وافق مجلس النواب أخيرا على مشروع القانون الذى تقدمت به الحكومة والخاص بتعديل بعض أحكام قانون الضريبة على الدخل والأخذ بنظام الرد الضريبى مع زيادة الشريحة الأولى المعفاة من 6500 جنيه الى 7200. وذلك بحجة تحقيق العدالة الاجتماعية. وعلى الرغم من اهمية هذا الموضوع وضرورته الا ان التعديل المشار اليه لم يتناول جوهر الخلل فى الوضع الراهن لضريبة الرواتب والاجور والذى يعانى من تشوهات عديدة ابرزها عدم العدالة كما سنوضح فيما بعد فمن المعروف ان اى نظام ضريبى كفء يجب ان يراعى العدالة بين الممولين وهو ما ذهب اليه دستور 2014 فى مادته رقم 38. حين اشار الى ان هدف النظام الضريبى هو العدالة الاجتماعية وهو ماذهبت اليه المحكمة الدستورية حين نصت على ان الضريبة هى فريضة مالية تقتضيها الدولة جبرا من المكلفين بها. وهى بكل صورها تمثل عبئا ماليا عليهم. ويتعين تبعا لذلك وبالنظر الى وطأتها وخطورة تكلفتها. ان يكون العدل من منظور اجتماعى مهيمنا عليها. بمختلف صورها ومحددا لشروط اقتضائها.نائيا عن التميز بينها دون مسوغ. لذا تعد العدالة هى الضابط الاساسى لاقرار الضرائب وهنا يرى خبراء الاقتصاد وعلى رأسهم أدم سميت ان النظام الضريبى الجيد يجب ان يتسم بعدة سمات اساسية يأتى على رأسها العدالة اى تساوى عبء الضريبة على جميع دافعى الضرائب وبحسب طاقة الفرد على الدفع. وهنا يدور الحديث عن نوعين من العدالة. العدالة الرأسية بما يعنى دفع الضرائب بناء على قدرة الفرد. فهى تفترض ان الاشخاص ذوى الظروف المتمايزة فى القدرة على الدفع يجب ان يدفعوا مقادير مختلفة من الضرائب. والعدالة الأفقية وتفترض ان الافراد ذوى المقدار المتساوى من القدرة على الدفع يتحملون اعباء ضريبية متساوية أى المعاملة المتساوية لذوى الظروف الاقتصادية. وهنا تشير الإحصاءات الى أن هناك زيادة مستمرة فى اعتماد النظام الضريبى المصرى على ضريبة الاجور، والرواتب ولذلك نلحظ ان معدل الزيادة فى الحصيلة من هذا النوع تزيد عن معدل زيادة الحصيلة الضريبية ذاتها إذ وصل هذا المعدل الى 20.4% عام 2014/2015 ونحو 19.5% عام 2015/2016 مقابل معدل زيادة فى الحصيلة ككل وصل الى 17.5% و15.2% خلال العامين المذكورين ولذلك زادت نسبتها من اجمالى الحصيلة من 6% عام 2001/2002 الى 6.7% عام 2009/2010 ثم الى 9.1% ختامى 2015/2016 وذلك على العكس من الانواع الضريبية الاخرى خاصة المهن الحرة وهو الخلل الاساسى فى النظام الراهن يضاف الى ما سبق الخلل داخل هذا النوع من الضرائب فمن بين نحو 15.5 مليون يعملون باجر منهم نحو 11 مليونا يعملون داخل الحكومة والقطاع الخاص المنظم. توجد اختلافات عديدة فى النظم الاجرية ومن ثم المعاملة الضريبية. حيث يخضع البعض من العاملين بالدولة الى قوانين مختلفة. بينما يخضع البعض الاخر من العاملين بالدولة الى قانون الخدمة المدنية وثالثهما العاملون لدى القطاع الخاص ناهيك عن اعفاء دخول بعض الفئات خاصة اعضاء البرلمان المصرى وفقا للائحة الداخلية للمجلس الصادرة بالقانون رقم (1) لسنة 2016 وطبقا لذلك توجد انواع معاملة ضريبية مختلفة لمكتسبى الاجور وهو مايشير الى عدم مراعاة المقدرة التكليفية للممول والاختلال الكبير فى المعاملة الضريبية بين متحصلى نفس الاجر. وهنا تجدر الإشارة الى ان العبء الضريبى للرواتب والاجور يختلف كثيرا عن الاسعار المحددة بالشرائح المنصوص عليها فى القانون. وذلك لان القانون قد أعفى العديد من الإيرادات من الخضوع لهذه الضريبة. فهناك إيرادات غير خاضعة للضريبة (وهى المعاشات ومكافأة ترك الخدمة ومقابل الإجازات) فضلا عن حصة العاملين من الارباح التى تقرر توزيعها طبقا للقانون. وكذلك المزايا العينية الجماعية. يضاف الى ماسبق الإعفاء الشخصى لمبلغ 7000 جنيه سنويا فضلا عن اشتراكات العاملين فى صناديق التأمين الخاصة واقساط التأمين على الحياة والتأمين الصحى على الممول لمصلحته او مصلحة زوجته او اولاده القصر واية أقساط تأمين لاستحقاق المعاش، بشرط الاتزيد جملة هذه المبالغ عن 15% من صافى الايراد او ثلاثة الاف جنيه ايهما اكبر. ناهيك عن مبلغ 6500 جنيه الشريحة المعفاة. وهناك إعفاءات من هذه الضريبة يخضع لها البعض وليس الكل وهى الإعفاءات المقررة بقوانين خاصة مثل العلاوات الخاصة. (المضمومة الى المرتب الاساسى وغير المضمومة). والعلاوات الاجتماعية والاضافية والبدلات المعفاة بقوانين خاصة..الخ. وهنا نلحظ ان هذه الضريبة ميزة بين العاملين فى القطاع الحكومى والعام. وبين العاملين بالقطاع الخاص، لان العلاوات الخاصة والتى تشكل نحو 345% من الراتب الاساسى فى نهاية يونيو 2013. للموظف الحكومى معفاة من الضرائب. قبل ان يتم الغاء هذا الإعفاء فى العلاوات التى قررت بعد ذلك التاريخ. وهو مالايتمتع به العاملون بالقطاع الخاص. وعلى الجانب الآخر فان من اهم ماجاء به قانون الخدمة المدنية رقم 81 لسنة 2016 هو إصلاح هيكل الأجور بالنسبة للخاضعين له حيث تم تعديل هذا الهيكل ليصبح الاجر الوظيفى والاجر المكمل. وهو ما يعنى ضم كل من العلاوات الاجتماعية والعلاوات الخاصة الى الأجر الوظيفى، وبالتالى إلغاء الإعفاء الذى كانت تتمتع به واصبحت ضمن الوعاء الضريبي. وبعبارة اخرى فان هؤلاء بمقتضى هذا القانون يدفعون ضرائب اكثر من زملائهم غير الخاضعين للقانون. وهذا خلل جوهرى كنا نتمنى ان يعالج فى المشروع الاخير الذى وافق عليه البرلمان فى هذا السياق ورغم بعض الإيجابيات التى جاء بها هذا التعديل. حيث قام برفع الشريحة الاولى المعفاة من 6500 جنيه سنويا الى 7200 جنيه. إلا اننا نتساءل لماذا الاقتصار على هذا الرقم فقد كان من الافضل رفع هذا المبلغ الى 7400 جنيه. فاذا ما اضفنا اليه الإعفاء الشخصى (وفقا للمادة 13) نصل الى الحد الادنى للاجور وهو 14400 جنيه سنويا (1200 جنيه شهريا) مع ملاحظة ان الإعفاء الشخصى لهذا النوع لا يرجع فقط لرغبة الحكومات المختلفة فى مراعاة الابعاد الاجتماعية. وهو امر مطلوب . ولكنه يرجع بالأساس الى سهولة تحصيل هذه الضريبة وضآلة تكاليف الحصول عليها مقارنة بالأنواع الاخرى. ولكن على الجانب الآخر مازال هذا الوضع ظالما كثيرا للطبقة الوسطى من متحصلى الأجور والرواتب حيث إن اعلى شريحة تصل الى 200 الف جنيه سنويا وهو ما يشكل الدخل الاساسى لمعظم شرائح الطبقة المتوسطة العاملة بأجر. وهكذا يجب ان يعمل النظام على التوسع فى هذه الشرائح ولا يضغط على شرائح الطبقة الوسطى وإلقاء لمزيد من الأعباء عليها. لمزيد من مقالات عبد الفتاح الجبالى