ما بين مؤيد ومعارض ومتفرج وباحث عن الحقيقة تابع كثيرون تطورات ما يحدث فى مدينة الحسيمة المغربية تلك المدينة الريفية البسيطة الواقعة فى الشمال والتى أفاق أهلها على حادث مأساوى لأحد مواطنيها والذى لقى مصرعة دهسا داخل إحدى عربات القمامة فى أكتوبر من العام الماضى، مازال الحادث يلقى بظلاله السوداء على المدينة حتى الآن، ومازالت المظاهرات المنددة بالحادث مستمرة وما أعقبها من تدخلات لقوات الامن، وصفها البعض بالعنيفة، واعتقال قادة الحراك السياسى فى المدينة وما تبعه من مناوشات للاحزاب السياسة داخل البرلمان وخارجة، ومحاولة حزب العدالة والتنمية الحاكم القيام بما سماه البعض«المتاجرة بالقضية» واتهامات تلاحق الحراك المعارض ومؤيديه بالترويج للافكار المتشددة، وسط كل ذلك يقف المواطن العربى والمغربى فى حيرة ولسان حاله ماذا الذى يجرى فى الحسيمة؟ بدأت الازمة بعد أن لقى مواطن مغربى شاب يدعى محسن فكري مصرعه دهسا داخل إحدى عربات القمامة بعد أن ذهب يبحث عن بضاعته «بعض الاسماك» التى صادرتها الشرطة فى أكتوبر الماضى، انطلقت مظاهرات بعد ذلك منددة بالحادث تلك المظاهرات التى قادها زعيم الحراك الشعبى ناصر الزفزافى الذى اعتقل وبعض أتباعه فى نهاية شهر مايو الماضى، ووجهت لهم عدة تهم أهمها تهديد أمن الدولة، والتمويل الخارجى، والتحريض على العصيان، الأمر الذى أدى بدوره الى زيادة حدة المظاهرات والمواجهات بين المتظاهرين وقوات الامن، واعتقال المزيد من المتظاهرين حتى وصل عدد المعتقلين الى 40 متظاهرا ولا تزال المظاهرات مستمرة حتى الآن. أرجع بعض المحللين المتعاطفين مع المظاهرات تحركات الحراك الشعبى واستمرارها الى سوء تعامل الدولة مع الازمة منذ البداية خاصة أن رئيس الحكومة المغربية السابق عبد الالة بن كيران لم يحرك ساكنا وقتها، بينما أمر الملك محمد السادس بفتح تحقيق عاجل حول الازمة وأوفد وزير الداخلية لتعزية أسرة فكرى ، لكن تأخر التجاوب مع مطالب الحراك، وعدم معاقبة المسؤلين فى قطاع الصيد البحرى، بالاضافة الى حساسية المنطقة فى الريف والتى يتهم أهلها الحكومات المغربية المتعاقبة بالتهميش أدت كل هذه العوامل الى تفاقم المشكلة واستمرار المظاهرات. ومما زاد الامر سوءا ما ردده البعض عن اتهام قادة الحراك وعلى رأسهم الزفزافى بالدعوة الى افكار متشددة، وتحويل مسار المظاهرات من اطار المطالبات الاجتماعية وتحسين احوال المعيشة، الى مطالبات سياسية وانفصالية تهدد بأمن البلاد، وذلك عقب كلمات حادة واتهامات بالفساد تحدث بها الزفزافى فى خطبة الجمعة بعد أن انتزع الميكروفون من الخطيب واعتقل بعدها على الفور. ولم يقف الامر عند هذا الحد بل أن الحراك اتهم بعد ذلك الوفد الحكومى الذى توجه للمدينة لحل الازمة بأنه جاء خالى اليدين ولم يضع برنامجا محددا يجيب عن مطالب الحراك وأن الوفد عمل على استبعاد ناشطى وممثلى الحراك وعزلهم من الحوار، والاكتفاء بالاجتماع مع بعض ممثلى الجهاز المحلى للمدينة ممن لا يملكون شعبية على الارض. يأتى فيما عبرت الأحزاب الممثلة داخل مجلس النواب المغربى عن امتعاضها مما اعتبرته «تغييبا» للمؤسسة التشريعية إزاء أحداث الحسيمة، حيث انتقدت المؤسسة النيابية المغربية عدم الاستجابة إلى طلباتها الموجهة إلى الحكومة، والمتعلقة بأسئلة شفوية وطلبات انعقاد لجنة لمناقشة الازمة. وهنا اتهم البعض حزب العدالة والتنمية «الاخوان» بالسعى الى تصدر المشهد وتأجيج الازمة، وذلك بعد أن طالب ادريس الأزمى الإدريسي، رئيس فريق العدالة والتنمية فى المجلس بأن يلعب البرلمان دورا قائلا « البرلمان اليوم مغيب عن نقاش قضية الحسيمة التى هى قضية رأى عام وطنى يهتم بها الجميع إلا البرلمان»، مشيرا إلى أن فريقه وفرقا نيابية أخرى سبق أن راسلت الحكومة بشأن تناول قضية الحسيمة، كما طلب فريقه عقد اجتماع لجنة الداخلية بالمجلس بحضور وزير الداخلية عبد الوافى لفتيت لمساءلته، إلا أنه لم يتم الاستجابة لذلك . يأتى هذا فيما وجهت بعض وسائل الاعلام المغربية الاتهام الى مظاهرات الحراك فى الحسيمة ووصفتها ب«شبح داعش الذى يخيم على الحسيمة»، متهمة ناصر الزفزافى بالتطرف وأن هناك قوى ذات توجهات دينية متطرفة تقف خلف الازمة وتحركها، وأشارت وسائل الاعلام المغربية إلى أن الزفزافى يتبنى خطابا تكفيريا وصفته بأنه «يفصل بين المؤمنين الأتقياء، هو وأتباعه، وبين كل المخالفين لرأيه وتوجهاته»، ثم شبهت توقيت ظهور الزفزافى فى الاحتجاجات بما سمته «تكتيك الإخوان المسلمين فى مصر وتونس»، وأضافت تقول «إن التاريخ يتذكر ويحتفظ بالنتائج الكارثية لهذه الاستراتيجيات وإن الزفزافى يبدو كمن يسعى لإقامة إمارة إسلامية فى المنطقة». وسط تلك الاحداث التى يشهدها المغرب الشقيق وما يدور فى شماله من مظاهرات وصلت صداها الى العاصمة الرباط متمثلة فى مظاهرات متضامنة مع الحسيمة، لا يمكن التشكيك فى أن تلك المظاهرات بدأت للمطالبة بتحسين ظروف المعيشة للمواطنين والمطالبة بحق شاب لقى مصرعه بحثا عن لقمة العيش، لكن الأهم الآن هو محاصرة الازمة وحلها باحتواء مطالب المتظاهرين والتوصل الى اتفاق فى اسرع وقت حتى لاتندس داخل تلك المظاهرات عناصر تخريبية وتحريضية وتأخد المطالب منحنى آخر.