لعل من أغرب المفارقات التي لعبت دورا كبيرا في سرعة ابتلاع مصر للطعم المسموم عام 1967 هو ذلك الجانب المثير للتساؤل في أسلوب إدارة الأزمة عشية نشوب حرب يونيو.. وبينما كانت مصر تتشاور مع حليفها الرئيسي, وهو الاتحاد السوفييتي في هذه الأيام العصيبة بواسطة المقدم شمس بدران وزير الحربية الذي عاد يحمل وعودا ومبالغات ثبت فيما بعد عدم صحتها علي الإطلاق.. كان داهية السياسة الإسرائيلي أبا إيبان وزير الخارجية يجري مشاورات علي كل المستويات ويصر علي الحصول علي مواقف وتأكيدات أمريكية محددة يمكن أن ينقلها إلي حكومته حول الموقف الأمريكي من الأزمة. وعندما ظهرت في الأفق أمام الإسرائيليين علامات تنبئ بأن مصر بدأت تعيد ترتيب أوراق إدارتها للأزمة بعناية, وأنها ستتعامل مع الأزمة بأفكار واعية ورموز قادرة علي التعامل المحسوب بدقة من خلال إيفاد نائب رئيس الجمهورية زكريا محيي الدين إلي واشنطن لإجراء مشاورات مع الإدارة الأمريكية.. قرر الإسرائيليون أن يجهضوا المحاولة المصرية بالإسراع بشن الحرب.. وهكذا نجح الإسرائيليون في توجيه ضربة إجهاض سياسية ضد الجهود الدبلوماسية المصرية قبل أن يشرعوا في توجيه ضربة الإجهاض العسكرية بالإغارة علي المطارات المصرية. وكما يقول وليام كوانت مساعد مستشار الأمن القومي في عهد الرئيس الأمريكي الأسبق كارتر في كتابه عملية السلام وبالتحديد في الفصل الثالث تحت عنوان حرب يونيو ونتائجها, فإن اندلاع الحرب أدي كذلك إلي إيجاد وضع جديد ومختلف أمام راسمي السياسة الأمريكية بشأن الشرق الأوسط. كانت هناك علي وجه التأكيد رغبة أمريكية في عدم نجاح الجهود الدبلوماسية حتي تتاح لإسرائيل الفرصة لتوجيه ضربتها المباغتة تحت غطاء التضليل السياسي والدبلوماسي الأمريكي طوال أيام الأزمة التي أعقبت قرار مصر بإغلاق مضائق تيران في منتصف مايو1967. وغدا نواصل الحديث.. خير الكلام: إذا حبست القط انقلب أسدا! [email protected] المزيد من أعمدة مرسى عطا الله