وزير الخارجية يجتمع بأعضاء السلك الدبلوماسي والقنصلي من الدرجات الحديثة والمتوسطة |صور    عبدالمنعم السيد: هيكلة الهيئات الاقتصادية تهدف لتحسين الكفاءة والاستدامة المالية    جانتس يحذر حكومة إسرائيل من عودة إيران لسباق التخصيب والتسليح    سوريا تطلق العملة الجديدة ضمن إصلاحات نقدية واسعة    الوجه المظلم للنظرية السياسية    الرئيس الإسرائيلي ينفي محادثات مع ترامب بشأن العفو عن نتنياهو    طبيب منتخب مصر يكشف حجم اصابة مهند لاشين    طفل ينقذ شقيقه من محاولة اختطاف بسيارة ملاكي في كفر الشيخ (صور)    ضبط عنصر إجرامي مطلوب في قضايا جنائية وصلت أحكامها 85 سنة سجنا بقنا    نجوم الوسط الفني يقدمون واجب العزاء في داوود عبد السيد |صور    هيفاء وهبي تطرح أغنيتها الجديدة 'أزمة نفسية'    روجر بيركوفيتس: استعادة القدرة على التفكير    7 علاجات طبيعية لبرودة الأطراف عند النساء في الشتاء    نائب رئيس جامعة بنها يتفقد امتحانات الفصل الدراسي الأول بكلية الحاسبات والذكاء الاصطناعي    ارتفاع جماعي لمؤشرات البورصة المصرية في ختام تعاملات اليوم    جوهرة فرنسا.. عثمان ديمبيلي ملك الكرة الذهبية في 2025    عودة بيدري وأراوخو لتدريبات برشلونة    ما أهم موانع الشقاء في حياة الإنسان؟.. الشيخ خالد الجندي يجيب    مركز للتلقيح الاصطناعي وتحصين 1.1 مليون حيوان.. أبرز إنجازات الطب البيطري بسوهاج في 2025| صور    الدكتورة نيرفانا الفيومي للفجر..قصر العيني يؤكد ريادته في دمج مرضى اضطراب كهربية المخ مجتمعيًا    توصيات «تطوير الإعلام» |صياغة التقرير النهائى قبل إحالته إلى رئيس الوزراء    مهرجان غزة الدولي لسينما المرأة ينظم بيت عزاء للفنان الراحل محمد بكري    استعادة ريادة «الوطنية للإعلام» |مدبولى: خريطة طريق لرفع كفاءة الهيئات الاقتصادية    الاستراتيجية الوطنية للأشخاص ذوي الإعاقة تؤكد: دمج حقيقي وتمكين ل11 مليون معاق    وزارة الشباب والرياضة تُجرى الكشف الطبى الشامل للاعبى منتخب مصر لكرة اليد    الإفتاء توضح مدة المسح على الشراب وكيفية التصرف عند انتهائها    نقابة المهن التمثيلية تنعى والدة الفنان هاني رمزي    هدى رمزي: مبقتش أعرف فنانات دلوقتي بسبب عمليات التجميل والبوتوكوس والفيلر    نيافة الأنبا مينا سيّم القس مارك كاهنًا في مسيساجا كندا    «طفولة آمنة».. مجمع إعلام الفيوم ينظم لقاء توعوي لمناهضة التحرش ضد الأطفال    معدل البطالة للسعوديين وغير السعوديين يتراجع إلى 3.4%    شتيجن في أزمة قبل كأس العالم 2026    وزير الصحة: تعاون مصري تركي لدعم الاستثمارات الصحية وتوطين الصناعات الدوائية    هل تجوز الصلاة خلف موقد النار أو المدفأة الكهربائية؟.. الأزهر للفتوى يجيب    واشنطن بوست: صور أقمار اصطناعية تكشف توسع الصين في تصنيع الرؤوس النووية    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : وزارة العدالة الاجتماعية !?    هل حساسية البيض تمنع تطعيم الإنفلونزا الموسمية؟ استشارى يجيب    أسماء المصابين في حادث تصادم أسفر عن إصابة 8 أشخاص بالقناطر الخيرية    تاجيل محاكمه 49 متهم ب " اللجان التخريبيه للاخوان " لحضور المتهمين من محبسهم    مواصفات امتحان الرياضيات للشهادة الإعدادية 2026 وتوزيع الدرجات    السيمفونى بين مصر واليونان ورومانيا فى استقبال 2026 بالأوبرا    آدم وطني ل في الجول: محمد عبد الله قد ينتقل إلى فرنسا أو ألمانيا قريبا    وفاة والدة الفنان هاني رمزى بعد صراع مع المرض    تحقيقات الهروب الجماعي من مصحة البدرشين: المتهمون أعادوا فتحها بعد شهرين من الغلق    "الوزير" يلتقي وزراء الاقتصاد والمالية والصناعة والزراعة والمياه والصيد البحري والتربية الحيوانية والتجارة والسياحة في جيبوتي    وزير الاستثمار يفتتح فعاليات منتدى الأعمال المصري- السوداني    إحالة ربة منزل للمفتي بعد قتلها زوجها وابن شقيقه في كفر شكر    موسكو: إحباط هجمات أوكرانية في خاركوف وسومي    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الإثنين 29-12-2025 في محافظة الأقصر    محافظ قنا ينعى المستشارة سهام صبري رئيس لجنة انتخابية توفيت في حادث سير    وزير الخارجية يؤكد دعم مصر لتعزيز منظومة الصحة والأمن الدوائي في إفريقيا    ارتفاع جماعي في مؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة اليوم    برودة وصقيع.. تفاصيل طقس الأقصر اليوم    «الوطنية للانتخابات» توضح إجراءات التعامل مع الشكاوى خلال جولة الإعادة    مناورات صينية واسعة تطوّق تايوان    حمو بيكا ينعي دقدق وتصدر اسمه تريند جوجل... الوسط الفني في صدمة وحزن    بشير التابعى: توروب لا يمتلك فكرا تدريبيا واضحا    لا رب لهذه الأسرة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العند يورث الكفر
نشر في الأهرام اليومي يوم 18 - 05 - 2017

تقول الحكمة الشعبية «العند يورث الكفر» ولعل ذلك الربط الشعبى العبقرى بين العند والكفر يشير إلى أن ما يجمع بينها هو الإنكار.
إنكار التغير مهما يكن صارخا، والاستعلاء على الاعتراف بالخطأ والتمسك به، والإصرار على رأى أو موقف محدد مهما ترتب على ذلك الإصرار من كوارث للفرد أو للمجتمع على حد سواء. ولما كانت للمصطلحات سمعتها الاجتماعية شأن الأفراد، ونظرا لأن صفة «العند» قد اكتسبت سمعة سلبية منفرة، فقد لجأنا كما هو معتاد إلى إلصاقها بغيرنا، أما إذا ما تعلق الأمر بنا فإننا نبادر بعمليات التجميل المعروفة والتى يتحول بها «العند» إلى «ثبات على المبدأ» أو «عدم الخضوع للضغوط و التهديدات» أو «عدم التهور والاندفاع» أو «أن الآخر كان البادئ بالخطأ» أو «القول بأن الجميع فى كافة أنحاء العالم يتصرفون هكذا» أو «أن ما حدث أمر تافه بسيط لا يستحق الاعتذار عنه» إلى آخر تلك المسميات الجميلة ذات السمعة الطيبة؛ فإذا ما اضطررنا فلنعدل عن الخطأ فى صمت دون اعتذار، بأمل أن ننجح فى إخفاء الحقيقة الكريهة: إننا معاندون رغم أننا لا نكف عن أن نردد بألسنتنا أن ابن آدم خطاء.
لقد تباينت الحضارات عبر التاريخ مع تنوع العقائد الدينية والإيديولوجية وأنماط التنشئة الاجتماعية السائدة، فى تحديد السلوك الأمثل للاعتذار عن الخطأ: من مجرد طأطأة الرأس خجلا إلى الاعتراف بالخطأ أمام قس الاعتراف فى المسيحية، إلى التوبة النصوح فى الإسلام إلى النقد الذاتى الماركسى إلى الاعتذار علنا لمن أخطأ المرء فى حقه والقبول بتقديم الترضية المناسبة، سواء كانت مادية أو أدبية ؛ وكلما علت مكانة الفرد المخطئ كان لاعتذاره عن الخطأ دلالة مضاعفة حيث يضرب بذلك نموذجا لأفراد الجماعة.
لقد كانت كراسات وزارة المعارف العمومية فى السنوات الغابرة تخصص غلاف الكراسة للحض على بعض الفضائل مثل «إذا طلبت من أحد شيئا فقل له من فضلك» و«إذا أعطاك أحد شيئا فقل له أشكرك» و«إذا أخطأت فقل أنا آسف» ويبدو أن كل ذلك كاد أن يختفى من حياتنا اليومية مع اختفاء تلك الكراسات إن الميل إلى الكبر والعزة بالإثم واعتبار الاعتراف بالخطأ دليلا على الضعف والهوان.
وقد يبدو للوهلة الأولى أن الهروب من الاعتراف بالخطأ إنما يضر بالمعتدى عليه أو بمن وقع عليه الخطأ فحسب، ولكن الأمر ليس كذلك على الإطلاق، فالطرف الذى يأبى الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه مستسلما ليقين زائف بأنه لم يصدر عنه خطأ أصلا، يكون أول وأخطر ما يخسره هو ما يطلق عليه «استخلاص الدروس من الخبرات السابقة» و من ثم عجزه عن التقدم والإنجاز بسبب استمراره فى اتباع السلوك الخاطئ. إن نظرة إلى واقعة اعتذار نادرة فى تاريخنا الحديث كفيلة بتأكيد كل ذلك. لقد أعلن الزعيم عبدالناصر وهو من هو على رؤوس الأشهاد أنه إذ يتنحى عن منصبه مستعد لتحمل المسئولية كاملة عن كارثة يونيو 67 المروعة. إن أحدا لم يعتبر ذلك الإعلان الواضح عن تحمل المسئولية الكاملة عن تلك الأخطاء المروعة التى أدت للهزيمة، نقيصة تشين عبد الناصر، بل كان ذلك الاعتراف بالخطأ بمثابة البداية الموضوعية لتصحيحه. ولو تخيلنا مسارا آخر للأحداث يعلن فيه عبد الناصر أننا قد نجحنا فى الحيلولة دون أن يحقق العدو هدفه بتحطيم النظام الوطنى الثورى المصرى و بذلك فإننا قد انتصرنا بالفعل. ترى هل نتصور ما كان يمكن أن يحدث لو سارت الأمور وفقا لذلك السيناريو المشئوم؟ .
الجميع يتحدثون ويسجلون أخطاء ومصائب لا حصر لها، ولكن أحدا لا يتحدث عنها مطلقا بضمير المتكلم. كذلك الحال بالنسبة لكافة كوارثنا صغرت أو كبرت. المتحدث أيا كان لم يخطئ مطلقا، وكل الأخطاء مصدرها آخرون، ولا يقتصر الأمر على القضايا ذات الطابع الجماهيرى السياسى القومي؛ بل إنه يكاد يصبح جزءا من النمط السلوكى العام الذى يشمل الجميع كبارا وصغارا فى مختلف جوانب حياتنا اليومية. لقد أولينا ظهورنا لما يمكن أن نسميه «ثقافة الاعتراف بالخطأ والاعتذار عنه» وغلبت علينا «ثقافة المكابرة والنفور من الاعتذار»
يندر أن نجد رياضيا أو تلميذا أو موظفا أو صانعا أو زوجا أو زوجة يجد لديه الشجاعة للاعتذار معترفا علانية أنه أخطأ وقصر؛ بل وينتفض المرء غضبا إذا ما ألمح لهم أحد أنه مخطئ. ويصبح طبيعيا والأمر كذلك أن تتصاعد بيننا ممارسات التخاذل والاستكانة والنفاق واصطناع شتى الأساليب ووالحيل لإقامة جدار سميك من المداراة يحول دون غضبة من نخشى غضبتهم إذا ما واجهناهم بأخطائهم.
ولكن ينبغى ألا يغيب عنا أن جدار المداراة مهما بلغ سمكه لا بد وأن ينهار لحظة أن نلمح ما يشى ببوادر ضعف مصدر الخوف؛ وعندها ينفجر بركان غضب مدمر لا تطفئ حممه آنذاك مياه الاعتذار مهما كان صدقها وبلغت قوتها.
خلاصة القول إن بداية أى إصلاح حقيقى تتمثل فى تدعيم ثقافة الاعتذار والاعتراف بالخطأ؛ ورحم الله من قال «اللهم اجز عنا خيرا من أهدى إلينا أخطاءنا».
لمزيد من مقالات د. قدرى حفنى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.