يظل التساؤل عن دافعى الضرائب فى مصر يثير العديد من الحوارات والنقاشات ويحتاج الى المزيد من الايضاح والتفصيل. خاصة إن السياسة الضريبية قد شهدت العديد من التغييرات الجوهرية على مدى الحقب الماضية. حيث سعى خلالها المشرع إلى الانتقال للعمل بالضريبة الموحدة، والتى تفرض على دخول الاشخاص الطبيعيين من الايراد المتجدد والذى يمكن تحديد مصادره فى أوعية الدخول من الرواتب والأجور وايرادات المهن غير التجارية (المهن الحرة) وايرادات النشاط التجارى والصناعى والخدمى والثروة العقارية. ورءوس الاموال المنقولة (الاسهم والسندات وغيرهما) وحاول القانون رقم 91 لسنة 2005 الاخذ بنظام الضريبة الموحدة حيث وضع جميع مصادر الدخل فى وعاء واحد واصبحت تعامل جميعا بنفس المعاملة الضريبية من حيث الاحكام والاسعار، إلا انه قد اخرج ايرادات رءوس الاموال المنقولة من بينها. كما قرر المشرع توحيد المعاملة الضريبة للأشخاص الاعتبارية (سواء كانت شركات أموال (شركات مساهمة او توصية بالأسهم او ذات مسئولية محدودة) او شركات أشخاص (التضامن او التوصية البسيطة)، وأيا كان الشكل القانونى الخاضعة له. وجدير بالذكر ان الضريبة على الدخول والارباح والمكاسب الرأسمالية شكلت نحو 46% من إجمالى الحصيلة الضريبية عام 2013/2014 حيث ارتفعت قيمة المحصل منها من 48.3 مليار جنيه عام 2005/2006 الى 120.9 مليار عام 2013/2014. تأتى معظمها من أرباح شركات الأموال والتى تشكل نحو 74% منها (مثلت المتحصلات من هيئة البترول والشريك الأجنبى وقناة السويس النسبة الغالبة فيها). ثم يليها فى الاهمية الضريبة على الرواتب والأجور والتى شكلت 17.6% من إجمالى هذه الضريبة، بينما لا تمثل الضرائب على المهن غير التجارية إلا اقل من 0.4% والضريبة على النشاط التجارى والصناعى 5%. وعلى الجانب الآخر فقد ارتفعت الحصيلة من الضرائب على الدخل من التوظف (وهى عبارة عن الضرائب على الرواتب ومافى حكمها بالإضافة الى الدمغة على الرواتب) من 5.4 مليار جنيه عام 2005/2006 الى 22.3 مليار عام 2013/2014وبالتالى زادت نسبتها داخل هيكل الضريبة على الارباح والدخول من 11.2% الى 17.6% خلال نفس الفترة. وترجع هذه الزيادة الى ماجاء به القانون رقم 91 لسنة 2005 اذ انه اخذ بمبدأى الاقامة ومصدر الدخل لتحديد الوعاء الخاضع للضريبة، وبالتالى أصبح يخضع للضريبة على الدخول الممول الذى يؤدى مهام وظيفته فى الخارج ويحصل على دخله من خزانة مصرية (سواء كانت عامة او خاصة) او الذى يؤدى مهام عمله فى مصر ويحصل على دخله من خزانة مصرية أو أجنبية، هذا مع مراعاة تطبيق احكام اتفاقيات منع الازدواج الضريبي. وهنا تجدر الاشارة الى ان العبء الضريبى للرواتب والأجور يختلف كثيرا عن الاسعار المحددة بالشرائح القانونية، وذلك لان القانون قد أعفى العديد من الايرادات من الخضوع لهذه الضريبة، فهناك ايرادات غير خاضعة(وهى المعاشات ومكافأة ترك الخدمة ومقابل الاجازات) وهناك اعفاءات مقررة بقوانين خاصة مثل العلاوات الخاصة (المضمومة الى الراتب الاساسى وغير المضمومة) والعلاوات الاجتماعية والاضافية والبدلات المعفاة بقوانين. الخ. يضاف الى ماسبق الاعفاء الشخصى لمبلغ 7000 جنيه سنويا فضلا عن اشتراكات العاملين فى صناديق التأمين الخاصة واقساط التأمين على الحياة والتأمين الصحى على الممول لمصلحته او مصلحة زوجته او اولاده القصر وأى اقساط تأمين لاستحقاق المعاش بشرط الاتزيد جملة هذه المبالغ على 15% من صافى الايراد او ثلاثة آلاف جنيه ايهما أكبر.كل هذه الامور جعلت العبء الضريبى على مكتسبى الاجور، بالنسبة للشريحة العظمى منهم، اقل من السعر المعلن. وهنا نلحظ ان هذا النوع من الضرائب يعانى تشوهات عديدة أهمها عدم مراعاة المقدرة التكليفية للممول والاختلال الكبير بين متحصلى نفس الأجر فى المعاملة الضريبية، وذلك نتيجة لحصول البعض على مبالغ معفاة من الضريبة، بينما تكون المبالع التى تحصل عليها الآخر غير معفاة، على الجانب الآخر فإن الضريبة على المهن الحرة، والمفروضة على مختلف المهن غير التجارية مثل المحاماة والطب والهندسة (بما فى ذلك الهندسة الزراعية) والصحافة وتأليف المصنفات العلمية والأدبية والمحاسبة والمراجعة والخبرة بما فى ذلك مهنة الخبير المثمن والترجمة والقراءة والتلاوات الدينية والرسم والنحت والغناء والعزف والتمثيل والاخراج وعروض الازياء والتخليص الجمركي، وغيرها ورغم اتساع هذه المجموعة فإنها مازالت لاتشكل قيمة يمكن الاعتداد بها، فقد ارتفعت حصيلتها من 168 مليون جنيه عام 2005/2006 الى 506 ملايين عام 2013/2014 وبالتالى ظلت نسبتها فى هيكل الحصيلة اقل من 0.4% وكذلك تراجع متوسط مايدفعه الفرد من هذه الضريبة من 848 جنيها عام 2008/2009 الى 500 جنيه عام 2013/2014 ولذلك يحتاج هذا النوع من الضرائب الى بذل المزيد من الجهود لحصر المجتمع الضريبى ووضع القواعد التى تساعد على الحصول على الضرائب المستحقة عليه خاصة ان معظم من ينطوون تحت هذا النوع هم من شرائح الدخول المرتفعة للغاية بل والاغرب من ذلك انهم يستطيعون نقل عبء الضريبة دون عناء يذكر الأمرالذى يدفعنا للمطالبة بتقنين هذه الاوضاع عن طريق التعاون بين مصلحة الضرائب والنقابات المهنية مثل اشتراط النقابة عدم التجديد لأعضائها إلا بعد اثبات دفع الضرائب او غيرها من الوسائل التى يمكن التفكير فيها. مما سبق يتضح لنا ان هناك مشكلات عديدة يعانيها النظام الضريبى المصرى على رأسها عدم تناسب الحصيلة مع ما يحققه العديد من الجهات والافراد من عوائد وارباح من جهة، واختلال العبء الضريبى الواقع على البعض منها من جهة اخرى، ومازال النظام الضريبى يعانى ضيق المجتمع الضريبى بصورة كبيرة الامر الذى يشير الى إمكان صانع القرار فى التحرك دون الضغط على دافعى الضرائب الحاليين، ولكن بالعمل على توسعة المجتمع الضريبي. مع مراعاة مايمكن ان نسميه الطاقة الضريبية للممول، فإذا كانت الأدبيات العلمية تتحدث عن الطاقة الضريبية للمجتمع فإننا يمكن أن نتحدث وبنفس القدر على الطاقة الضريبية للممول ومقدرته على تحمل جميع أنواع الضرائب والرسوم وغيرها فى ضوء الدخول والمستويات المعيشية فى المجتمع، وهى قضية يجب ان يبحثها المجتمع بالجدية التى تتناسب مع أهميتها وهو ما يجعلنا نطالب بضرورة الإسراع بإنشاء المجلس الأعلى للضرائب المنصوص عليه فى قانون الضرائب على الدخل والمنوط به القيام بمثل هذه الدراسات والقياسات. كما يجب عرض مشروعات القوانين واللوائح التى تقترحها الحكومة بالنسبة للضرائب بمختلف أنواعها لمراجعتها واخذ الرأى فيها قبل عرضها على مجلس النواب. نقلا عن " الاهرام " المصرية