«التنظيم والإدارة» يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل    محافظ مطروح يلتقي قيادات المعهد التكنولوجي لمتابعة عمليات التطوير    تعرف على طقس غسل الأرجل في أسبوع الألم    تنفيذ 3 قرارات إزالة لحالات بناء مخالف خارج الحيز العمراني في دمياط    «ماجنوم العقارية» تتعاقد مع «مينا لاستشارات التطوير»    ب 277.16 مليار جنيه.. «المركزي»: تسوية أكثر من 870 ألف عملية عبر مقاصة الشيكات خلال إبريل    بايدن: الحق في الاحتجاجات الطلابية لا يعني إثارة الفوضى    صحيفة يونانية: انهيار القمة الأمريكية التركية.. وتأجيل زيارة أردوغان إلى البيت الأبيض    القوات الروسية تتقدم في دونيتسك وتستولى على قرية أوشيريتين    الأهلي يطلب ردًّا عاجلًا من اتحاد الكرة في قضية الشيبي لتصعيد الأزمة للجهات الدولية    سون يقود تشكيل توتنهام أمام تشيلسي في ديربي لندن    صحة مطروح تتأهب لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة الباجورية بالمنوفية    مهرجان كان يمنح ميريل ستريب السعفة الذهبية الفخرية    معرض أبو ظبي.. نورا ناجي: نتعلم التجديد في السرد والتلاعب بالتقنيات من أدب نجيب محفوظ    فنون الأزياء تجمع أطفال الشارقة القرائي في ورشة عمل استضافتها منصة موضة وأزياء    خالد الجندي: الله أثنى على العمال واشترط العمل لدخول الجنة    هيئة الرعاية الصحية بجنوب سيناء تطلق حملة توعية تزامنا مع الأسبوع العالمي للتوعية بقصور عضلة القلب    «كانت زادًا معينًا لنا أثناء كورونا».. 5 فوائد غير متوقعة لسمك التونة في يومها العالمي    حزب مصر أكتوبر: تأسيس تحالف اتحاد القبائل العربية يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار في سيناء    «أكثر لاعب أناني».. مدرب ليفربول السابق يهاجم محمد صلاح    كوريا الجنوبية ترفع حالة التأهب القصوى في السفارات.. هجوم محتمل من جارتها الشمالية    عاجل| الحكومة تزف بشرى سارة للمصريين بشأن أسعار السلع    6 مصابين جراء مشاجرة عنيفة على ري أرض زراعية بسوهاج    مواعيد قطارات مطروح وفق جداول التشغيل.. الروسي المكيف    "بسبب الصرف الصحي".. غلق شارع 79 عند تقاطعه مع شارعي 9 و10 بالمعادى    بينها إجازة عيد العمال 2024 وشم النسيم.. قائمة الإجازات الرسمية لشهر مايو    وزيرة البيئة تنعى رئيس لجنة الطاقة والبيئة والقوى العاملة بمجلس الشيوخ    برلماني سوري: بلادنا فقدت الكثير من مواردها وهي بحاجة لدعم المنظمات الدولية    رسائل تهنئة عيد القيامة المجيد 2024 للأحباب والأصدقاء    النجمة آمال ماهر في حفل فني كبير "غدًا" من مدينة جدة على "MBC مصر"    الفائزون بجائزة الشيخ زايد للكتاب يهدون الجمهور بعض من إبداعاتهم الأدبية    توقعات برج الميزان في مايو 2024: يجيد العمل تحت ضغط ويحصل على ترقية    استشهاد رئيس قسم العظام ب«مجمع الشفاء» جراء التعذيب في سجون الاحتلال    محافظ جنوب سيناء ووزير الأوقاف يبحثان خطة إحلال وتجديد مسجد المنشية في الطور    ما هو حكم قراءة الفاتحة خلف الإمام وكيفية القراءة؟    تجديد حبس عنصر إجرامي بحوزته 30 قنبلة يدوية بأسوان 15 يوما    تراجع مشاهد التدخين والمخدرات بدراما رمضان    الخطيب يُطالب خالد بيبو بتغليظ عقوبة أفشة    الأمم المتحدة: أكثر من 230 ألف شخص تضرروا من فيضانات بوروندي    لحظة انهيار سقف مسجد بالسعودية بسبب الأمطار الغزيرة (فيديو)    الفندق المسكون يكشف عن أول ألغازه في «البيت بيتي 2»    أذكار بعد الصلاة.. 1500 حسنه في ميزان المسلم بعد كل فريضة    انتبه.. 5 أشخاص لا يجوز إعطاؤهم من زكاة المال| تعرف عليهم    القوات المسلحة تنظم المؤتمر الدولي الثاني للطب الطبيعي والتأهيلي وعلاج الروماتيزم    رئيس الوزراء يعقد اجتماعًا مع ممثلي أبرز 15 شركة كورية جنوبية تعمل في مصر    فقدت ابنها بسبب لقاح أسترازينيكا.. أم ملكوم تروي تجربتها مع اللقاح    الرعاية الصحية تطلق حملة توعوية حول ضعف عضلة القلب فى 13 محافظة    شراكة استراتيجية بين "كونتكت وأوراكل" لتعزيز نجاح الأعمال وتقديم خدمات متميزة للعملاء    تزايد حالات السكتة الدماغية لدى الشباب.. هذه الأسباب    السكرتير العام المساعد لبني سويف يتابع بدء تفعيل مبادرة تخفيض أسعار اللحوم    دعم توطين التكنولوجيا العصرية وتمويل المبتكرين.. 7 مهام ل "صندوق مصر الرقمية"    الأهلي يجهز ياسر إبراهيم لتعويض غياب ربيعة أمام الجونة    التنظيم والإدارة يتيح الاستعلام عن نتيجة الامتحان الإلكتروني في مسابقة معلم مساعد فصل للمتقدمين من 12 محافظة    هيئة الجودة: إصدار 40 مواصفة قياسية في إعادة استخدام وإدارة المياه    تحديد أول الراحلين عن صفوف برشلونة    تأهل الهلال والنصر يصنع حدثًا فريدًا في السوبر السعودي    بروسيا دورتموند يقتنص فوزا صعبا أمام باريس سان جيرمان في ذهاب نصف نهائي دوري أبطال أوروبا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



بريد الجمعة يكتبه : أحمد البرى
الراية البيضاء!
نشر في الأهرام اليومي يوم 09 - 06 - 2017

أنا سيدة فى الثالثة والخمسين من عمرى، ويشغل زوجى منصبا مهما فى هيئة كبرى ولدينا ولدان الأكبر مهندس والآخر طبيب، وفى بداية حياتى الزوجية كنت أشغل وظيفة يحسدنى عليها الجميع، ولكنى تركتها وتفرغت لتربية إبنىّ، وأتحت الفرصة لزوجى لكى يستفيد بكل وقته فى العمل والترقى، ولم أتوقف عند انشغاله الدائم، وعدم مجيئه إلى البيت إلا فى وقت متأخر، وركزت كل جهدى لهما،
فكنت أصحو من النوم فى السادسة صباحا لإعداد طعام الإفطار، وعندما ينصرف زوجى إلى العمل وأبناى إلى المدرسة، أعيد ترتيب البيت وبعد الظهر نتناول طعام الغداء ثم أستذكر لهما دروسهما، وأخصص يوما فى الأسبوع لزيارتهما فى المدرسة ومتابعة مستواهما الدراسى.. وظللت على هذه الحال عشرين عاما حتى تخرج الأول مهندسا والثانى طبيبا، ولا أستطيع أن أصف لك مدى فرحتى بهما فى نهاية كل فصل دراسى وهما يتسلمان شهادات التفوق وميداليات التقدير، فلقد اعتبرتهما الاستثمار الحقيقى، وأغلقت حياتى عليهما، حتى أن زياراتى العائلية كانت فى أضيق الحدود ومقصورة على المناسبات الكبرى، ولم تعجب حالى والدهما، وكثيرا ما كان يسخر منى، ويقول لى إنهما لن يقدرا ما أصنعه من أجلهما، فكنت أستغرب كلامه وسرعان ما أنساه، فلا يعقل أبدا ألا يطيع الابن أمه، أو أن يخرج عن طوعها، وهى التى أفنت صحتها وشبابها من أجله.
ومرت الأيام وتخرج ابنى الأكبر، وجاءنى قائلا إنه يحب فتاة مستوى أسرتها أقل من مستوانا اجتماعيا وماديا وثقافيا، وسألنى عن رأيى فيها فرفضتها وأيدنى أبوه، لكنه أصر عليها لأنه أحبها بشدة ولن يرضى بديلة لها، وراح يتوسل إلينا ألا نفسد سعادته، وأن نتيح له حرية الاختيار، فإذا بأبيه يوافق على خطبتها له، ووجه كلامه إلىّ قائلا: «كل إنسان يتحمل نتيجة قراراته واختياراته، ولم أجد بدا من الرضوخ للأمر الواقع ورددت فى نفسى الآية الكريمة “وَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ” (البقرة 216)، فإبنى الأول طيب القلب ومسالم جدا، وقليل الخبرة بالتعامل مع الآخرين، ولذلك كان صيدا سهلا لفتاته وهذا هو مبعث قلقى عليه، لكنى توكلت على الله ووافقت على ارتباطه بها، وبالفعل تزوجا فى حفل كبير وبدآ حياتهما الزوجية، ومنذ اللحظة الأولى وجدته يطيعها فى كل ما تمليه عليه، ويتسم بالضعف الشديد أمامها فطلباتها أوامر بالنسبة له، وعندما حملت فى إبنهما الأول، جاءنى وقال لى إن الطبيب أبلغه بأن زوجته فى حاجة إلى الراحة التامة طوال فترة الحمل، وطلب منى أن ينتقلا للإقامة معى لأنه لا يقوى على فراقها، ولو ذهبت إلى والدتها فسيكون ذلك عبئا عليه إذ ستكون المعيشة صعبة عليه معها عندهم فهو متعود على الرفاهية التى لا تتوافر لديهم، فلم أتردد فى قبول طلبه حتى لا أغضبه، وخدمتهما معا حتى وضعت زوجته ولدا جميلا، وعاشوا معنا عدة أشهر إلى أن استردت عافيتها وعادوا إلى بيتهم، ولم يبخل زوجى عليهم بالمساعدة المادية، ووفرت لهم متطلبات المعيشة واحتياجات حفيدى من الملابس وغيرها، ونسيت الماضى تماما عندما اعترضت على زواجه بها، وأصبحت أقول بكل تلقائية أمام الجميع إن الله رزقنى بولدين وبنت هى زوجة إبنى الكبير، وتصورت أنها تبادلنى هذا الإحساس فتعتبرنى أما لها، لكنى وجدتها غير راغبة فى التعامل معى علمها أننى كنت رافضة لزواجها من إبنى فى البداية، إذ إنه للأسف أبلغها بموقفى السابق منها.
ولم أشأ أن أعكر صفو حياة إبنى، فتجاهلت الأمر، ثم فوجئت به يخبرنى هاتفيا أن زوجته مصممة على الطلاق، فأسرعت إليه بصحبة أبيه لرأب الصدع الذى أصاب حياتهما فجأة وبلا مقدمات فوجدناه راكعا تحت قدميها يتوسل إليها ألا تتركه، ونحن فى ذهول تام، وسألناهما عن سبب خلافهما، فنزلت علينا إجابته كالصاعقة، إذ قال إن زوجته تشكو من أنه يخرج من الحمام بالبشكير ولا يعيده إلى مكانه!، ثم إنها ذكرته عندما كانت حاملا بأنه لم يراع المطبات وهى جالسة إلى جواره فى السيارة!.. تخيل يا سيدى أنها ترى هذين السببين كافيين لطلب الطلاق، وكررت ذلك أمامنا فسقطت على الأرض مغشيا علىّ من شدة الحزن والألم، فأنا مصابة بارتفاع فى ضغط الدم، ولا أتحمل هذه الإهانات، وعند هذا الحد تركنا بيت إبنى وعدنا إلى بيتنا، بينما ذهبت زوجته إلى منزل أبيها ومنذ تلك اللحظة وعلى مدى ثمانية أشهر ترددنا على أسرتها بإلحاح منه لكى نصلحها مع أننا لم نخطىء فى حقها، ولكن هيهات أن يلين قلبا أبيها وأمها، ففى كل مرة نذهب إلى بيتهم لا ننال منهم سوى الإهانات، وصممنا أكثر من مرة على ألا نرجع إليهم مرة أخرى، لكننا كنا نضطر إلى معاودة الكلام معهم من جديد بسبب إبنى سامحه الله، إذ لم يفكر فى كرامة أهله بقدر ما فكر فى نفسه.. ومازالت كلمات أبيه ترن فى أذنى كلما تذكرتها، عندما قال له: حافظ على كرامتك يا إبنى.. هى لا تريدك، إنها أهانتنا جميعا، فماذا تنتظر إذن؟.. ولقد بلغ الأمر بها أن قالت له: إنها لا تحبه، وندمت على ارتباطها به!
وواصلت محاولات تعكير صفو حياتنا لدرجة أنها بعثت إلىّ برسالة على هاتفى المحمول تدَّعى فيها أن زوجى على علاقة بسيدة، ولما علم إبنى بأمر هذه الرسالة دافع عنها، وقال إنها لا يمكن أن تسلك هذا السلوك، ثم توالت مفاجآتها فاتصلت بزوجى، وهددته بأنها سوف تشوه سمعته فى كل مكان، وللأسف تذرع إبنى من جديد بأن حالتها النفسية سيئة، ويجب ألا نقسو عليها فتعجبنا من سلبيته تجاهها برغم أفعالها العجيبة، فالمفروض أن الأبوين خط أحمر يجب ألا تتعداه زوجة إبنهما.
وفى هذه الظروف العصيبة تزوج إبنى الآخر، ولم يسلم أيضا هو وزوجته من مكائد زوجة شقيقه، إذ توعدتنا جميعا بالويل والثبور وعظائم الأمور!، والأمر الذى يدعو إلى الدهشة أن إبنى يقول دائما عفا الله عما سلف، بينما هى تتمادى فى إيذائنا حيث بلغ بها التردى مداه إذ قالت عنى أننى “ناقصة تربية” وأنها سوف تطلب من أبيها أن يعيد تربيتى، ولما حدثته فيما قالته رد علىّ: “إن الحل الوحيد هو أن تبعدوا عن حياتنا، فأنا أريد أن أعيش مع إبنى ولا أحرم منه بقية عمرى لو انفصلنا”.. وعند هذا الحد تأكدنا أنه صار أسيرا لزوجته ولن يتخلى عنها مهما فعلت به، ونزولا على رغبته أعدنا محاولة صلحها، فوافق أهلها هذه المرة ولكن بشروط كثيرة أهمها كتابة قائمة منقولات جديدة، وإضافة مبالغ وأشياء كثيرة، ولم يتوان إبنى عن تنفيذ كل ما طلبوه دون نقاش!
ونسيت أن أقول لك إنها رفعت عليه ثلاث قضايا تبديد وتمكين وضم الطفل، ومع كل دعوى ضده يلتمس لها الأعذار ويدافع عنها باستماتة.. وبرغم ذلك لم يسلم من شتائم وبذاءات أهلها له خلال الشهور التى قضتها عندهم، وذكره والده بالحالة التى رأيناه عليها عندما ذهبنا إليه، حيث وجدناه راكعا متذللا لها أن تبقى معه، وهى تنظر إليه باحتقار، يعنى أصبح مستباحا من الجميع، ولا ندرى كيف هانت نفسه عليه، وكيف رضى لنا بالذل والهوان، ونحن فى سن متقدمة، وكيف سيعيش بلا كرامة مع زوجته التى قالت لكل الناس إنها لا تطيقه ولا تحبه؟.. تصور يا سيدى أنها جعلته أضحوكة لدرجة أن من حولنا يقولون لى «إنه مريض نفسيا».. إننى حزينة جدا، وأنا أعيش أيام شهر رمضان الكريم محرومة من دفء الأسرة، بعد أن تمزقنا وتفككنا، وأتذكر الماضى كلما أخلو بنفسى، وأنظر إلى صور وشهادات التقدير والميداليات التى نالها إبنى، ثم أتحسر على ضياع مجهودى معه بعد أن هان عليه كل شىء من أجل إرضاء زوجته، فحصاد رحلتى معه يشى بأننى فشلت فى تربيته، وإن كنت قد نجحت فى جعله مهندسا ناجحا ولقد تعلمت درسا بليغا لن أنساه ما حييت، وانصح كل أم ألا تعطى أحدا شيئا على حساب نفسها، وأن تستمتع بوقتها وحياتها، وهذا لا يتعارض مع دورها فى تربية أبنائها.
وأقول له: سامحك الله يا إبنى، وإنى أريد إبلاغك بأن والدك لا ينام حزنا على حالك، وليتك تعلم ان الإنسان بلا كرامة ولا رجولة لا يساوى شيئا، وان الإبن الذى لا يقدر أباه وأمه من السهل أن تحتقره زوجته، ويسقط من نظرها، فالأبوان لا يعوض حنانهما أحد أيا كان، فكرامتهما من كرامته مهما فعلا، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
ولكاتبة هذه الرسالة أقول:
لقد عددت أخطاء زوجة إبنك، ولم تذكرى خطأ واحدا وقعتم فيه تجاهها، وما كان لإبنك أن يرفع الراية البيضاء ويستسلم لها إلى درجة أن يركع تحت قدميها طالبا منها الصفح وعدم ترك المنزل إلا لو كنتم قد أسأتم لها أو أنها لم تعد تتحمل الوضع الذى وجدت نفسها فيه بسبب نظرتكم الدونية إلى أهلها، فمن أسس نجاح أى زوجين فى الحياة أن يكون تدخل أسرتيهما فى أضيق الحدود وعند الضرورة القصوى، لكن ما يحدث هو أن كثيرين من الآباء والأمهات يتسببون فى فشل حياة أبنائهم الزوجية لأسباب عديدة منها شعورهم بالوحدة والفراغ وضعف الصلات بباقى افراد العائلة، والخوف من أن يفقدوا أهميتهم فى حياة أبنائهم، وقد لمست من بين ثنايا رسالتك أن إبنك يعتمد عليكم فى اتخاذ القرارات المتعلقة بحياة أسرته، ويخبركم بكل شىء من التفاصيل الدقيقة عن علاقته بزوجته، وبالتالى ضاعت خصوصيتهما، وتضخمت المشكلات، وتنامى الغضب المكبوت داخلها ثم حانت اللحظة التى انفجرت فيها طالبة الطلاق لأسباب قد تبدو تافهة مثل واقعة «البشكير» الذى لم يعده إلى مكانه بالحمام، وغيرها، وهى أسباب لا يعقل أن تكون سببا للانفصال، فتراكم الخلافات تحت الرماد واستسلام ابنكما لما تمليانه عليه، هو الذى أدى إلى حدوث القطيعة بينكم وبين زوجته.
وبما أن كل إنسان يتحمل نتيجة اختياراته، فالمنطقى والعدل ان تكون له الحرية فى هذه الخيارات، وعلى الآباء أن يتوقفوا عن ابتزاز أبنائهم عاطفيا، وإشعارهم بالذنب باسم الدين، وبأنهم ضعفاء مغلوبون على أمرهم، فالحقيقة أننى لم أجد مبررا واحدا لحالة السخط الشديدة على ابنك لمجرد انه يريد الحفاظ على استقرار حياته الزوجية، ولا أجد مبررا أبدا لإصراركما على تطليق زوجته، ولا أتصور أن يسعى أبوان إلى تدمير حياة ابنهما، بينما يريد هو أن تسير الأمور هادئة مستقرة والواجب على إبنك أن يعيد رأب الصدع الذى أصاب بيته، وأن يتحدث معكما، وأن تتحدث زوجته أيضا إلى أبويها بشكل لبق حول طبيعة الحياة والعلاقات الجديدة وأهمية الخصوصية، مع طمأنتكم جميعا بأنه لا يمكن الاستغناء عن أى واحد منكم، وأنكم ستظلون محل تقدير، ومن المهم أن تتسع صدوركم وأخلاقكم فتتحملون بعضكم بعضا، ولا تنسوا الفضل بينكم، وعلى الأزواج أن يبروا آباءهم وأمهاتهم بالمعروف ولا يطيعوهم إذا تعدوا حدود الله، ولا يعينوهم على ظلم زوجاتهم، وأن يكونوا جريئين فى الحق، بل إن الزوج إذا رأى أن المصلحة تقتضى أن يباعد بين زوجته وبين أهله فلا حرج عليه أن يفعل ذلك، فطاعة الوالدين واجبة عليه فيما فيه نفعهما، ولا ضرر فيه عليه.
وإذا تناولنا قضية إبنك من الناحية الشرعية وطلبكما منه أن يطلق زوجته، فالحقيقة أننى لم أر سببا مقنعا لهذا الطلب كعيب فى دينها أو أخلاقها، ومن ثم فإنه لا يلزمه تطليقها طاعة لك ولأبيه لقول رسول الله «إنما الطاعة فى المعروف»، وعليه أن يبركما ويتلطف معكما ويواسيكما بما تحتاجان إليه وما ينشرح به صدراكما بما يقوى عليه بعيدا عن طلاق زوجته.
ومن الضرورى اتفاق الزوجين فى آرائهما واتجاهاتهما خاصة أمام الأهل، وبالتالى لا تكون هناك فرصة لتدخلاتهم لأنهم سيشعرون بأن الطرفين متفقان وأن قراراتهما نابعة من إرادتهما المشتركة.
أما عن إهانة زوجة إبنك له، فهى غير مقبولة، ولا تختلف إهانة الزوجة زوجها عن إهانة الزوج زوجته، فالإهانة تقضى على الاحترام والحب اللذين هما أساس العلاقة الزوجية السعيدة، ولا يجوز للمرأة أن تهين زوجها بالكلام أو الفعل حتى لو أخطأ فى حقها، فعن عائشة رضى الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم «أى الناس أعظم حقا على المرأة؟ قال: زوجها، قلت: فأى الناس أعظم حقا على الرجل؟ قال: أمه».
والواجب على إبنك وزوجته أن يتعاملا بالمعروف لقوله تعالى «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً» (النساء19)، وقوله “وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِى عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ” (البقرة 228)، وقال رسول الله فى ذلك “إذا صلت المرأة خمسها، وصامت شهرها، وحصنت فرجها، وأطاعت زوجها قيل لها: ادخلى الجنة من أى أبواب الجنة شئت”، فقرن صلى الله عليه وسلم بين طاعة الزوج وأداء الصلاة والصوم وحفظ الفرج، وهذا دليل على عظم شأن طاعة المرأة زوجها.
ولو أن زوجة ابنك تعصاه ولا تحترمه وترفع صوتها عليه فهى عاصية لربها ناشزة عن حق زوجها، وقد أرشدنا الله إلى علاج النشوز بقوله تعالى “الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّهُ وَاللَّاتِى تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِى الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلًا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيًّا كَبِيرًا وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللَّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا” (النساء34و35)، وإذا أصرت الزوجة على النشوز فإن القول فى طلاقها أو إمساكها يتوقف على المصالح والمفاسد التى تنتج عن ذلك، وعلى الزوج أن يفكر مليا فى هذا الأمر، وأن يستشير أهل الصلاح والرشد فيما ينفعه، وإن اختار إمساك زوجته وصبر عليها، فسيكون أجره عند الله لقوله تعالى “فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا” (النساء 19)، وقد وعد الله الصابرين بحسن العاقبة، لكن الصبر وكظم الغيظ والعفو عن المسيىء لا تعنى الذل والضعف، والفرق بين المقامين لا يخفى على الكثيرين، ومن المهم أن ترى الزوجة التى تسيىء إلى زوجها منه قدرته على فراقها والاستغناء عنها، ومقابلة السيئة بالسيئة وعليه أن يدع ذلك لله تعالى رغبة فيما عنده من الأجر، فسكوته ليس سكوت العاجز، وتمسكه بها ليس تمسك الضعيف، وأن يذكرها دائما بتقوى الله، ولا تكون عونا للشيطان عليه حتى تمضى سفينة الحياة بهما فى أمان.
هذا هو المنهج الذى يجب أن تكون عليه حياة إبنك وزوجته وعلاقتكم به، فأرجو ان تعيدوا ترتيب أوضاعكم وفقا له، فتتخلون عن موقفكم المعاند لزوجته، مع طى صفحات الماضى بكل ما فيها من خلافات واحتقان، وأرجو منها أن تقدر زوجها الذى يحبها ويتمسك بها، ولتكن هناك مسافة معقولة بينهما وبينكم لكى يحتفظ الجميع بعلاقات طيبة مع بعضهم، وإياكم والحديث عن الفروق المادية والأسرية ونظرتكم المتعالية تجاه أهلها، ولتتطلعوا إلى فتح صفحة جديدة خالية من الشوائب، وأرجو ان يكون شهر رمضان المبارك فرصة للمصالحة فيجتمع شمل العائلة من جديد والله المستعان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.