نصل فى هذا العدد ما انقطع من حديث سابق على مدى أسبوعين، حول أحدث أسلحة الإرهاب الموجهة إلى مصر خاصة والإنسانية على وجه العموم، وهو سلاح (الذئاب المنفردة)، والهدف الأساسى هو صناعة وعى عام يناسب حجم المعركة التى تخوضها الإنسانية فى مواجهة الإرهاب، والهدف الأكثر تحديداً هو تحصين الوعى الجمعى من خطر وقوع أبنائنا فى شِراك اصطياد الذئاب التجنيد ، وهى عملية شديدة التعقيد، تتجاوز فى وسائلها تقليدية التجنيد عند التنظيم الأم للإرهاب (الإخوان)، وتتعدى قدرات الخلايا التقليدية للإرهاب، معتمدة على فرز دقيق للشخوص المستهدفة، وتشريح متخصص لمفاتيح الشخصية القابلة للتحول إلى (ذئب منفرد). إننا ببساطة أمام عملية اصطياد محكمة يتم ذللأسف تسفيه خطرها بحصرها فى حالة التطرف الدينى، والإغواء المالي، وكلاهما يمثلان عناصر مساعدة لكنهما يظلان مجرد أرقام فى منظومة معقدة يسوقنا تعقيدها إلى تساؤلات عن (السر وراء التطور التقنى والعلمى الذى تتسم به إدارة هذه التنظيمات لها)، وهو التطور الذى لا يمكن أن تنتجه بيئة سفاح همجى مثل (أبو بكر البغدادي) الذى يفترض أن يكون القيادة العليا لخلايا اصطياد (الذئاب) وتأهيلهم ومن ثم إطلاقهم لاستهداف الإنسانية كلها. وهنا تجدر الإشارة إلى بداية ظهور مصطلح «الذئاب المنفردة» مطلع عام 2015، عقب انتهاء دراسة أجراها باحثون اجتماعيون ونفسيون وأمنيون بجامعة (ميرسى هيرست) الأمريكية بعنوان اظاهرة الذئب المنفردب بناء على طلب وتمويل من وزارة العدل الأمريكية، وهذا التمويل كان مقصورا على إعداد الدراسة لا طباعتها، وبالتالى لم يظهر إلى النور من الدراسة إلا ملخص لها، مع التركيز على تعريف الذئب المنفرد باعتباره (أى شخص يمكن أن يشن هجوماً مسلحاً بدوافع عقائدية أو اجتماعية أو نفسية أو مرضية أو سياسية، نتيجة قناعات شخصية تكونت لديه وظروف محيطة تأثر بها). ورغم أن الدراسة الأمريكية ربطت بين ظهور (الذئاب المنفردة) و هجمات 11 سبتمبر 2001، فإنها أكدت ازدهار الظاهرة مع (توحش تنظيم داعش)، لكن الدراسة أشارت إلى نقطة يجب التوقف عندها كثيراً، حتى يمكن فهم حالة التطور الذى تتسم به عمليات (اصطياد وترويض وإطلاق الذئب المنفرد)، وهى إن عملياتهم حول العالم منذ هجمات 11 سبتمبر وحتى نهاية 2014، شارك فى (ستين حادثة من أكبرها عملاء سابقون لأجهزة الأمن الأمريكية منهم 15 عميلا سريا نفذوا هجماتهم بالولايات المتحدة)؟!. إن هذه النتيجة على قدر ما هى صادمة إلا إنها تتسق تماماً مع شهادات عدة لمسئولين أمنيين أمريكيين نافذين، كان منهم (تاد جوندرسون) المدير السابق ل (إف بى آي)، والذى نقل عنه قوله (أكثر الهجمات الإرهابية من صنع الإف بى آى و السى آى إيه). إن هكذا رابط يمكن أن يمثل تفسيراً منطقياً لحالة التطور التى تمتلكها هذه التنظيمات، بل ويبرر اعتمادها على (الإنترنت) كوسيلة لنشر الأفكار عبر مواقع مختلفة (خادماتها أمريكية الجنسية)، وعبر مئات الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعى التى تحمل أيضاً ذات الجنسية الأمريكية. إن صفحات الإنترنت تمثل الفضاء الرحب لانتشار جراثيم (الإرهاب) مستهدفة الوعى المشوه لتعميق تشوهه، وهنا تجدر الإشارة إلى إن عملية اصطياد (الذئب) لا تشترط فيه تطرفاً أو تشوهاً (دينياً)، لكنها تشترط أن يكون مشوهاً أو مشوشاً لبواعث عدة تبدأ من الدين وتنتهى إلى اللا دين أو الإلحاد، وبينهما يمكن أن يوجد المتطرف (الاجتماعى ذالسياسى النفسى ذالمرضى (الجنسى). ويمكننا فى هذا الصدد الاستشهاد ب (عمر متين) منفذ هجوم 12 يونيو 2016 والذى استهدف نادى الشواذ جنسياً فى مدينة (أورلاندو) الأمريكية وأسفر عن مصرع (49 شخصا وإصابة 53 آخرين)، والذى أعلن مبايعته لتنظيم (داعش) عبر خط الطوارئ قبل الهجوم بلحظات، وبحسب وصف رفاقه وأقربائه فإنه لم يكن متدينا، وكان عنيفا منذ طفولته، واعتاد التردد على نوادى الشواذ واستخدام تطبيقاتهم الإلكترونية للتعارف!. إن نموذج (عمر متين) الذى يحمل مقومات التطرف النفسية والجنسية، تشير إلى إن عملية (اصطياد الذئاب المنفردة)، لا تستهدف التوجه العقائدى بالدرجة الأولى قدر كونها قائمة على استهداف اعوجاج النفوس، وهو ما يجعل حصر الأمر فى التطرف الدينى أو العقدي، تقزيماً لحجم الخطر، وإغفالاً لدوائر أكثر اتساعاً، بما يقلص مساحات التنبه للخطر. وبتتبع شخصيات عدة استطاع تنظيم داعش اصطيادها وانتزاعها من بيئتها وإعادة إنتاجها من جديد نكتشف أن المال ليس محوراً رئيساً فى عملية الاصطياد، بل إن حالة من الاضطراب الذاتى تمثل التمهيد الأولى ليقع الشخص ضحية شرك التطرف، فأنى للمال أن يكون هو الدافع إلى أن يتحول ضابط شرطة سابق ومرشح للانتخابات البرلمانية فى 2012 مثل (أحمد الدروي) إلى مقاتل كنيته (أبى معاذ المصري)؟، وكيف للمال أن يغوى ابن حى مصر الجديدة ومدرسة (ليسيه الحرية) ثم كلية حقوق عين شمس ليتحول من (إسلام يكن) إلى (أبو سلمة) الذى يمتطى خيول داعش حتى يقتل؟!، وأيُ مال ذلك الذى يمكن أن تغرى به داعش مغنى الراب (عبد المجيد عبد الباري) الذى نشأ فى لندن ويعيش فى منزل تتجاوز قيمته مليون جنيه استرليني؟ إذن تظل عملية اصطياد (الذئاب المنفردة) مرهونة بمعايير التطرف الذاتية التى يتسم بها (الصيد)، وعبرها تبدأ أولى خطوات تحول الإنسان إلى ذئب دموى قادر على إشاعة الذعر .. وللحديث بقية. لمزيد من مقالات ◀ عبدالجليل الشرنوبى