حزب بهاراتيا چاناتا اليميني المتطرف للسلطة، وواقع الحال أن التطور في علاقات الدولتين يسبق بكثير وصول ناريندرا مودي لرئاسة الوزارة الهندية في عام 2014، ورغم أن تاريخ مودي فيه ما يشيع الانطباع بالتعصب الديني إلا أنه يدرك أن إشعال الصراع علي هذا الأساس يقوض الديمقراطية وينذر بالصراع مع جوار الهند المسلم، كما أنه يخصم من رصيده الانتخابي شخصيا وليست بعيدة عنه نتائج انتخابات برلمان دلهي في عام 2015. عندما نقارن هذه الشبكة العنكبوتية من مصالح الهند مع إسرائيل بمصالحها مع الدول العربية نتبين أن هذه المصالح الأخيرة تتمحور حول نقطتين هما وارداتها من الطاقة وعمالتها في الخليج، لكن هذا الأمر تحفه المحاذير لأنه يتعلق بتقلبات سوق النفط في المدي القصير وبنضوبه في المدي البعيد. ومع ذلك فإن استقرار الشرق الأوسط له أهمية حيوية بالنسبة للهند بسبب حاجتها لتأمين الممرات الملاحية، ولأن هذه المنطقة من العالم هي المورد الأول للحركات الإرهابية وتعد الفوضي هي أفضل بيئة لانتعاش تلك الحركات، ولأن لها مصالح ضخمة مع إيران وبالتالي فإن آخر ما تريده الهند هو اندلاع مواجهة عسكرية تكون إيران طرفا فيها ويكون الطرف الآخر العرب أو إسرائيل، وأضيف أن الشرق الأوسط قدم للهند في مرحلة معينة جزءا من أوراق تأثيرها الدولية وكان مستشار سونيا غاندي هو مبعوث السلام في المنطقة عام 2005. ما سبق كله يعني أن هناك مجالات للتعاون العربي - الهندي أوسع وأعقد مما يبدو في الظاهر، وإذا كانت إسرائيل نجحت في تحويل جفوتها مع الهند إلي توأمة سياسية أفلا يكون أولي بالعرب أن يبنوا علي تاريخ الخمسينيات والستينيات في التوأمة مع الهند؟ لمزيد من مقالات د.نيفين مسعد;