فاجأني الموت مرات عدة في الأيام الأخيرة باختطاف أرواح عدد ممن أعرف، دون سابق رسول أو إنذار، بعضهم في ريعان شبابه، وبعضهم الآخر من غير علة. وهذا ما يجعلني أقول: تخيَّل أن هذا اليوم آخر يوم لك في الحياة.. هل ستشعر بالرضا عن نفسك، وعملك؟ وهل استعددت للموت حقا؟ وكيف؟ لقد دعانا الله تعالى للاستعداد للموت فقال: "قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون"؟.(الجمعة: 8). وقال: "أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِككُّمُ المَوْتُ وَلَو كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ".(النساء:78). وقال: "فَإِذَا جَاء أَجَلُهُمْ لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ". (النحل:61). وقال: "كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ مَتَاعُ الْغُرُورِ".(آل عمران:185 ﴾. وداعيا للاستعداد المبكر للموت، قال أبو الدرداء، رضي الله عنه، وهو يحتضر: "ألا رجل يعمل لمثل مصرعي هذا؟ ألا رجل يعمل لمثل ساعتي هذه؟ ألا رجل يعمل لمثل يومي هذا؟".. ثم بكى، فقالت له امرأته: أتبكي، وقد صاحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "ومالي لا أبكي، ولا أدري: علام أهجم من ذنوبي؟". لقد ذكر الله كيفية خلق الإنسان عبر أطوار مختلفة، بدأت من تراب ثم من نطفة، ومرت بمرحلة الخصوبة والزوجية، ثم اختتمت بعمر طويل، أو قصير.. ذلك كله إنما يجري بعلمه تعالى "فِي كِتَابٍ". فقال سبحانه: "وَاللَّهُ خَلَقَكُم مِّن تُرَابٍ ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ ثُمَّ جَعَلَكُمْ أَزْوَاجًا ۚ وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنثَىٰ وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ ۚ وَمَا يُعَمَّرُ مِن مُّعَمَّرٍ وَلَا يُنقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ ۚ إِنَّ ذَٰلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ". (فاطر: 11). وسمَّى الله الموت "مصيبة"، فقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ". (المائدة: 106)، إلا أن المصيبة الأكبر هي الغفلة عن الاستعداد للموت. ولو كان هناك من له قدر عند الله فيخلده في الدنيا، لكان النبي، صلى الله عليه وسلم، أولى الناس بذلك، لكن الله تعالى، قال له: "إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ".(الزمر: 30). وقال له: "وَ مَاْ جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الخُلْدَ أَفَإِنْ مِّتَّ فَهُمُ الخَاْلِدُونَ". (الأنبياء:34). وقال علي، رضي الله عنه: "لو أنَّ أحداً يجد إلى البقاء سلَّماً أو لدفع الموت سبيلاً لكان ذلك سليمان ابن داود عليه السلام، الذي سُخرَّ له مُلك الجنّ والإنس مع النبوة، فلما استكمل أجله؛ جاءته نبال الموت، فأخذته فأصبحت الديار منه خالية، والمساكن معطلة". قال الله: "فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيِهِ المَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إلا دَابَّةُ الأَرْضِ تَأكُلُ مِنسَأتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الجِنُّ أن لَو كَانُوا يَعْلَمُونَ الغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي العَذَابِ المُهِينِ".(سبأ:14). إن الذي يعيش مترقباً للنهاية يعيش مستعداً لها، ولا يندم بعدها عند الموت. قال تعالى: "أَوَ لَمْ نُعَمِّرْكُم مَا يَتَذَكَّرُ فِيْهِ مِنْ تَذَكَّرُ وَجَاءْكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلِظَالِمينَ مِنْ نَصِيرٍ".(فاطر:37). قيل لبعض الزهَّاد: "ما أبلغ العظات؟. قال: "النظر إلى مَحِلة الأموات". وقال آخر: "من لم يردعه القرآن، والموت.. لم يرتدع، ولو تناطحت الجبال بين يديه". ويوم الجنائز هو يوم راحة المؤمن. عَنْ أَبِي قَتَادَةَ بْنِ رِبْعِيٍّ الْأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ كَانَ يُحَدِّثُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، مُرَّ عَلَيْهِ بِجِنَازَةٍ، فَقَالَ: مُسْتَرِيحٌ وَمُسْتَرَاحٌ مِنْهُ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ: مَا الْمُسْتَرِيحُ وَالْمُسْتَرَاحُ مِنْهُ؟ قَالَ: الْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ يَسْتَرِيحُ مِنْ نَصَبِ الدُّنْيَا وَأَذَاهَا إِلَى رَحْمَةِ اللَّهِ، وَالْعَبْدُ الْفَاجِرُ يَسْتَرِيحُ مِنْهُ الْعِبَادُ وَالْبِلَادُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ".(رواه البخاري ومسلم). على العبد أيضا تأمل سكرات الموت. فعنْ عَائِشَةَ، رَضِي اللَّه عَنْهَا، كَانَتْ تَقُولُ: "إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ، صلى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ رَكْوَةٌ أَوْ عُلْبَةٌ فِيهَا مَاءٌ (يَشُكُّ عُمَرُ) فَجَعَلَ يُدْخِلُ يَدَيْهِ فِي الْمَاءِ فَيَمْسَحُ بِهِمَا وَجْهَهُ، وَيَقُولُ: "لا إِلَهَ إِلّا اللَّهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ سَكَرَاتٍ".(البخاري). وكان، صلى الله عليه وسلم، يقول، أيضا، عند موته: "اللهم أعني على سكرات الموت". أما عمر فكان، رضي الله عنه، يقول: "كل يوم يقولون: مات فلان، ومات فلان، وسيأتي يوم، وسيقولون: "مات عمر". بالفعل: مات عمر.. شهيدا.. بطعنة داخل المسجد، في الصلاة. أما أبو الدرداء فكان يقول: "إذا ذُكر الموتى فعُدَّ نفسك منهم". إن علينا الاستعداد للموت، لا سيما "موت الفجأة"، الذي هو إحدى علامات قيام الساعة. وبداية ذلك، إحسان النية. عَنْ جَابِرٍ، رضي الله عنه، قَالَ: "سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: يُبْعَثُ كُلُّ عَبْدٍ عَلَى مَا مَاتَ عَلَيْهِ".(رواه مسلم). وأخيرا، كان من دعاء الصالحين: "اللهم اجعل خير عمري آخره، وخير عملي خواتيمه، وخير أيامي يوم ألقاك". [email protected] لمزيد من مقالات عبدالرحمن سعد;