أثار تغير شكل القمر فضول معاذ بن جبل وثعلبة بن غنم وقالا: يا رسول الله ما بال الهلال يبدو دقيقا ثم يزيد حتي يمتلئ نورا ثم لا يزال ينقص حتي يعود دقيقا كما بدأ ولا يكون علي حال واحدة. لم يدركا وقتها أن القمر لا يتغير حجمه أو شكله وإنما يتغير حجم الجزء الظاهر لنا نتيجة حركته حول الأرض وسقوط أشعة الشمس عليه وانعكاس ضوئه علي الأرض.. فنزل قول الله تعالي: «يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج» صدق الله العظيم وهو قول معجز يناسب عقول الناس وقتها منذ أكثر من 1400 سنة دون أن يتعارض مع الحقائق العلمية التي سيتم اكتشافها بعد مئات السنين. والقمر يحدد ثلاثة أركان من أركان الإسلام الخمسة وهي: الصيام والحج وزكاة الفطر بينما الشمس تحدد ركن الصلاة .. والكون كله والقرآن الكريم يؤكدان الركن الأول: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله.. والآن وبعد أن تطور العلم والاكتشافات، وبعد أن حدد علماء الفلك منذ زمن طويل مواقع القمر وزمان ظهوره بالثانية وصعدوا إليه وداسوا عليه بالأحذية إلا أننا مازلنا نسأل أين القمر؟! يعكس هذا الواقع المتخلف الذي ارتددنا إليه خروج فريق من رجال الدين في إحدي الدول العربية لاستطلاع هلال رمضان وأجمعوا علي عدم رؤيته إلا كبيرهم الذي صمم علي رؤيته فنظر أحدهم في وجهه فرأي شعرة طويلة بيضاء نزلت من حاجبه الكثيف أمام عينيه فرفعها وسأله هل تري الهلال فقال اختفي. سبب هذا التخلف الذي يرفع رايته خفاقة علي أمتنا العربية والإسلامية اعتقاد البعض بتعارض العلم مع الشريعة.. ويتجلي هذا بوضوح كل عام مع مطلع شهر رمضان والشهور العربية برؤية الهلال ويتكرر السؤال: هل تكون الرؤية بالاعتماد علي الحساب الفلكي والأسلوب العلمي الذي يعتمد علي الأقمار الصناعية التي تجوب الفضاء أم يكون بالاعتماد علي الرؤية البصرية التي يطلق عليها البعض «الرؤية الشرعية».. وكأن استخدام العلم وأدواته التي أمرنا الله ورسوله بها باطل. ويبلغ التخبط وخداع النفس مداه عندما يعلنون أنه تم تزويد لجان الرؤية بنظارات معظمة واستخدام التليسكوبات في المراصد.. أليست هذه كلها إحدي ثمار العلم.. وهل كانت هذه الأجهزة متوافرة أيام الرسول صلي الله عليه وسلم وهل هذا ينقص من اعتبار الرؤية شرعية ؟!! ما الفرق بين النظارة المعظمة والتليسكوب الأرضي والتليسكوب السمائي أو القمر الصناعي حيث لا يحجبه سحاب أو ضباب أو غبار أو تلوث عن رؤية الهلال لنصبح في حل من معضلة «فإن غم عليكم» في قوله صلي الله عليه وسلم «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فإن غم عليكم فأكملوا عدة شعبان ثلاثين يوما». ورغم التكرار والبداهة في أن الرؤية لا تعني فقط المشاهدة ولكن تعني أيضا العلم بالشيء كما في آيات كثيرة بالقرآن الكريم مثل قوله تعالي: «ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل» وبالطبع النبي صلي الله عليه وسلم لم ير ذلك لأنه عام مولده. وأيضا في قوله تعالى «فمن شهد منكم الشهر فليصمه» وبالطبع تعني من علم ببداية الشهر نتيجة رؤية البعض للهلال فعليه الصوم.. أليس أفضل أن يكون هذا البعض من علماء الفلك؟! والسؤال الذي يفرض نفسه هل العبرة بالرؤية أم بمولد الهلال.. والإجابة البديهية هي مولد الهلال بدليل أن البعض لا يراه نتيجة غيوم وآخرين في مكان آخر صحو يرونه وتصبح رؤيتهم ملزمة للجميع. فإذا عرفنا مولده بدقة متناهية عبر ما أتاحه العلم ألا يحسم ذلك الأمر مع دين أعلي من شأن العلم والعلماء كما في قوله تعالي: «قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب». صدق الله العظيم وأخطر ما يحدث من تلفيق وضرب للتفكير العلمي في مقتل محاولة البعض الجمع بين الأسلوب العلمي (الفلكي) والأسلوب البدائي (الرؤية البصرية) في تزاوج باطل ما بين العلم والتخلف.. أو القول بأن الحساب الفلكي يعتبر نافيا.. بمعني إذا أعلن استحالة مولد الهلال فلا نصدق من قال إنه رآه.. وإذا أعلن مولده فلا يكفي إعلانه ولابد من الرؤية البصرية.. هل هذا منطق!! هذا ليس اعتراضا علي لجان الرؤية التي يمكن تطويرها كنوع من الحفاظ علي التقاليد والتراث وضم مواطنين وطلاب إليها وطبع كتيبات عن القمر والأرض وحركة الكواكب لتصبح احتفالية علمية وطنية مبهجة. والسؤال الذي يفرض نفسه من الأقدر علي تفسير قوله تعالي: «فلا أقسم بمواقع النجوم» علماء الدين أم علماء الفلك.. ومن أقدر علي تفسير: «وجعلنا من الماء كل شيء حي» علماء الدين أم علماء الأحياء؟!! إن الكلمة الفصل يجب أن تكون لأهل الذكر وهم أهل العلم والاختصاص في مجالهم كما في قوله تعالي: «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون». صدق الله العظيم