مع إشراقة أول يوم من شوال، عاد السرور على القلوب، وعادت البركات والخيرات بعودة العيد، لكثرة عوائد الله تعالى فيه على خلقه بأن بلغهم رمضان وأتم عليهم النعمة، وأعانهم على إتمام ركن من أركان الإسلام، فتوج شهر الصيام بالعيد، وأجزل لهم العطايا والمنح لعباده الصالحين، فخرجوا، بالأمس، مكبرين تعظيماً لله، وبرهانا على ما في قلوبهم من محبته وشكره. فماذا نحن فاعلون بعد أن مضى الشهر الفضيل بصلاة وقيام وذكر ودعاء؟ وهل يكون دفعة قوية لنا لمواصلة العبادة على مر العام إلى رمضان المقبل؟ أم نعود إلى المعاصى بعد انقضاء الشهر الكريم؟ علماء الدين يطالبون بالاستفادة من دروس الصيام، والمداومة على فعل الطاعات، والمحافظة على الآداب والأخلاق الجميلة، والكرم والعفاف والستر والابتسامة والتزاور، والعمل الصالح، والتواصي بالتسامح والسلام والعفو عمن أخطأ أو ظلم أو قصَّر في الحقوق والواجبات من البعيد والقريب. وأوضح العلماء أن رب رمضان هو رب شوال، وأنه يجب المحافظة على صلاة الجماعة في المسجد سواء في رمضان أو غير رمضان، وإتباع سنن النبي، صلى الله عليه وسلم، والمحافظة بعد رمضان على ما كنا عليه في هذا الشهر الكريم، الذي ولى وانقضى ورحل عنا، ونطلب منه أن يبلغنا رمضان أعواما عديدة. والتطوع بصيام السنن المؤكدة بعد انقضاء شهر الصيام. ويقول الدكتور مختار مرزوق عبد الرحيم، عميد كلية أصول الدين بأسيوط السابق، إنه لا ينبغي التهاون أو التقصير في العبادة، أو العودة إلى المعاصي بعد رمضان، بل على المسلم أن يداوم على هذه الطاعات بالاستمرار في الذهاب للمسجد وصوم النوافل، والثبات على شرع الله، والاستقامة على دينه، فيعبد الله لأنه يراه في أي وقت وأي زمان، فالعبادة لله لا ترتبط بأزمنة أو بأمكنة، بل يعلم أن ربّ رمضان هو ربّ بقية الشهور والأيام فقال تعالى: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَك..). صيام التطوع وفي سياق متصل يقول الدكتور عبدالفتاح محمود إدريس، أستاذ الفقه المقارن، إن صيام التطوع هدية من الله عز وجل لعباده، ويستحب التطوع بصيام ستة أيام من شهر شوال، وتسع من ذي الحجة والمحرم وشعبان، والاثنين والخميس من كل أسبوع، وأيام البيض: وهي أيام الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من كل شهر قمري، وأفضل التطوع صوم يوم وإفطار يوم، أما استحباب صيام ست من شوال: فلحديث أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: « من صام رمضان وأتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر». وكذلك صيام تسع من ذي الحجة، لما روي عن حفصة، رضي الله عنها، قالت: « أربع لم يكن يدعهن رسول الله صلى الله عليه وسلم: صيام عاشوراء، والعشر، وثلاثة أيام من كل شهر، والركعتين قبل الغداة «. وأضاف: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم، سئل أي الصيام بعد رمضان أفضل؟، فقال: شهر الله المحرم «، وأكد أيام صومه يوم عاشوراء، لما ورد فيه من الأحاديث الثابتة عن جماعة من الصحابة، أنه صلى الله عليه وسلم صامه وأمر بصيامه، ثم قال: هذا يوم عاشوراء ولم يكتب عليكم صيامه وأنا صائم، فمن شاء صام ومن شاء فليفطر «، ولما أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بصيامه قالوا: يا رسول الله إنه يوم يعظمه اليهود والنصارى، فقال: « إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا التاسع، فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم». وأشار، إلى أن النبي، صلى الله عليه وسلم، صام شهر شعبان لحديث أم سلمة رضي الله عنها:»أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن يصوم من السنة شهرا تاما إلا شعبان يصل به رمضان «، وأما صوم الاثنين والخميس من كل أسبوع فلما روي عن عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم « كان يتحرى صيام الاثنين والخميس «. من جانبه أشار الشيخ إبراهيم حافظ، من علماء الأزهر، إلى أهمية الاستغفار عقب أداء الطاعات، وصيامنا هذا يحتاج إلى استغفار نافع وعمل صالح شافع، وكم جرحنا صيامنا بسهام الكلام، وكان بعض السلف إذا صلى استغفر الله من تقصيره فيها كما يستغفر المذنب من ذنبه، وإذا كان هذا حال المحسنين، فكيف حالنا نحن المسيئين المقصرين؟ وأنفع الاستغفار ما قرنته التوبة، وهي حل عقدة الإصرار على الذنب. فمن استغفر الله بلسانه وقلبه فيه إصرار على المعصية، وعزمه على أن يرجع إلى المعاصي بعد رمضان، فصومه عليه مردود، وباب القبول عنه مسدود، ومن هنا صيام السنن بعد رمضان يجعلنا نعيش في ذكرى طيبة قضيناها خلال شهر رمضان، لأن هناك من جرح هذا الصيام، ومن هنا جاءت أهمية صيام السنة بعد انقضاء شهر رمضان، لنلحق الأعمال الصالحة بالتوبة والمغفرة. لقول الله تعالى: (فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب).