جاء قرار السيد رئيس الجمهورية باعادة البرلمان المنحل, بحكم المحكمة الدستورية العليا, مفاجئا إلي حد بعيد. ففي الوقت التي كانت العقول تتابع عن كثب مشاورات تشكيل الحكومة وما أثير بشأن مجلس مستشاري الرئاسة أو ما سيعتزم النظام الجديد القيام به لانجاز وعوده لحل مشكلات جسام مزمنة خلال المائة يوم الأولي من حكمه, فاذا بالرئيس يتخذ هذا القرار, والذي من المؤكد أنه, لجسامة فحواه وعظم تبعاته, سيحدث جدالا قانونيا وسياسيا مطولا إزاء هذا الوضع الملتبس.., يحسن أن نتذكر مجددا الاشكالية, التي سادت قرونا من الزمان ولم تحل مطلقا بشكل حاسم, حول لمن تكون الأسبقية... القانون أم السياسة في تحديد مصائر الدول وترسيم مساراتها. فالساسة, من جانب, لطالما زعموا بأنهم الأقدر بالضرورة والأكثر معرفة بالصالح الوطني ومحدداته, ومن ثم, فانهم هم المنوط بهم أن يتخذوا القرارات ويحددوا أولوياتها,.. ثم ليأتي بعد ذلك القانونيون ليجتهدوا في إلباس تلك القرارات الزي القانوني المناسب.. أي إكساب تلك القرارات شرعية القانون وقدسيته لانفاذها وعلي النقيض من ذلك, دأب القانونيون.., ومن حرص علي تقفي أثرهم, علي الدفع بأن دولة القانون وحدها هي الامان للحاكم والمحكوم.. وأن شرعية القرار السياسي تكون مستمدة من مدي اتساقه مع صحيح القانون, وليس العكس.., وأن القرار السياسي إن كان مستهدفا حقا الصالح الوطني.. فان مرده المبتغي لن يفوق أبدا الاثار المترتبة علي إهدار معالم حكم القانون ودوره في ضبط التفاعلات.. بين مختلف قوي المجتمع... الواقع أن قرار إعادة البرلمان إلي العمل لحين كتابة الدستور قد جاوز التوقعات التي ذهبت في مرحلة سابقة إلي الدفع بأن الحد الأدني المنطقي هو إعادة الانتخابات لثلث عدد الأعضاء المطعون في شرعية عضويتهم في ضوء ما حاق بالقانون المنظم للانتخابات من اهدار لحق المساواة بين المواطنين المتحزبين.. والمستقلين... أما أن يعود البرلمان بأكمله لحين الانتهاء من كتابة الدستور, فهو أمر من شأنه دفع البلاد نحو مأزق وربما ما هو أكثر من ذلك سياسي وقانوني لا ينتهي.. في مرحلة كان الجميع يتوق فيها الي مرحلة هدوء تلتقط فيها الأنفاس وتشمر خلالها السواعد لاعادة البناء.. إزاء ما تقدم, فأنه يلزم توضيح ثمة نقاط, أحسبها حقائق, حتي لا تختلط الأمور في عتمة ما سوف يثيره القرار من غبار تزيد من عتمته مصطلحات القانونيين وحجج السياسيين باتساع المسافة ما بين المؤيدين والمعارضين لهذا القرار. أولا: للرئيس المنتخب.. شرعية كاملة, غير منقوصة, حتي لو كان قد نجح بفارق صوت واحد.. والجدال بشأن تلك الحقيقة هو عبث لا يستقيم.. وينضوي علي خطورة حقيقية.. بل ويفتح الباب لفوضي ما بعدها فوضي.. فالكل مطالب بالانضواء خلف لواء الرئيس المنتخب سواء كان المرء من مؤيديه أم معارضيه.
ثانيا: دولة القانون.. هي الأساس للحكم.. فعلي هذا أقسم الرئيس المنتخب..., وفي هدي ذلك ينبغي أن تسير الأمور.. وتصير المصائر.... ولقد ارتأت المحكمة الدستورية عدم دستورية البرلمان... لاسباب معينة, ليس هذا وقت تناقشها, ومن ثم وجب احترام حكمها.. بغض النظر عن مدي تقييمنا لفاعلية أو عدم فاعلية.. أداء البرلمان المنحل.., ومدي إتساق توجهاته مع صالح مصر والثورة.. بل ومدي تمثيله العادل لمختلف فئات الشعب المصري.
ثالثا: أن ضرورات المرحلة الانتقالية وصعوباتها وحساسيتها... كانت تستوجب ممن حملوا مسئولياتها, وبل جميع القوي السياسية, أن يمخروا عباب البحر ولجج الظلمة بأكثر قدر ممكن من الحذر الواجب..., فالبادي أن تلك المرحلة التي امتدت نحو عام ونصف كانت مليئة باخطاء أو خطايا وتراجعات ومواءمات... وإن كان هذا لا ينبغي أن يطمر حقيقة أخري هو أنه تم النأي بمصر رغم الاخطاء حينا وعدم الكفاءة أحيانا عن سيناريوهات أكثر كارثية مفزعة!!. بيد أن من النتائج التي حاقت بحاضرنا اليوم.. هو إهدار قيمة حكم القانون.. واقرار قوانين مطعونة في شرعيتها في ضوء ما لزم من مواءمات سياسية.. الخ, والنتيجة أن لدينا برلمانا منتخبا, بشكل نزيه لا مراء فيه, ولكن وفقا لقواعد غير دستورية. ومن ثم فاننا صرنا أمام معضلة حقيقية.. هل ننحاز لشرعية الرئيس المنتخب صاحب الحق في الفصل بين السلطات, وان كان الكثير من القانونيين لن يعترفوا بشرعية قراره في ضوء قسم توليه الحكم السالف الإشارة اليه..., أم ننحاز لمبادئ دولة القانون التي تسمو وتسبق وتعلو علي ما عداها... احقاقا للحق.. واعلاء لشرعية القانون علي أي اعتبارات سياسية...