في الوقت الذي أعلنت فيه قطر أنها تدرس قائمة مطالب الدول الأربع السعودية ومصر والإمارات والبحرين, بما يعكس توجها قطريا نحو المرونة والتراجع والرغبة في حل الأزمة, نجدها في المقابل تنحاز لخيار التحدي عبر المراهنة علي مواقف الأطراف الإقليمية والدولية وعلي رأسها تركياوإيرانوالولاياتالمتحدة، بما يشير إلي تضاؤل فرص انتهاء الأزمة قريبا. فالدول الثلاث أمريكاوتركياوإيران لديها حسابات خاصة وراء مواقفها من الأزمة القطرية تعكس أهداف هذه الدول في توظيف الأزمة لخدمة مصالحها وأهدافها السياسية. فالموقف الأمريكي الذي يتباين ما بين منهج التشدد والضغط علي قطر لوقف دعمها الإرهاب والاستجابة لمطالب الدول المقاطعة والذي يعبر عنه الرئيس دونالد ترامب، وما بين منهج التوافق ومحاولة التهدئة لتخفيف حدة الأزمة، والذي يعكسه وزير الخارجية ريكس تتلرسون, يجسد الإطار العام الحاكم للسياسة الخارجية الأمريكية دائما وهو محاولة التوافق بين اعتبارات البرجماتية والمصلحة وبين نظرية تتعدد الأدوار والخطاب السياسي لضمان المصالح الأمريكية مع كل الأطراف، فهناك مصالح أمريكية اقتصادية وعسكرية قوية مع قطر تتمثل في حجم الاستثمارات القطرية الضخمة في الولاياتالمتحدة والوجود العسكري الأمريكي الأكبر في المنطقة في قاعدتي العيديد والسيلية واللتين لعبتا دورا مهما في حربي الخليج الأولي والثانية ودعم عمليات التحالف الدولي في الحرب علي الإرهاب في العراق وسوريا. وفي المقابل هناك مصالح قوية اقتصادية وعسكرية تربط الولاياتالمتحدة بالدول الأربع المقاطعة ولذلك ينحاز الموقف الأمريكي لإيجاد حالة من التوافق تنهي الأزمة سلميا وإعادة التفاوض حول المطالب الثلاثة عشر التي قدمتها الدول الأربع من أجل إنهاء الأزمة, وفي ذات الوقت الحفاظ علي المصالح الأمريكية مع أطراف الأزمة وضمان نفوذها في المنطقة, لكن إذا لم تستجب قطر لحل الأزمة والتجاوب مع مطالب الدول الأربع فإن الولايات لمتحدة قد تجد نفسها مضطرة في نهاية المطاف للاختيار ما بين الانحياز إما لقطر أو للدول الأربع، ووفقا لاعتبارات المصلحة فإن الإدارة الأمريكية سوف تنحاز للاصطفاف مع السعودية ومصر والإمارات والبحرين. في المقابل، فإن الموقفين التركي والإيراني اللذين اختارا الانحياز تماما للموقف القطري تحكمهما حسابات وأهداف سياسية لكلا البلدين, ويسعيان لتوظيف الأزمة لتعظيم دورهما الإقليمي، فالموقف التركي الرافض لما يعتبره بالإجراءات غير القانونية ضد قطر، كما عكسته تصريحات رجب طيب أردوغان، وأرسلت أنقرة تعزيزات عسكرية للقاعدة التركية في الدوحة, يسعي بكل الطرق إلي إنقاذ النظام القطري من الاتهامات الدامغة له بدعم الإرهاب والتنظيمات الإرهابية واستضافة عناصرها وقادتها، حيث أن تركيا تقف في موقف مشابه للنظام القطري من حيث علاقتها بالعديد من التنظيمات الإرهابية المتشددة مثل داعش وجبهة النصرة وجماعة الإخوان المسلمين, ولديها تشابكات عديدة في المنطقة وتتخذ مواقف معاديا من مصر بعد ثورة 30 يونيو ودعم الإخوان المسلمين، وبالتالي فإن استجابة قطر للمطالب الخليجية والعربية، سيكون هزيمة كبيرة للجانب التركي ويضعه في المحطة القادمة من جانب التوجه الإقليمي والدولي الذي يتخذ مواقف حازمة ضد الدول الراعية والداعمة للإرهاب, والذي كان أبرز نتائج القمة الإسلامية الأمريكية التي عقدت بالرياض الشهر الماضي. ومن هنا تستميت أنقرة في الدفاع عن قطرها وتحريضها علي اتخاذ مواقف متشدد وخيار التحدي. أما بالنسبة لإيران فقد انحازت أيضا للموقف القطري, وسعت عبر المدخل الإنساني وإبداء تقديم المساعدات الغذائية وفتح أجوائها أمام الطائرات القطرية، إلي جذب قطر لمعسكرها وإحداث شقوق في الصف الخليجي، وكسر حالة العزلة والحصار عليها، نتيجة للعقوبات الدولية والإقليمية بسبب دعمها للإرهاب وبرنامجها للصواريخ الباليستية. كما أن الدعم الإيرانيلقطر كشف عن حجم العلاقات القوية بين الطرفين خلال السنوات الماضية في إعادة رسم التفاعلات في المنطقة وتوظيف الربيع العربي لتعظيم دورهما الإقليمي عبر استخدام التنظيمات الإرهابية وجماعات الإسلام السياسي المتشددة كأدوات لتحقيق هذا الهدف وتقويض المؤسسات الوطنية للدول العربية. ورغم التناقضات الإيديولوجية ما بين إيران الشيعية وقطر السنية، إلا أن المصلحة المشتركة قد جمعت بينهما في مناوأة أدوار الدول الإقليمية الكبري مثل مصر والسعودية, كما يجمع البلدين مبدأ التقية, وهو الظهور أمام المجتمع الدولي بمظهر المحارب للإرهاب, وفي ذات الوقت دعم التنظيمات الإرهابية سياسيا وعسكريا ولوجستيا وماليا من أجل التنازع علي قيادة الإقليم. رهان النظام القطري علي مواقف الدول الثلاث ومحاولة الظهور بمنطق المظلومية واللعب علي وتر السيادة في التعامل مع المطالب الخليجية والمصرية يعني أن قطر اختارت الانحياز لسياسة التحدي والمماطلة وإطالة أمد الأزمة، لكن هذا الرهان خاسر لاعتبارات براجماتية تتجسد في صعوبة أن تضحي تركيا بمصالحها الضخمة مع السعودية والإمارات, كما أن تقارب قطر مع إيران، يعني خيار الانتحار وتجاوز الخطوط الحمراء, في ظل اعتبار إيران الراعي الأول للإرهاب في المنطقة وتهديدها للأمن القومي للدول الخليجية والعربية, وهذا يعني أن الخيار القطري في توظيف المواقف الإقليمية والدولية للاستمرار في موقفها سيكون ذا تكلفة سياسية واقتصادية عالية لن يستطيع النظام القطري تحملها علي المدي المتوسط. لمزيد من مقالات د. أحمد سيد أحمد