تتميز سمات المسلم بمراعاة القيم والالتزام بضوابط الأخلاق، وهي تنشأ لديه مع الاعتقاد باطلاع الله تعالى على الظاهر والباطن والإيمان بقضية الحساب على الصغير والكبير من الأفعال والأقوال، وتتفاعل معه في شتى أنواع المعاملات، وتسري في العبادات سريان الماء في العود الأخضر. ولا ريب فإن عبادة الصيام من أجمع العبادات التي اشتملت على مكارم الأخلاق، كمراقبة الله تعالى، وانضباط الباطن كما هو في الظاهر، والحلم، والعدل، والصبر على المتاعب، والعفو والصفح،وحسن المعاملة، وجميل العِشرة، والوقار، والأمانة، وإتقان العمل، فإن المسلم مطالب في حال صومه بالامتناع عن تناول جميع المفطرات بنية التقرب إلى الله تعالى من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، كما هو مطالب أيضًا بالإمساك عن الأخلاق السيئة والسلوكيات المذمومة وضبط متطلبات النفس البشرية، فإن لم يتحقق بذلك كله فقد نقص أجر صيامه وتعرض لسخط ربه وترك قبوله منه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: من لم يدع قولَ الزور والعملَ به والجهلَ، فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الصيام ليس من الأكل والشرب فقط، إنما الصيام من اللغو والرفث، فإن سابك أحد، أو جهل عليك، فقل إني صائم.لكن الملاحظ أن همم كثير من المسلمين قد تفتر بعد انقضاء شهر رمضان ولا ينتبهون إلى حكمة الله تعالى من اختصاصه لبعض الأزمان الفاضلة بالنفحات ومزيد الفضل، حيث ينبغي على المسلم أن يتخذ من هذه المناسبات المباركة والمواسم الكريمة منطلقا لقوة يقينه ورسوخ إيمانه والمداومة على التزكية لنفسه وتهذيب حاجاته وضبط رغباته وشهواته وإعلاء شأن الأخلاق والقيم؛ لأن ذلك كما هو مطلوب في شهر رمضان مطلوب أيضًا في غيره من الشهور وعلى مر الأوقات عبر العُمُر حتى يتحقق المقصد الأعلى بتقوى ومراقبة الله تعالى وهجر ما نهى الله عنه. إن المسلم الحق لا يمل من الطاعة والمداومة عليها وإن قلَّتْ، ولا يعقب الصالحات بسيئات الأقوال ومنكرات الأخلاق، بل يواصل الخير بالخير والحسنات بالحسنات؛ لأنه ينبغي لمن يريد التقوى أن يسارع في الكمال وبلوغ المحاسن والرتب العالية وفق استطاعته وعلى قدره، فعن عائشة رضي الله عنها، في وصف شأن عمل النبي صلى الله عليه وسلم: كان أحب الدين إليه ما داوم عليه صاحبه، وتتجلى الحكمة من ذلك - كما أفاد ابن الجوزي- في معنيين: أولهما: أن التارك للعمل بعد الدخول فيه كالمعرض بعد الوصل فهو متعرض للذم، وثانيهما: أن مداوم الخير ملازم للخدمة وليس من لازم الباب في كل يوم وقتا ما كمن لازم يوما كاملا ثم انقطع. هذه المقاصد الجليلة تكشف عن أن أصل شريعة الإسلام يتجلى في إكمال ما تحتاجه البشرية من محاسن الأخلاق في نفوسهم ومكارم القيم على مدي حياتهم وفي مختلف مواقفهم، وقد أشار إلى ذلك صلى الله عليه وسلم بقوله الكريم:إنما بعثت لأتمم صالح الأخلاق، وهي مجموعة في قوله عز وجل: (إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون)[النحل: 90]. وعلى المسلم المخلص لدينه ووطنه أن يتذكر أنه لن ينقطع الصوم والأعمال الصالحات بعد انقضاء رمضان ولن ينتهي ثوابها، فهناك موجبات الأخلاق وفرائض الصلوات ونوافل الطاعات وأنواع الخير والبر وألوان الصالحات، وهي مطلوبة على الدوام، مما يستوجب من المسلم أن يسير عليها في حياته ويحافظ على المداومة على فعلها مع الاستقامة حتى يحصل التحقق مظهرًا ومخبرا بمعالم حملة الرسالة الخالدة الذين أجزل الله لهم العطاء والأجر في قوله: (إنَّ الَذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ)[فصلت 30]. لمزيد من مقالات د. شوقى علام مفتى الجمهورية