أكتب إليكم عن أبي الحبيب الذي وافته المنية منذ أيام, وأعرف أنني مهما قلت فلن أوفيه حقه أبدا.. لقد كان استاذا بكلية الطب ورجلا فاضلا وأبا رائعا, نعم كان لاذعا في نقده, لكن من عرفه عن قرب أدرك أن بداخله قلبا طيبا. وكان رحمه الله عطوفا وكريما فلم يبخل علينا بشيء, كنا نتجادل كثيرا, لكنه كان يترك لنا حرية الرأي والاختيار, كان دائما شغوفا بالعلم, وظل يقرأ في الطب حتي أخر لحظات حياته. تعلمت منه أن أتمسك دائما بالأمل حتي اللحظة الأخيرة وأن أفعل كل مافي وسعي لأصل الي هدفي, كان يتمتع بحس كوميدي لدرجة إنه كان يبكينا من كثرة الضحك, حتي أنه في أيامه الأخيرة كان يضحكنا, لقد عاني أبي علي مدي سنوات من مرض الكبد اللعين, كنا نستيقظ علي صوت صراخه ليلا من ألم التقلصات العضلية المصاحبة للمرض, وكان يصر علي الذهاب الي عمله وهو بحالة يرثي لها وجاءت علي لحظات تمنيت له الموت ليرحمه الله من آلامه, ومات أبي مبطونا ونحسبه عند الله شهيدا, ولا أصدق الي هذه اللحظة أنه مات فمازالت روحه تعيش بيننا.. إني والله راضية بقضاء الله, بل أحيانا أحس بأن لست في محنة, لأنني أشعر بأن ما حدث رحمة من ربي علينا لكنه الفراق الذي أدمي قلبي, كم أشعر أن هناك فجوة عميقة في قلبي, وكأن فقدت نور حياتي, لكن عزائي أنه بين يدي الرحمن الذي هو أحن عليه منا. يرحمك الله يا أبي, كم أنا أحبك الي حد الألم, أعرف أنني لم أكن أبوح بمشاعري تجاهك, ذاك أني كنت أشعر بأن كل كلام الحب لا يكفيك, كم أنا فخورة بأنني ابنتك وأدعو الله أن يكرمني بلقائك في الفردوس الأعلي. ورسالتي إلي الأبناء والبنات, أوصيكم بآبائكم, فهم قيمة لا يمكن تعويضها بأي ثمن.. وأخيرا أسألكم الدعاء لأبي ولأموات المسلمين جميعا بالرحمة والمغفرة وجزاكم الله عنا كل خير. {.. وأقول للدكتورة هبة الله مصطفي كاتبة هذه الرسالة: رحم الله أباك رحمة واسعة وأرجو أن تكون كلماتك باعثا للأبناء لاحترام آبائهم والتواصل معهم والسعي لنيل رضاهم.