إذا كانت العمرة فى شهر رمضان من أفضل القربات إلى الله تعالى، وإذا كانت العمرة الى العمرة مكفرة لما بينهما من الذنوب، كما أخبر بذلك النبى صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح «العمرة الى العمرة ورمضان الى رمضان والصلوات الخمس مكفرات لما بينهن اذا اجتنبت الكبائر»، فإن الظروف الاقتصادية الخانقة التى تمر بها البلاد حاليا، تجعلنا نتساءل: أليس أولى بهؤلاء أن يبذلوا ما ينفقونه فى تكرار العمرة، في مساعدة ورعاية الفقراء والمساكين، أو في إعانة المشروعات التى تعود بالنفع على الجميع، أم تعتبر النفقة في تكرار العمرة أفضل من الصدقة والإنفاق في دعم الاقتصاد؟. فى البداية يؤكد الدكتور شوقى علام، مفتى الجمهورية، أن رعاية ومواساة الفقراء أفضل من تكرار الحج والعمرة، موضحا أنه عند تأمل النصوص الشريفة الدالة على تكرار الحج والعمرة، ومنها، عن أبى هريرة رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: «العُمْرَةُ إِلَى العُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا، وَالحَجُّ المَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الجَنَّةُ»، وعن عمر رضى الله عنه، عن النبى صلى الله عليه وآله وسلم قال: «تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ، فَإِنَّ الْمُتَابَعَةَ بَيْنَهُمَا تَنْفِى الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ، كَمَا يَنْفِى الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ»، نجد أنها تتناول استحباب تكرار التطوع بالحج والعمرة ما لم يترتب على ذلك تزاحم الحقوق فى أموال المكلفين، وعدم كفاية الفقراء وإنعاش الاقتصاد ومواساة المحتاجين، وهى حقوق وواجبات شرعية واجتماعية، مع تخفيف حدة الزحام حتى يتمكن الحجاج الذين لم يسبق لهم أداء هذه المناسك لأدائها فى سهولة ويسر، مشيرا إلى انه إذا تكاثرت الحقوق وتزاحمت واشتدت الحاجة إلى أموال الأغنياء لمواساة الفقراء ونجدة المحتاجين، وكانت نفقات الحج والعمرة بحيث لو أُنفِقَت على الفقراء لقامت بكفايتهم وغيرت أحوالهم من الفقر إلى الكفاية، فإن أحب النفقة إلى الله تعالى حينئذ هو ما كان أنفع للناس وأجدى فى صلاح أحوالهم وإنعاش اقتصادهم، والصدقة على الفقير وكفايته أولى من نافلة الحج والعمرة، لأنها عبادة متعديةَ النفع، وذلك بخلاف حج التطوع وعمرة التطوع؛ فنفعهما مقصور على صاحبهما، وقد راعى الشرع الإسلامى ترتيب الأولويات، فأمر عند التعارض بتقديم المصلحة المتعدية على القاصرة، والعامة على الخاصة، والناجزة على المتوقعة، والمتيقنة على الموهومة. من جانبه يقول الدكتور علوى خليل، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر، إن الشارع الحكيم رغب فى زيادة الطاعات تقربا إلى الله عز وجل، ولتحقيق ذلك فتح أبوابا متعددة ومتنوعة قولا وعملا، حتى يسارع الناس الى الخير كل على قدر استطاعته المادية والمعنوية وعلو همته، ومن تلك الأبواب المسارعة بأداء عمرة فى شهر رمضان المبارك لتحصيل ثواب حجة، لذا يحرص كثير من المسلمين على أداء العمرة فى هذا الشهر الكريم، لما فى ذلك من تحصيل للثواب وطمع فى مغفرة الذنوب ورفع الدرجات، سواء كان ذلك فى أول الشهر او فى وسطه او فى العشر الأواخر، وحضور ختم القرآن فى بيت الله الحرام وأداء الصلاة المكتوبة فى اوقاتها، وصلاتى القيام والتهجد وسط جموع غفيرة من ملايين المسلمين من أنحاء العالم، يرجون رحمة ربهم خاشعين متبتلين له بالتضرع والدعاء، عساه سبحانه ان يقبلهم ويغفرذنوبهم. وأشار الى ان النبى صلى الله عليه وسلم يقول: «عمرة فى رمضان تعدل حجة» وفى رواية «تعدل حجة معي»، ولا يسأل عن حكمة هذا الثواب فذلك فضل من الله، والله واسع عليم، وهو سبحانه يرغب فى أداء العبادات من صلاة وصوم وزكاة وحج الى بيته الحرام، فثواب الطاعة فيه مضاعف، ومثل ذلك ما ورد من أن الصلاة الواحدة فى المسجد الحرام بمكة تعدل مائة ألف صلاة فيما سواه، فلا يجوز أن يتبادر إلى الذهن أن صلاة يوم فيه تغنى عن صلاة مائة ألف يوم، ولا داعى للصلاة بعد ذلك، فالعدل أو المساواة هنا هى فى الثواب فقط، فلا تغنى العمرة عن الحج أبدا، ومثل ثواب العمرة فى رمضان ما روى عن النبى صلى الله عليه وسلم قال «من صلى الصبح فى جماعة ثم قعد يذكر الله حتى تطلع الشمس، ثم صلى ركعتين كانت له كأجر حجة وعمرة» وقال أنس: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «تامة تامة» فالمراد من هذه الأحاديث هو الترغيب فى الثواب، وليس جواز الاكتفاء بفريضة عن فريضة، وروى البخارى ومسلم عن ابْن عَبَّاسٍ قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِامْرَأَةٍ مِنْ الْأَنْصَارِ «مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّى مَعَنَا؟» قَالَتْ : لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ [بعيران] ، فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ ، وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضِحُ عَلَيْهِ [نسقى عليه] الأرض ، قَالَ : فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِى ، فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً) وفى رواية لمسلم : حجة معى . وفى سياق متصل، يوضح الدكتور عبد الغفار هلال، الأستاذ بجامعة الأزهر، ان عمل الناس عبر العصور، من الصحابة والتابعين والعلماء والصالحين، ما زالوا يحرصون على أداء العمرة فى شهر رمضان كى ينالهم الثواب العظيم، مشيرا الى انه لا شك أن العمرة فى رمضان لا تجزئ عن حج الفريضة، بمعنى أن من اعتمر فى رمضان لم تبرأ ذمته من أداء الحج الواجب لله تعالي، فالمقصود من الحديث هو التشبيه من حيث الثواب والأجر وهو من قبيل ابواب الترغيب فى الثواب وزيادة الطاعات، وليس من حيث الإجزاء، ومع ذلك، فالمساواة المقصودة بين ثواب العمرة فى رمضان وثواب الحج هى فى قدر الأجر، وليست فى جنسه ونوعه، فالحج لا شك أفضل من العمرة من حيث جنس العمل، فمن اعتمر فى رمضان تحصل على قدر أجر الحج، غير أن عمل الحج فيه من الفضائل والمزايا والمكانة ما ليس فى العمرة، من دعاء بعرفة ورمى جمار وذبح نسك وغيرها، فهما وإن تساويا فى قدر الثواب من حيث الكم، يعنى العدد، ولكنهما لا يتساويان فى الكيف والنوع .