محافظ المنيا يناقش ملفات التعليم والصحة والطرق.. ويوجه بتقديم المساعدات اللازمة للمواطنين    الدخان الأبيض يعلن بدء رحلة بابا الفاتيكان الجديد.. الأجراس تدق والاحتفالات تملأ الشوارع    التعليم: بدء العام الدراسي الجديد في المدارس الدولية 7 سبتمبر المقبل    بسبب «المخدرات».. أب ينهي حياة ابنه بضربة فأس على رأسه في أسيوط    لمواليد برج الجدي.. اعرف حظك في الأسبوع الثاني من مايو 2025    طرح برومو فيلم «المشروع X» ل كريم عبدالعزيز.. والمخرج يعلق:«حلم عملت عليه لسنوات»    رابط نتيجة الاختبارات الإلكترونية للمتقدمين لوظائف معلم مساعد مادة رياضيات    جيش الاحتلال يواجه صعوبات في إخلاء جنوده من منطقة الاشتباك مع المقاومة الفلسطينية    والا: اتفاق محتمل لتولي صندوق إغاثة غزة مهمة إدخال وتوزيع المساعدات بعيدا عن حماس    حرب الإبادة    ياسر إدريس رئيسا لبعثة مصر في دورة التضامن الإسلامي بالسعودية    أعمال شغب واعتقال 44 شخصاً خلال احتفالات جماهير باريس سان جيرمان بتأهله لنهائي دوري الأبطال    تشكيل مباراة أفريقيا الوسطى وغانا في أمم أفريقيا للشباب    الرياضية تكشف موعد انضمام ماركوس ليوناردو لتدريبات الهلال    خبراء يحذرون: الزمن هو الخطر الحقيقي في النزاع النووي الهندي الباكستاني    تكريم رئيس هيئة النيابة الإدارية خلال احتفالية كلية الحقوق جامعة القاهرة    مصرع شخص دهسته سيارة محملة بأسطوانات البوتاجاز بقنا    «رسالة حاسمة قبل دقيقة من وفاتها».. النيابة تكشف تحقيقات واقعة طالبة الزقازيق    اختيار رئيس جهاز حماية المنافسة لعضوية المجلس المُسير لشبكة المنافسة الدولية    تذبذب أسعار الذهب في منتصف تعاملات الخميس 8 مايو    النجم العالمى مينا مسعود يزور مدينة الإنتاج الإعلامى ويشيد بإمكانياتها    في عيد الوالدين، قافلة الثقافة الكورية تزور مكتبة مصر العامة ببورسعيد    الجونة السينمائي يعلن عن برنامج مميز بالجناح المصري في مهرجان كان    مدبولي: «أورام طنطا الجديد» يسهم بشكل كبير في تحسين نسب الشفاء    تاج الدين: الربو أحد أكثر الأمراض المزمنة غير المعدية شيوعا.. ويتسبب في 450 ألف حالة وفاة سنويا    الحكومة: أسعار جلسات الغسيل الكلوى ثابتة دون زيادة وتقدم مجانًا للمرضى    وزير الاتصالات: إتاحة 180 خدمة حكومية عبر منصة مصر الرقمية    محافظة الجيزة ترفع 150 طن مخلفات في حملات نظافة مكبرة    اختتام فعاليات مؤتمر تنظيم الاتصالات لمنطقة الشرق الأوسط وأفريقيا بالقاهرة    لدخول السوق الرئيسي.. بدء اكتتاب زيادة رأسمال بريمير هيلثكير في البورصة    رفع درجة الاستعداد بمدارس البحيرة استعدادا لاستقبال امتحانات الفصل الدراسي الثاني    الفنان محمد عبد السيد يعلن وفاة والده    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    الكرملين: الحوار بين روسيا والولايات المتحدة مستمر    عضو مجلس المحامين بجنوب الجيزة يثبت الإضراب أمام محكمة أكتوبر (صور)    وزير قطاع الأعمال يبحث مع سفير إندونيسيا فرص التعاون الاقتصادي والاستثماري    محافظ مطروح يتفقد تصميمات الرامبات لتيسير التعامل مع طلبات ذوي الهمم    محافظ الفيوم يتابع أنشطة فرع الثقافة في أبريل    بغرض السرقة.. الإعدام شنقًا للمتهمين بقتل شاب في قنا    انخفاض عمليات البحث على "جوجل" عبر متصفح سفارى لأول مرة لهذا السبب    الهلال السعودي يرصد 160 مليون يورو لضم ثنائي ليفربول    كرة يد - الاتحاد يكرم باستور علي هامش مواجهة مصر الودية ضد البرازيل    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    أشرف عبدالباقي: يجب تقديم بدائل درامية لجذب الجمهور دون التنازل عن القيم أو الرسالة (صور)    خالد بيبو: كولر ظلم لاعبين في الأهلي وكان يحلم بالمونديال    مراكب وورد ومسيرات طلابية في احتفالات العيد القومي لمحافظة دمياط    اختناق 4 أشخاص في حريق بمكبس كراتين خردة بسوهاج    أسقف المنيا للخارجية الأمريكية: الرئيس السيسي يرعى حرية العبادة (صور)    وزير الصحة يستقبل نقيب التمريض لبحث تطوير التدريب المهني وتعميم الأدلة الاسترشادية    أمين الفتوى يكشف عن 3 حالات لا يجوز فيها الزواج: ظلم وحرام شرعًا    الإسماعيلي ضد إنبي.. الدراويش على حافة الهاوية بعد السقوط في مراكز الهبوط    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    الحماية المدنية تسيطر على حريق نشب بهيش داخل أرض فضاء بالصف.. صور    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 8-5-2025 في محافظة قنا    الكرملين: محادثات بوتين وشي جين بينج في موسكو ستكون مطولة ومتعددة الصيغ    الجيش الباكستاني يعلن إسقاط 12 طائرة تجسس هندية    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



طلباتهم أوامر
نشر في الأهرام اليومي يوم 08 - 07 - 2017

ليس سهلا ولا يسيرًا بل موجعاً وعسيرًا أن تضع قلمك جانباً دونما إملاء من أحد وتهجره بكامل وعيك وإرادتك، من بعد صحبة حميمة وصداقة خالصة ورفقة مورقة وأواصر قربى وتلاحم مشاعر وأشجان ذكرى ومواقف شتى وأحداث تُترى وفصول وتواريخ وزهور وأقمار وعلقم وصبّار وزلازل وبراكين وشخوص وعهود وأحداث دامت لأكثر من ستين عاما.. أن تبتر قلمك باختيارك وكان بمثابة الأصبع السادس في يدك لتقطع بدونه الأيام أعزل بلا سلاح ولا لسان ولا بيان ولا عم ولا خال ولا وصف للحال.. أن تحجِّم تعبيرك وتكبح إرسالك وتسحب سفراءك وتشفر قنواتك وتعتم شاشاتك وتنزع أسلاكك، وتستبعد سلماً يقود زائره إليك.. أن يغدو مشوارك مكانك سر.. أن تنكمش داخل صدفتك.. أن تنسج شرنقتك.. أن تعيش أيامك فوق الرف.. أن تمشي تحت الرصيف.. أن تتنفس تحت الماء.. أن تصرخ في عبّك.. أن تلوك كلماتك وتزدردها في جوفك.. أن تنسى ذاكرة الأسماك جبال جهدك وفدادين عملك وبحور عرقك.. أن تنأى للمشارف.. أن تفقد البوصلة.. أن تمزق جواز سفرك وتعيش في مخيم الهجر.. أن تحيا علي البعد لتراقب من بعيد، وتشارك من بعيد، وتستاء من بعيد، وتقترب لتبعد، وتتقهقر لتغور بعيدًا.. أن تشعر بالغربة وأنك أصبحت الدخيل حيث لا موضع لقدمك ولا مكان لرأسك ولا هواء لرئتيك ولا أذن علي سماعة أخرى.. أن تغلق جميع المواضيع وتسك على كل الجبهات وتسد عين الشمس ونوافذ الريح.. لتستريح.. أن تجتر رأيك وتشرب دمعك وتنوء بغصتك وتمحو ظلك وتعتذر مسبقاً عن موعدك.. أن تدعيها استراحة محارب.. إلى.. إلى أجل غير مسمى!!.. ومرحباً بجدار العزلة وبلادة الهمّة وخمود الاشتعال وتوقف الماكينات وهدوء اللُّهاث وخَرَس المنافسة.. إذا ما تعارضت مسيرة القلم مع من لا يبغى هدنة ولا سلاماً ولا تفهماً لمعنى حفظ الكرامة، ولا كيفية التعامل مع نوعية من البشر، ثروتها عزّة النفس وغضبتها سوء الاستقبال المهنى، وغلظة القول، واستعراض هالة المنصب، وتجهم الطلب ولهجة الأمر، والود المفقود، والصدْع الممدود.. و..وكان للصبر حدود!!
ولكنى اليوم أعود إليه بعد عام انقضي.. قلمى.. بعدما انقشعت السحب وصفت الأجواء وعادت الطيور المهاجرة لموطنها الأصلي.. أعود رغم جرح لم يزل يؤلمنى خاصة إذا ما سُئلت عمّا جرى؟!.. وما قد جرى فالودُّ ودى واعذرونى ألاّ يلمس قلمي جراحه.. أعود لقلمى نزولا علي فيض مشاعر المشاركة والمطالبة بالعودة إليه التى غمرتنى وطوقت عنقى من الأصدقاء والزملاء والكتّاب والإعلاميين في مصر والعالم العربى، تسبقهم أسئلة القراء الذين لم ينقطع خيط الود بيننا، وظننت خطأ أن غيبتى ستأخذنى بعيدًا عن ذاكرتهم.. وهؤلاء بالذات طلباتهم أوامر.. أعود ورجلى فوق رقبتى.. أعود لسكة اللي يروح مايرجعشى.. أعود طواعية لوحش المطبعة ليأكل رأسى ووقتى وحرية حركتى وييبس مفاصلي ويخشِّب ظهرى ويهد حيلى.. أعود موقنة بالمكتوب علي الجبين وبصمة الأصابع وإنسان العين وشغاف القلب ومداد القلم.. أعود للأهرام التى دوماً في خاطرى وما استطعت أبدًا الحيد عنها حتى في الزمن العاثر.. أعود في صفوف كوكبة أصحاب الأقلام تحت رئاسة الإعلامى المتفرد علاء ثابت رئيس التحرير الإنسان الدمث حلو اللسان والبيان والمعشر.. أعود لرسم الكلمات من جديد لتلثم في غمرة شوقها السطوح البيضاء علي درب مهنة الكتابة المقدسة التى أعطيتها عمرى.. ولها وحدها ما قد يمد الله من عمرى..
عصا موسى
ذلك العالم الجليل بكل سمات العزّة والنبل والشموخ والهيبة السمحة التي لا يعتريها الكِبر أو التعالي، بصوته الحانى النافذ بلا حدة، الوقور بلا ادعاء، المطرز باللهجة الصعيدية الحميمة.. عندما خرج إلينا مع بداية شهر رمضان المبارك في حوار دينى يومى، كانت البشارة التى أغلقت مسارات التعدى وتطاول الصغار عندما يطول صبر الرجال الكبار.. فضيلة الإمام الطيب شيخ الأزهر عندما تحدث إلينا بنفسه.. بشخصه.. بملء المشهد.. بتواصل الرؤية والسمع والتلقى المباشر وليس عبر متحدث ولا هيئة، في إجاباته العقلانية حول كم الأسئلة الجريئة، تحدث بخطاب لا يضيع فيه الدين بين جامد وجاحد.. خطاب للهداية لا للتكفير.. خطاب الاحتواء وليس الإقصاء.. خطاب التجديد لا التبديد.. خطاب التسامح وليس الترهيب.. خطاب الاعتراف بحقوق الآخر وسنّة التنوع وثقافة التعدد.. خطاب الوسطية.. حقاً لقد كان خطابك يا سيدى بمثابة عصا موسى التى أعادت الثعابين لجحورها فأنت المرجع وأنت الإمام الأكبر..
نهاية «الجماعة»
«لم ينجحوا في نسف القناطر الخيرية.. لم ينجحوا فى.. لم ينجحوا».. عبارة يكررها سيد قطب بحزن بالغ في مسلسل الإخوان داخل العربة التي حملته لزنزانة الإعدام كخاتمة للحلقات الثلاثين، لتظل عالقة في الأذهان من كثرة ترديدها والتركيز عليها، وكأنها بمثابة أوامر جديدة للقطب الميت تأتى من وراء الأستار لاستكمال مسيرة الأوامر الجهنمية الشيطانية التي تعيث فسادًا في الأرض.. نسف القناطر الخيرية الذى تؤدى كارثته إلى غرق الدلتا بكامل ما عليها من بشر ونبات وحيوان. والغريب كما جاء في الشهادة المسجلة لليوم السابع التى أدلى بها أخيرًا اللواء فؤاد علاّم، وهو حى يرزق وكان وقتها ضابطاً فى إدارة السجون بأنه كان مرافقاً للمحكوم عليه بالإعدام داخل العربة، وأن الأخير ظل صامتاً طوال الطريق ولم ينبس ببنت شفه كما يدعى المسلسل... وإن كانت الأرض كلها في رؤية سيد الإرهاب دار حرب، ومصر الكنانة دولة الكفر، وأنه لا مانع في مسيرة انتشار العقيدة الإخوانية من وفاة الملايين، فلكل معركة ضحاياها، ولكى يتم المراد الإخوانى في فترة الجاهلية الثانية التى تعيشها البلاد لابد من إحداث هزّة كنسف القناطر الخيرية، وتدمير الجسور، واغتيال كبار رموز الدولة من عبدالناصر وعلي صبرى وزكريا محيى الدين وعبدالحكيم عامر، ومن أهل الفن أم كلثوم وعبدالوهاب وشادية!!.. هذا بخلاف رأيه المسبق عندما كان من رواد الاستنارة والفكر المتحرر قبل عام 1954 بأن أم كلثوم خامة صوتية كونية مدهشة ومن يحاولون تقليدها ما هم إلا نسخ بالكربون لا ترقي إلي أصالة الأصل وبهائه.. ويحضرنى السؤال فيما لو كان عبدالوهاب قد قام بتلحين إحدى قصائد سيد قطب العاطفية لتغنيها حنجرة أم كلثوم فهل كانت معالم طريق الإخوان ستتغير تماماً؟! وهناك قصيدته عن القبلة التي يقول فيها:
حرارتها لم تزل فائرة ونكهتها لم تزل عاطرة
أحس حرارتها فى دمى كما تصرخُ الشعلة الثائرة
وتخطر ريّانة فى فمى كما يخطر الحُلم بالذاكرة
وبين يدىّ صدى ضمّة تردد كالنغمة الحائرة
أذلك جسم؟! فأين الخيال وأين عرائسه النافرة
ومن قبل صدمة الحب التي لابد وأنها قلبت جميع الموازين بعد اكتشافه خيانة الحبيبة التي ظل يرتدى اسمها محفورًا لسنوات في دبلة ذهبية حول أصبعه، ليتجلىّ عذاب الفؤاد وقسوة الهجر في عدة قصائد منها «الكأس المسموم» وروايته «الأشواك» التي نُشرت لمرة واحدة عام 1947 واختفت تماماً من دور النشر تبعاً لرغبة صاحبها وإخوانه، وكان قد كتبها علي نسق رواية «سارة» للعقاد.. ولقد كان النيل لدى سيد قطب يوماً حلماً وسحرًا وفناً وليس سلاحاً إرهابياً يُغرق الملايين عندما يتم نسف قناطره الخيرية فهو الذى كتب عنه في أكتوبر 1938 قصيدة بعنوان «حلم النيل» كان من أبياتها:
ذكريات القرون قد صاغها النيل
نشيدًا فيا له من نشيد
منذ فجر التاريخ لم يتبد
لحنه العذب من قديم جديد
حالم بالرجاء عندك يا نيل
سعيد بحلمك المعهود
ينبت الزهر في خُطاك بهيجاً
ذلك حلم تأويله في الورودِ
وأليست مصر التي أصبحت في نظر المتحول أرضاً للكفار يأمل إغراقها هي نفسها التي كتب عنها في زمن غربته في سان فرانسيسكو عام 1948:
في النفس يا مصر شوق لخطرة في رُباك
لضمّة من ثراك لنفحة من جواك
لروضة من سماك لهاتف من رؤاك
لليلة فيك أخرى مع الرفاق هناك
ظمآن تهتف روحى متى ترانى أراك
ورغم انقضاء الشهر الكريم ليعقبه عيد الفطر المبارك وذكرى ثورة 30 يونيه وأحزان السولار والبنزين من بعد مضايق التعويم، لم تزل دوائر الجدل والنقاش والآثار الجانبية لمسلسل الخطاب الإخوانى تتسع بعدما ذهبت السكرة وجاءت الفكرة، والنية المعقودة للجزء الثالث في رمضان القادم بعد عام، وما أدارنا ما قد يحدث خلال ذلك العام من مواءمات وتخريجات ومراجعات خاصة إذا ما ظلت المراجعة التاريخية موكولة لمن أسقطه المؤلف وحيد حامد سهوًا أو عمدًا رغم كتابة اسمه في واجهة العمل، وذلك في حواره التليفزيونى مع القدير حمدي رزق حول جدية الوثائق التي ألهمته الأحداث، هذا بينما يتذكر جيدًا اسم الزميلة الصحفية التي أسند إليها إعداد بحث مستفيض عن زينب الغزالي بعيدًا عن مذكراتها التي وصفها حامد بالكذب والتضليل... ويظل الغموض ملازماً عملية المراجعة التاريخية إلي جانب مسألة الإنتاج، وليس كل ما يُعرف يقال..
وإذا ما كانت جماعة وحيد قد تفوقت سطورًا وأداءً وإخراجاً وتصويرًا واختيارًا للبطولات الرئيسية والثانوية في القصر والقصد والرصد ليغدو المسلسل بحكم وطأته السياسية، وأحداثه الملمسة بتاريخ مصر الحديث، وشهرة كاتبه صاحب «الإرهاب والكباب» الذى كان فيه سبّاقاً برؤية مستقبلية بوضع ميدان التحرير داخل بؤرة أحداث الثورة، وخروجه بمسلسل الإخوان إلي النور في توقيت كنا فيه أحوج علي أن نكفى علي شخوصه وبلاويهم ألف ماجور وماجور، وكفانا نخورة ونكأ جراح لم تغادرنا بعد عن قرب وعن بُعد، ولم يزل الوطن ينزف يومياً بدماء شهداء الإرهاب الإخوانى ليمتد المشهد الحزين بطول الوادى لليتامى والأرامل والثكالي ليقطع نياط القلب ويؤجج مكامن الرفض ويسرى في العروق بنداء الثأر والكراهية، بينما تتوالي اعترافات كل من توقع به الشرطة من عناصر الإرهاب بانتمائه تجنيدًا وتدريباً وتحريضاً وتمويلا للجماعة «المنحلّة» اللفظ الذى حاول المرشد الهضيبي في المسلسل الاعتراض عليه، وما دلالة اللفظ التى وصلته سوي نقطة في بحر من الحقيقة ضد كل هذا الكم من التطرف اللاإنسانى البغيض.
ورغم استحواذ المسلسل علي أعلى نسبة مشاهدة مستولياً علي مفاصل القنوات التى عرضته بتقطيع إعلانى سريع ومنتقى لا يخلّ مثل غيره بتتابع السرد وتسلسل الوقائع لتُحفر الأحداث البعيدة علي جدران الذاكرة القريبة.. ورغم.. ورغم.. ورغم إلا أنه كان المسلسل الذى لا مكان ولا زمان له الآن من الإعراب.. المسلسل الذى انشغلنا معه بمدى تطابق الشبه، ومهارة الماكيير، والكحل في عيون ناصر، وصحة انتسابه للإخوان، وحضور «سيد» المدنى الوحيد في اجتماعات مجلس قيادة الثورة، وقُبلة النحاس ليد فاروق الذى كتب سيد قطب في مدحه قصيدتين أولاهما عام 38 من سبعة وثلاثين بيتاً، بمناسبة الزواج الملكى، قدم فيها فاروق علي أنه أمل لشعب مصر، والثانية كتبها مقرظاً أصالة مليكه المفدى عام 1947 باعتباره راعى العروبة الأول بمناسبة زيارة الأمير عبدالقادر الجزائرى لمصر وشهادة ذوى القربى والسكرتارية المجروحة، وغضبة الزعامات الناصرية والوفدية الباقية على الخريطة، هذا بينما من تحت السطح الدرامى المرتدي عباءة التاريخ السياسى المغزول بيد المبدع الخبير يتسرب شىء ما!!.. يُحفر أخدود للماء العكر.. تتخلخل مكونات التربة.. تُشحذ طَرقات مسرح العبث إيذاناً برفع الستار.
مسلسل جماعتهم الذى خلع على زينب الغزالي عباءة المناضلة جان دارك وروحانية الأم تريز وشكيمة الشيماء وشجاعة نسيبة بنت كعب، وأضاف للمرشد الساهية الداهية مسوح الراهب الوقور المتبتل بلسان الإفحام والبلاغة وتأصيل مفهوم الخلافة والقضاء علي حاكمية البشر بجميع أنظمتها.. المسلسل الذى يحمل وجهة نظر أصابها الحول لم يهتم السيناريو والحوار كثيرًا بالرد الجاد عليها من الجانب الآخر حتى إنه كمثال عندما طلب عبدالناصر في أحد المشاهد الاطلاع علي مقال سيد قطب «لماذا صرتُ ماسونياً» اكتفت الدراما بمرور الكرام على صفحة المقال من علي بُعد دونما معرفة لمحتواه ولا رأى ناصر فيه بعد الاطلاع رغم أهميته البالغة، ومن هنا وهناك فقد ابتلعت الأحداث نصف الحقيقة لتغدو بعض المطبات مجرد عناوين ومانشيتات!.. المسلسل الذي بغير عمد أو عن عمد قام بزرع الإخوان في موقع الصدارة والمتابعة والحدث والحديث علي مدى شهر كامل ترتفع فيه المشاعر الدينية إلي ذروتها، ليصاحبها فى أحداث الشاشة لقطات موحية تحرص علي تعتيم ما حول المشهد لتزيد من إبرازه ليعلو صوت الجهالة بالجهاد والقضاء علي الطاغوت، ويا سلام على الإسلام وحبكة تنظيم خلايا الإخوان وسماع وطاعة أوامر الأستاذ المرشد التى تهبط من فوق على الأعضاء المسيرين كالفرمان.. المسلسل الذي حرك للأسف الشديد مكامن الرثاء الذى قد يرتفع لمعدل الشفقة بسيد قطب السجين الضئيل المريض الذى يفاجئه السعال المرير ليمزق صدره ليرحمه المحقق لوقت آخر لمتابعة التحقيق الذى يسدد فيه إجاباته الصادمة وأفكاره الظلامية التى نظّرت للجهاد وأصّلت ألفاظ الجاهلية والحاكمية ونسفت فكرة الوطن والمواطنة لتزرع نواة فكر الإرهاب الذى سرى كالنار في الهشيم.. الفكر الذى تستفزه حرية التفكير والإبداع وطرح الأسئلة المعقدة.. فكر يعتبر كل مختلف أو مخالف عدوًا يستحق الاغتيال بالدهس أو الطعن أو الذبح أو النسف والإبادة.. فكر يغتال كل فكرة واعدة وكل نافذة مفتوحة لإعادة الأمة إلي كهوف التاريخ.. فكر لا يعترف بالآخر المختلف ويصر بصلف علي مسح ملامح الآخرين أو قتلهم.. فكر ظلامى كتب عنه نجيب محفوظ حول زيارته لسيد قطب بعد عودته من أمريكا عام 1964 رغم معرفته بخطورة تلك الزيارة وما يمكن أن تسببها له من متاعب أمنية، وكان يعد سيد قطب قبل السفر من رواد الفكر المتحرر والاستنارة لسنوات طويلة، وكان أول ناقد أدبي يلتفت إلى أعماله ويكتب عنها في الأربعينيات: «رأيت أمامى إنساناً آخر حاد الفكر.. متطرف الرأى.. يرى أن المجتمع عاد للجاهلية الأولى، وأنه مجتمع كافر لابد من تقويمه بتطبيق شرع الله انطلاقاً من فكرة الحاكمية ولا حكم إلا لله، وسمعت منه آراء متطرفة دون الدخول معه في جدل أو نقاش، فماذا يفيد الجدل مع رجل وصل إلى تلك المرحلة من الاعتقاد المتعصب»!
ويؤخذ علي المسلسل جريرة ذنب إحياء الفكر القطبي الجهنمى من جديد دونما قصد أو نية لإثراء التوليفة الحامدية، وربط الأحداث الجامدة بطريقة درامية، وذلك عندما يحتل كتاب سيد قطب «معالم علي الطريق» الذى يُعد ميثاقاً للإرهاب والتطرف وكان قد كتبه في نوفمبر 1964 ليُعاد طباعته وقتها خمس مرات، فتسجل الشاشة مراحل كتابته عندما تُظهر سيد قطب جالساً في المستشفي إلى مكتب مجهز بالمراجع والأوراق والأباجورة والفراش المريح، بينما يكذِّب هذا المشهد المفكر رفعت السعيد رئيس حزب التجمع في برنامج «صالة التحرير» للمذيعة الجادة الناجحة عزة مصطفى متذكرًا زيارته لزميله النزيل سيد قطب وجده فيها يكتب فوق منضدة متواضعة بجواره على الأرض.. يأخذ الكتاب النارى الإرهابى والدوران حوله ما يقرب من حلقة كاملة تسجل مراحل التأليف والتهريب ودوران ماكينات الطبع ليمكث العنوان المثير متربعاً علي واجهة الشاشة في لقطات استفزازية من فوق ومن تحت ومن الأمام وبالورب وفي مراحل التجليد والتعبئة حتي تخوفت والله من عملية البحث المثابر للبعض عنه أو تصويره من باب حب الاستطلاع.. أو الاستنطاع.. و.. لا ملامة!
ويدافع المبدع الموسوعة وحيد حامد عن مسلسله مستنفرًا غضوباً لواّماً بحجة حرية التعبير لاصقاً تهمة التربص والتآمر وتشويه العمل الذى يدين الجماعة المحظورة لمخطط جماعة معينة، ربما يكون فيها أيضاً من لم يتابع العمل من أساسه، قد شحذت أظافرها مُسبقاً للنقض الهدام والنقد المغرض مع سبق الإصرار والترصد، ومن دفاعاته الثائرة بأنه علي المشاهد استخلاص المسألة الاجتماعية والوطنية التي يعكسها المسلسل.. الدعوة التى قد يلبيها المشاهد من باب الفضول فيتحسس خطاه بصعوبة في القاعات خافتة الإضاءة عمدًا التى لا تنيرها سوى الهالات النورانية المشعة التي تحيط بالمرشد حسن البنا أينما حلّ وارتحل مماثلة لهالات النور القدسية التي تحيط بالأنبياء والرسل، وعندما يواجه ابن حامد بهذا «الافتراء» يأتى دفاعه بأن قدسية المرشد تلك كانت تنعكس فقط في عيون الحاجة زينب الغزالى!! وما ذنبنا يا أستاذنا الغالي نحن المشاهدين لنشارك الست زينب في رؤيتها المقدسة وتجلياتها الشاطحة ليتأثر من في قلبه مرض أو من علي شفا الإصابة بتلك الهلوسة!.. والكارثة الكبرى أن هناك الكثير من السذج لا يرون أبعد من تحت أقدامهم فما بال ما يتابعونه أمامهم بالصوت والصورة والأداء المتبتل والإيحاء الكهنوتى للمستنسخة بجدارة ومهارة وإتقان صابرين!
ولست أدرى بأى منطق اتسع صدر المسئولين العالمين ببواطن الأمور في منح «الجماعة» الموافقة المرتاحة التي فُتحت بموجبها القصور لتصوير أحداث مسلسلها بين أبهة الصالونات والمكاتب والثريا لإثراء العمل المتقن الذى لفح وجوهنا ثانية بهبوب رياح الإخوان التي قمنا بثورة لترحيلها وتنقية الأجواء منها بعد سنتهم السوداء ومرسيهم وشاطرهم وأوبامهم والخاطف والمخطوف والأبلج واللجج ليتخشب أمام الشاشة المغناطيس بأعلي نسبة مشاهدة جمهور طيب سيبتلع رغم كراهيته للإخوان وتشييعه جنازات الأبناء الشهداء بالآلاف من ضحاياهم ما يأباه التاريخ وتنكره الجغرافيا ويدينه الإسلام الحنيف.. ف..يصعب عليه سى السيد ويلوم قانون كان قلبه قاسى على زينب!
الهدم البطاّل!
إلى متى؟!.. إلى متى؟!.. إلى متى نهد البناء ونقعد نتحسر عليه، وياريت اللي جرى ما كان ولا خطرت فكرته الخايبة على الأذهان، ولا صدر به القرار الأعمى البصر والبصيرة الذى يقوم بإزالة 2225 ملعب خماسى للرياضات المختلفة كرة قدم وسلة الخ.. في جميع محافظات مصر بسبب تعدي مساحاتها على أراضي الدولة!!.. طيب بالله عليكم ما هو حلم الدولة من شغل تلك المساحات أكثر من أن تكون مخصصة لرياضات الشباب الذين يمثلون نصف تعدادها.. ملاعب لبناء أجسامهم وعقولهم وتهذيب سلوكياتهم وملء فراغهم واحتواء فورانهم وحمايتهم من التطرف والتجنيد الإرهابى والوقوع في جب الإدمان والمخدرات والتحرش والإلحاد وشاشات التواصل التخريبي، بل وقد يكون من بينهم نواة لحسام حسن وأحمد فتحى ومحمد صلاح وحسن شحاتة، ولو أن متوسط عدد المشاركين في كل رياضة 20 شاباً علي مدى 10 ساعات يومياً أى 240 لاعباً، إذًا هناك ما يقرب من نصف مليون شاب يستفيدون يومياً من تلك الملاعب التي يبلغ تكاليف الواحد منها مئات الألوف من الجنيهات، فإلى جانب الأرضية الأسمنتية والبنايات المرافقة والملاعب المغلقة والنجيل الصناعى «الترتان» هناك الأسوار والأنوار والأدوات الرياضية والحراسات وأطقم التدريب والعمال الخ.. وعلي فين العزم يا بورسعيدى؟ عندى مباراة.. وكنت فين يا شرقاوى؟ راجع من التمرين.. وعاش من شافك يا طهطاوى؟ الفريق رايح المنتخب.. و..كل هؤلاء الأبناء مع قرار الإزالة عودة محبطة للطريق.. لليالي الكوبيا.. للهالات السوداء.. للتطاول.. للإدمان.. للسلاح الأبيض.. للإرهاب.. لمركب هجرة يبتلعه اليم.. لأجواء معارك الطلاق بالثلاثة.. للعب بالبيضة والحجر.. والسؤال الذى يطرح نفسه الآن بشأن الملاعب المزمع إزالتها.. أليس هناك من رجل حكيم ذو رأى سديد له دلال علي بتوع القرار يفهمهم ينورهم يوعيهم يفطنهم بأمر الأرضية الأسمنتية لتلك الملاعب التي لن تصلح للزراعة، وأنها مساحات مهدرة هى والصحراء الجرداء سواء، ستغدو من بعد فعلتهم النكراء مرتعاً للخفافيش وأكياس البلاستيك الملوثة بمقالب قمامتها وغربانها وكلابها المسعورة.. و..لماذا لا تبقي علي حالها ويتم العمل بها تحت إشراف ومشاركة الدولة بدلا من مسألة موضة الهدم عمّال علي بطاّل.. وكنت فين يا على؟!!!
خمسمية.. خمسمية
هل سمعتم من قبل بأرقام تُغنى وكأنها سيمفونية عشق وابتهال ودعوة لمغفرة وإحسان؟!!.. إنه صوت أصالة الصادح الطاغى المتفرد الدافئ الحنون عندما تغنى «خمسمية.. خمسمية» وهو رقم حساب إيداع تبرعك لمستشفي سرطان الأطفال.. لقد أدمنت الإعلان حتى خفت من شدة ولعي به السهو عن الهدف منه، إلا أننى اعتبرته بمثابة أبلغ اعتذار يمسح ما قد أصابنا من كآبة وكدر طوال شهر رمضان المبارك من جراء الهجمة الإعلانية، التي طاردتنا علي جميع القنوات من بعد صلاة الفجر إلي ما بعد التراويح لتُرهبنا بهاجس تفشي السرطنة في عموم بر مصر، وتقوم بتشتيت اتجاهاتنا في أمر أحد أركان ديننا الحنيف الخمس وهو الزكاة، وتأتى بتأثير عكسى يشحذ فينا نقيصة الزرجنة إلي مشارف الرفض.. ولا يدوم سوى «خمسمية خمسمية» لأصالة التي تعرضت أخيرًا لمحنة الزج بها في مكيدة مخدرات خرجت منها أصيلة من غير سوء وخمسمية وفوقهم خمسمية مليون سلامة..
لمزيد من مقالات سناء البيسى;


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.