شغلت ثورة25 يناير وما تبعها من صعود للإسلاميين في مصر والعديد من دول الربيع العربي أذهان المفكرين والباحثين العرب والأجانب علي السواء فراحوا يتحدثون عنها هنا وهناك, ومدي تأثيرها علي الصحوة الدينية عموما, سواء الإسلامية أو المسيحية. كما فرضت ظاهرة صعود الإسلاميين نفسها علي أجندة المراكز البحثية ودوائر صنع القرار الغربية ومناقشات المؤتمرات والندوات الفكرية والتي كان آخرها ما شهدته مداولات ومناقشات المؤتمر الدولي للفلسفة الإسلامية, والذي نظمته كلية دار العلوم بجامعة القاهرة مؤخرا بمشاركة علماء دين وفلاسفة من مصر والدول العربية والغربية. ولم تكن المناقشات وقفا علي امتداد ظاهرة الإسلام السياسي بدول الربيع العربي, بل انها تعدت ذلك إلي ما بات يعرف في الغرب ب الإسلاموفوبيا في ظل تنامي الإقبال الغربي علي اعتناق الديانة الإسلامية بعد قرون طويلة من التغريب والحداثة!! اليقظة الإسلامية ويري المفكر الإسلامي الدكتور مصطفي حلمي, أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم جامعة القاهرة, أن الفرصة باتت سانحة أمام شباب ثورة25 يناير لنهضة كبري لا لمصر وحدها, بل للأمة الإسلامية بكاملها, لتستعيد حضارتها وتتبوأ مكانتها الجديرة بها بين الأمم في العصر الحديث, وما علي الشباب إلا أن يخطو إلي الأمام لقيادة تلك الصحوة الإسلامية في مواجهة العقول المتغربة, ويضيف: إن المتتبع لتاريخ الحضارة الإسلامية يلاحظ أنها كانت نتاج غرس الإسلام عقيدة وشريعة وقيما وسنة, والأمم في نهضتها لا تزدهر إلا إذا كانت وليدة روحها ثمرة عقائدها, لكي تترسخ وتستمر, بعيدا عن التقليد والمحاكاة بغيرها من الأمم. كما يري أن الاستعمار الذي خرج من بلاد المسلمين بجيوشه أثر علي عقول الكثيرين فاستعمرها فراحت تقلده خطوة بخطوة, وتتناسي هويتها وحضارتها شيئا فشيئا, وقطعت الأمة الإسلامية شوطا بعيدا في تقليد الغرب بعد أن فرض عليها الاستعمار بنوعيه العسكري والثقافي, وكانت نتيجته الفشل والإخفاق في كافة نواحي الحياة الاجتماعية والسياسية والتربوية والعسكرية, ومن هنا ظهرت حركة اليقظة الإسلامية التي وصفها الباحث الأمريكي هنتيجتون بأنها حدث تاريخي بالغ الأهمية, وقد أخذ العصر طابع الإحياء الديني الذي يحدث في أجزاء كثيرة من العالم, وبعد فرض الماركسية الإلحادية علي شعوب الاتحاد السوفيتي السابق, ظهر تغلغل الدين وانتشاره جليا, وتدفق دعاة الإحياء الديني من ألبانيا إلي فيتنام, وفي روسيا حدثت صحوة كبري للأرثوذكسية وفي سنة1994 م أعلن30% من الروس تحت سن الخامسة والعشرين- أنهم تحولوا من الإلحاد إلي الإيمان بالله, وعدد الكنائس العاملة في منطقة موسكو زاد من50 في سنة1988 إلي250 في سنة1993, القادة السياسيون أصبحوا يحترمون الدين, والحكومات صارت تدعمه. كذلك حدثت صحوة إسلامية أيضا في آسيا الوسطي, وبدا هناك إقبال علي التدين, ففي سنة1989 كان يوجد في آسيا الوسطي60 مسجدا عاما ومدرسة إسلامية واحدة, وفي أوائل1993 كان العدد قد أصبح عشرة آلاف مسجد وعشر مدارس, وأيضا فازت الجماعات الإسلامية في بعض الانتخابات التي تمت في الدول الإسلامية, وكانت قاب قوسين أو أدني من السلطة في الجزائر, لو لم يقدم العسكر علي إلغاء الانتخابات1992 م. التدين.. مفاجأة للنخبة ويؤكد الدكتور مصطفي حلمي, أن التدين كان مفاجأة للنخبة المثقفة والمتغربة التي افترضت أنها من خلال جهودهها المبذولة في شتي الميادين قد أوشكت علي القضاء علي ظاهرة التدين, فإذا بهم يفاجئون بعودة الناس إلي الدين والتمسك به, كما جاءت ظاهرة العودة إلي الدين مفاجأة للنخب المثقفة التي افترضت أن التحديث الاقتصادي والاجتماعي يؤدي إلي ذبول الدين كعامل مهم في وجود الإنسان, ولم يلقوا بالا للمحافظين الذين أبدوا منذ البداية انزعاجهم من العواقب الوخيمة لاختفاء المعتقدات والمؤسسات الدينية والهداية الأخلاقية التي يقدمها الدين والمتعلقة بسلوك الفرد والجماعة, وكانوا يحذرون من إشاعة الفوضي والفساد وتقويض الحياة المتحضرة. أنجلة أوروبا من جديد ظاهرة التدين والعودة إلي الدين ليست وقفا علي الإسلام وحده, حيث يسوق الدكتور مصطفي حلمي لذلك أدلة علي عودة أوروبا إلي الدين المسيحي والتمسك بالإنجيل ثانية, ويقول: الغريب أن هذا لم يؤد إلي فزع أو خوف مثلما يفزعون ويخافون من عودة الإسلام هناك فيطلقون علي دعاة الصحوة الإسلامية الإسلامفوبيا كي يخوفوا الناس من الإسلام, ويلصقوا تهمة الإرهاب بالإسلاميين, وقد سجل الباحث الفرنسي( جيل كيبل) فشل الحداثة مع عزو انتكاسها ونهايتها إلي البعد عن الله, ولم تعد القضية قضية تحديث, وإنما قضية( أنجلة ثانية لأوروبا) أي: العودة إلي الإنجيل, وقد صدق الرئيس البسنيالراحل علي عزت بيجوفيتش عندما قال:( إن العودة إلي الدين أصبحت ظاهرة عالمية في كل مكان قمع فيه الشيوعيون الدين علي مدي خمسين إلي سبعين سنة, نعم هناك أسلمة في البوسنة, وهي صحوة إسلامية بقدر ما فيها من صحوة أرثوذكسية وكاثوليكية, ولكن الفرق هو أن عودة المسيحيين إلي دينهم لم تلفت انتباه أوروبا المسيحية- وهو أمر أفهمه ولا ألومها عليه- أما عودة المسلمين إلي دينهم فقد اعتبرته أمرا مفزعا). صراع الدين والحداثة أما الدكتورة كريستيانا باولوس, أستاذة علوم الأديان بألمانيا, فتري أن صراع الدين والحداثة ليس وقفا علي تطورات عالم اليوم, خاصة أن علماء الاجتماع تكلموا في التسعينيات عن العلاقة بين الحداثة والدين في الغرب, فبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت أهمية الدين, وللأسف فإن تصرفات باباوات الكنيسة في الغرب دفعت الكثيرين للإقبال علي العقلانية وترك الدين, فظهرت هناك علمانية الفرد الذي ضاع منه الإيمان وفقده, الدين له وظيفة في المجتمع, هناك أناس ظهروا بمظهر ديني غير منتظم نظرا لتهميش دور الكنيسة هناك, وعندما حاولت الكنيسة البروتستانتية في الغرب النهوض ظهرت بشكل حاد, وركزت علي الجانب الأخلاقي والخيري وسياسة البيئة( أو ما يسمي العمل المدني) ولم تركز علي جانب العقيدة كثيرا. وحول انزعاج الغربيين من العودة إلي الدين المسيحي تقول كريستيانا: الغربيون لم ينزعجوا من العودة إلي الدين المسيحي, فقد ظهر في الغرب الآن التدين الفردي العقلي بخلاف ما قبل الحداثة, ويترافق مع ذلك العودة إلي الدين الإسلامي في الغرب أو ما يسمي الإسلاموفوبيا ويزداد الإقبال علي الإسلام في أوروبا ويفرح بذلك المسلمون, أما المسيحيون فينزعجون من ذلك, وهذا الانزعاج موروث من العصور الوسطي منذ ظهور الإسلام حيث كان منافسا للمسيحية وكانوا يرونه خطرا وفوضي بالنسبة لهم, وبعد سقوط الستار الحديدي أو ما يسمي بسور برلين ظهر العدو الأصلي وهو الإسلام, وقد أطلقوا في الغرب علي ظاهرة المسلمين الجدد الإسلاموفوبيا, وهو يأتي لهم بفائدة مادية كبيرة وهي ترويج تجارة السلاح والصناعة في الغرب, فالصدام بين الغرب والشرق يساعد في رواج تجارة السلاح, وهناك نقطة مهمة أيضا هي أن الإعلام الغربي اتخذ من ظاهرة الإسلاموفوبيا مادة إعلامية رائجة يكسب من ورائها المليارات عن طريق هجومه علي الإسلاميين وانتقاصه منهم وحديثه المستمر عنهم. حوار الأديان وفي النهاية تؤكد الدكتورة كريستيانا حاجة الإسلام والمسيحية إلي مد جسور حوار الأديان بعد أحداث سبتمبر وتدمير برجي التجارة بأمريكا لأن ذلك من شأنه أن يقلل الاحتقان, وتقول: لا بد من وجود تعاون بين الأديان, فالحوار مهم في التواصل في شتي مجالات المجتمع الحديث, ولا بد من التواصل لإزالة الشبهات الملصقة بالمسلمين الجدد عن طريق الحوار, خاصة أن دعاة الحداثة يعتمدون في نشر فكرهم علي البلاغة في الحوار والهجوم علي المخالف, وكنائس الغرب لديها استعداد للحوار, وهو ما يسبب إقبال الكثيرين علي الإسلام, أما كنائس الشرق فلا تسمح بمثل هذا الحوار وتضع فاصلا بين أتباعها وأصحاب الديانات الأخري فهي منغلقة علي نفسها.