عطفاً على ما سبق من مقالات استهلت هذه السلسلة التى تستهدف صناعة وعى الممانعة فى وجه تنظيمات الفزع الإرهابي، وفى مواجهة إرادة عالمية تستهدف (صياغة عالم جديد)، تسعى كلماتنا اليوم إلى تعرية الأطوار المتعددة التى يتقلب فيها الإنسان، قبل أن يصبح (ذئبا منفردا)، متجرداً من غريزة (البقاء) أو التمسك بالحياة، التى هى فطرة الله الراسخة فى نفوس البشر، ليتحول إلى (قنبلة) تنفجر فى وجه المجتمع الإنساني، أو ليغدو آلة قتل تسير على قدمين مستهدفة حصد أرواح وإشاعة فزع عام قبل أن يسقط جثة هامدة. وينبغى التأكيد فى هذا الصدد إلى إن ما يخلفه الذئب المنفرد من تهديد للسلم المجتمعى والبقاء الإنساني، يأتى مستهدفاً ضمن مستهدفات أكثر عمومية عالمياً، ويمكن تصنيفها تحت عناوين معتمدة بحسب تصريحات رسمية منسوبة للإدارة الأمريكية- يمكن أن تكون (الفوضى الخلاقة -العالم الجديد). وفيها لا يكون إشاعة الفزع عبر صناعة (ذئاب منفردة) تقليدية، بل يمكن تحقيق ذلك عبر آليات أخرى تثرى نزعة العنف والانتقام لدى أبناء المجتمع بطرق مباشرة وغير مباشرة، ويكون نتاجها حوادث دموية خارجة عن أطر المجتمعات مثل (شحن زوج ضد زوجته لدرجة تدفعه لإلقائها من النافذة - شحن طالب ضد مدرسه ليقتله - إغراق المجتمع عبر وسائل إعلامية تشبعه باليأس والإحباط وتجعله سهل الاستفزاز والانفعال وتدفعه للغضب غير المتحكم به). إنها تنويعات يمكن أن يرصدها أى مواطن بمجرد متابعة (انفرادات) وسائل الإعلام المتنوعة بنقل تفاصيل حوادث من هذا النوع!. أما فيما يخص (الذئب المنفرد) التابع لتنظيمات التطرف، فيمكن تصنيفه إلى نوعين، الأول (الموجه غير المنظم)، وهى شخصيات تقوم بتنفيذ عملياتها الإرهابية بشكل شخصى دون الرجوع للتنظيمات الدموية ودون تلقى دعم منها سواء بشكل مباشر أو عبر وسيط، ويتم توجيه هذا النوع عبر طرق غير مباشرة أهمها (إصدارات التنظيمات الإرهابية -مواقع الإنترنت التابعة -وسائل التواصل الاجتماعى الأماكن المفتوحة)، وعبر هذه الشراك يتم اصطياد الشخصيات بطريقة غير مباشرة لإيقاظ طاقات الذئب الكامنة من خلال (إشاعة مناخ عام من الإحباط والتشاؤم حيال الواقع -استثمار حالة التشاؤم والإحباط لدى قطاعات عريضة)، ثم عبر ماكينات فرز مستمر يتم دفع المتابعين المهيئين لاستقبال تلك الرسائل إلى تفريغ طاقات اليأس والإحباط عبر ممارسة انتقامية من الواقع بكل مكوناته، وبالتأكيد فإن خطاب وسائل إعلام تنظيم الإخوان يمثل مادة خصبة لنشر هكذا رسائل. أما النوع الثانى فهو (الذئب الموجه المنظم)، وهو الذى يقوم بتنفيذ عمليات إرهابية لمصلحة تنظيمات دموية، سواء باتفاق مباشر مع تلك التنظيمات بيعة-، أو عبر وسطاء، ويتلقى فى سبيل ذلك كافة أنواع الدعم من تلك التنظيمات بدءا من الإعداد والتأهيل وصولاً للتخطيط والتنفيذ ولا فرق فى اصطياد هذه العناصر بين كونهم أحراراً أو سجناء، فالعملية تتم حتى داخل السجون! ويمر (الذئب المنفرد) فى أطوار حياته بمراحل خمس تبدأ بالاصطياد (الاختيار)، وتنتهى بالإطلاق (التنفيذ)، وبينهما (التأهيل التجنيد الإعداد)، وتدير المرحلة الأولى (لجنة) تضم من أربعة إلى ستة عناصر، فيما يشرف عليها قيادى يتولى التواصل مع إدارة التنظيم، وتكون مهمة اللجنة (اختيار عناصر مهيأة لقبول الأفكار وتطويرها إلى عمليات، معتمدة فى الاختيار على أصحاب الظروف الاستثنائية (الاقتصادية الاجتماعية -النفسية -ذوى الميول المتشددة، سواء كانت مسيحية أو إسلامية، أو حتى ميولا متشددة لنشر الإلحاد أو الشذوذ). وسواء أكانت عملية اصطياد الذئب المنفرد فى البيئة العامة أو داخل السجون، تجرى عملية الفرز والتعزيز فى خطوة ثانية، حيث يتم إعداد تقرير بالحالة مع شرح واف لظروف كل فرد، وتحديد لأهم الصفات الذاتية للشخص، وتتولى القيادة الأعلى تصنيف المقبولين وتحديد من سيتم تطويرهم. وفى مرحلة التأهيل يبدأ الصياد (الداعي) التعامل مع الفرد (المستهدف) بحيث يتقبل الفكرة العامة للقضية، ويتفاعل مع مفردات واقعها عبر (حوارات حول وجوب الانتقام -هدايا محفزة تتضمن بعض الإصدارت المرئية أو المسموعة أو المقروءة -عطايا مادية تتجاوز قدرات وواقع الشخص) وتبقى حركة الصياد مع الذئب مرهونة بمتابعة لجان متخصصة تضم (متخصصين شرعيين -خبراء علم نفس) يتسمون باتساع الاطلاع والثقافة وامتلاك الحجج الشرعية والبراهين العلمية، والتمتع بقدرات متميزة فى إدارة النقاش والجدال، والإلمام بلغة الجسد والعلوم النفسية، مع القدرة على الإقناع والقبول لكل الأفكار، وإن بدت مخالفة لأدبيات التنظيم وعقيدته. وفى حالة عدم قدرة (الصياد) على إدارة حواراته مع الهدف، فإنه يتقرر تنظيم لقاءات مباشرة له مع اللجان المختصة ويتم ذلك إما عبر اتصال شخصى مباشر أو إلكتروني. وبعد مرحلة التأهيل والاطمئنان لتجاوز المستهدف مرحلة الإعداد والتهيئة العقلية والنفسية وإجازة المتابعين له بعد تزكية (الصياد) تبدأ مرحلة (التجنيد) جيث يقوم (الصياد) عضو التنظيم بعرض فكرة مبايعة التنظيم على الهدف، ويفصح له عن فرصة إمداده بكافة ما يطلب فى مقابل العمل مع التنظيم، وعند هذا الحد لايكون للهدف خيار إلا القبول، وهو ما يترتب عليه تسجيل فيديو مصور يعلن فيه الهدف مبايعته ل (أبوبكر البغدادي) باعتباره أميراً للمؤمنين وخليفة رسول الله فى حكمهم، لتبدأ مراحلة الإعداد التى تتعدد بيئاتها وساحاتها فى الداخل والخارج، وصولاً إلى مرحلة إطلاق الذئب المنفرد. وللحديث بقية إن شاء الله لمزيد من مقالات عبد الجليل الشرنوبى;