قضية التمييز العرقي في المجتمع الأمريكي كانت ولا تزال من أكثر القضايا الاجتماعية جاذبية لصناع السينما في هوليوود، ويمكن في هذا المجال رصد عشرات الأفلام البارزة التي عالجت جوانب مختلفة من اضطهاد السود، من أبرزها «وقت القتل» لصمويل جاكسون وساندرا بولوك وماثيو ماكنوهي الذي يصور معاناة محام أبيض يتصدى للدفاع عن طفلة سوداء تعرضت للاغتصاب من شاب أبيض. ...................................................................................... وهناك أيضا فيلم «احذر من سيأتي على العشاء» لسيدني بواتيه وكاثرين هوتون في ستينيات القرن الماضي، الذي يرصد قصة حب بين شابة بيضاء وشاب أسود في ذروة ازدهار العنصرية وانتشار جماعات الكوكلوكس كلان المعادية للسود، وفيلم «مجد» لدينزل واشنطن ومورجان فريمان الذي يتناول قصة أول فوج من المتطوعين السود في جيش الشمال الذي يحارب لإنهاء العبودية والعنصرية في ولايات الجنوب. لكن على عكس كل الأفلام التي تناولت القضية من قبل، اختار جوردان بيل مخرج فيلم «اخرج» أو (get out) الذي كتب القصة والسيناريو أيضا وشارك في الإنتاج مقاربة مختلفة للعنصرية مصاغة في قالب جديد وغير تقليدي على هوليوود هو كوميديا الرعب أو ما يمكن الاصطلاح على تسميته الكوميديا السوداء. ربما كان القالب المبتكر أو المقاربة غير التقليدية من أسباب النجاح الساحق الذي قوبل به الفيلم من قبل النقاد والجماهير في أمريكا خصوصا حيث حصل على 99% على مواقع التقييم النقدي للأفلام مثل «روتن توماتوز» و»ميتا كريتيك» وهي درجة لم يحصل عليها في تاريخ السينما الأمريكية سوى 8 أفلام منها «الساحر أوز» وقصة لعبة 3» و»البحث عن نيمو»، ولم يتجاوزها بالحصول على العلامة الكاملة سوى فيلمي «قصة لعبة 2» و»رجل على الحبل» الوثائقي البريطاني الذي أنتج عام 2008. أما جماهيريا فقد حقق فيلم «اخرج» إيرادات خيالية تجاوزت 189 مليون دولار حتى 23 ابريل 2017، وهي إيرادات غير مسبوقة لأن الفيلم لا يعتمد على ممثلين نجوم، كما انها خيالية مقارنة بتكلفة الإنتاج التي لم تتجاوز 4.5 مليون دولار، ما يعني أن بيل الذي ساهم في انتاج الفيلم أيضا حقق ثروة طائلة بجانب المجد الفني والجماهيري. أحداث الفيلم تبدأ باختطاف شاب أسود في أحد الأحياء الراقية المخصصة للسكان البيض، وفي المشهد التالي رصد لعلاقة حب بين كريس المصور الأسود (دانييل كالويا) وروز الفتاة البيضاء (أليسون ويليامز) التي تجمع الجمال مع الرقة. تدعو الفتاة حبيبها لقضاء عطلة نهاية الأسبوع مع أهلها في منزلهم الريفي البعيد عن العمران فيقبل بعد أن تؤكد له ان والديها ليسا عنصريين وأن والدها من أبرز المؤيدين لباراك أوباما أول رئيس أسود لأمريكا. في المنزل الريفي لا يبدو شيئا غير طبيعي، فالأب يعمل جراحا للمخ والأعصاب والأم معالجة نفسية، وشقيق الفتاة طالب بكلية الطب، تبدو الأسرة طبيعية مثل أغلب الأسر المنتمية للطبقة المتوسطة العليا، لا شيء ملفت سوى خادم وخادمة أسودين يبدوان مثيرين للريبة والقلق طول الوقت. في ليلته الأولى يخرج كريس للتنزه ليلا وعندما يعود تكون الأم في انتظاره في الغرفة التي تستقبل فيها مرضاها حيث تطلب منه الجلوس والدردشة معها إذا لم يكن يستطيع النوم. خلال الجلسة تقوم الأم بتنويم كريس مغناطيسيا مستخدمة صوت معلقة تقلبها في فنجان، وتنجح في التحكم بعقله الباطن، وتجبره على استعادة أحداث تعيسة من طفولته، لكن فجأة نجده يستيقظ في سريره وكأنه كان في كابوس. صباح اليوم التالي تخبره روز أن والديها سيقيمان حفل تعارف يدعوان فيه بعض أصدقائهما وكلهم من البيض ومن نفس الطبقة الاجتماعية، ما يضاعف شعور كريس بعدم الراحة. خلال الحفل تحدث واقعة غريبة حينما يلتقي بشاب أسود بصحبة سيدة بيضاء في ضعف عمره تقريبا، يحاول كريس تصوير الشاب ورفيقته البيضاء بكاميرا هاتفه، لكن فلاش الكاميرا الذي يومض يصيب الشاب بنوبة جنون ويحاول الاعتداء على كريس، قبل أن يتدخل المدعوون للفض بينهما، واصطحاب الشاب لغرفة العلاج الخاصة بالأم حيث يقضيان هناك بعض الوقت خرج بعدها الشاب الأسود وقد عاد لطبيعته الهادئة. يزداد قلق كريس ويهاتف صديقه رود الذي تركه في المدينة ليبوح له بأحاسيسه ويرسل له صورة الشاب، فيتعرف عليه الأخير بأنه كان يواعد فتاة سوداء في منطقتهم قبل أن يختفي فجأة قبل شهور. عند ذلك يطلب كريس من صديقته العودة للمدينة، وعندما تذهب لتجهيز حقيبتها يكتشف بالمصادفة صندوقا صغيرا في غرفة سرية ملحقة بغرفة النوم، يضم صورا لها مع عشرات من الشباب السود فيعرف انها كذبت عليه حينما أخبرته من قبل أنه أول شاب اسود تواعده، ويشعر بوجود شيء غير مفهوم. تتطور الاحداث حتى يصل الفيلم للمشهد الرئيسي (ماستر سين) حين يكتشف كريس أن حبيبته ليست سوى طعم لاصطياده والقدوم به إلى المنزل المنعزل لتتولى الأم التحكم فيه عبر التنويم المغناطيسي أولا، تمهيدا للخطوة الثانية وهي إقامة مزاد عليه بين الأثرياء البيض المدعوين لحفل التعارف المزعوم، وعندما رسا المزاد على أحدهم، يبدأ دور الأب الجراح وابنه طالب الطب في اخضاع كريس لجراحة إجبارية لزرع دماغ الثري الأبيض الفائز بالمزاد في جسد الشاب الأسود، وفق عملية اخترعها جد روز قبل سنوات لمد اجل الأثرياء البيض عبر إعادة زرع أدمغتهم في أجساد شباب سود. تقوم الأسرة بحبس كريس في غرفة بالبدروم لتجهيزه للعملية، وخلال ذلك تستمر الأم في التحكم بعقله، لكنه يقاوم التنويم المغناطيسي بوضع قطن في أذنيه، وفي لحظة نقله لغرفة العمليات ينجح كريس في ضرب الشقيق ليغشى عليه ثم يبدأ في قتل الأب والأم ثم الأخ نفسه لاحقا، ويهرب مستقلا سيارة الأخير، وفي تلك اللحظة تنتبه روز التي كانت في غرفتها تجهز لاصطياد شاب أسود جديد فتطارده لكنه يهرب منها. خلال محاولته الهرب يصدم الخادمة السوداء بالسيارة فيضطر للنزول لاصطحابها للمستشفى، لكن فجأة تستفيق الخادمة المغشى عليها لنكتشف أنها تحمل دماغ جدة الفتاة، وتحاول الاشتباك مع كريس ما يجبره على الاصطدام بشجرة ومن ثم تتعطل السيارة. في اللحظة التالية يأتي الخادم الأسود الذي يحمل دماغ جد روز مسرعا لقتل كريس الذي يتدارك الأمر فيومض فلاش هاتفه في وجهه ما يعيد الخادم لشخصيته الحقيقية، وبالتالي عندما تأتي روز يطلب منها المسدس بهدوء ثم يطلق عليها النار وبعدها يطلق النار على نفسه. المشهد الختامي تستجدي فيه روز التي تنزف بشدة كريس أن ينقذها لأنها حبيبته، وخلال ذلك تصل سيارة شرطة تحاول روز الاستغاثة بها لكن يظهر أن السيارة يقودها الصديق رود الذي يصطحب كريس ويقود مبتعدا بينما تلفظ روز أنفاسها الأخيرة مع تتر النهاية. رغم كل الحفاوة النقدية يحفل السيناريو بعيوب عديدة أهمها تجاهل توضيح الفارق بين اختيار خطف كريس من خلال علاقة عاطفية عميقة مع روز، والاكتفاء بخطف الشاب الأسود من الطريق العام. كذلك تجاهل أن اختفاء عشرات من الشباب السود لابد وأن يثير شكوك ذويهم خاصة إذا كانوا يعرفون (مثلما عرف رود من كريس) أنهم ذهبوا بصحبة الحبيبة إلى منزل أهلها الريفي، ومثله تجاهل الشرطة للبحث أو التوقف أمام العشرات من حالات الاختفاء غير المفهومة. الملفت أيضا توقف عدد من النقاد الغربيين عند حقيقة أن الأسرة العنصرية في الفيلم لا تحمل الصفات التقليدية لمناصري التفرقة العنصرية مثل جماعات الكوكلوكس كلان أو النازيين الجدد، وإنما هي أسرة محترمة من الطبقة المتوسطة الليبرالية مثل عشرات الآلاف من الأسر في أمريكا وبريطانيا مثلا، ما يسلط الضوء على ما تخلفه المجتمعات الغربية من مآس لسكانها من السود، وفي الوقت نفسه يخلق نوعا جديدا من التباعد النفسي عبر التركيز على ان مشاكل السود في الغرب لا تقتصر فقط على المتطرفين وإنما على التركيبة الذهنية والنفسية للأسر البيض بشكل عام.